صفحة جزء
السبب الرابع : أن يتضمن إثبات الصداق رفعه .

نقدم عليه أن الأب إذا زوج ابنه الصغير أو المجنون ، فإما أن يصدق من مال الابن ، وإما من مال نفسه . فإن أصدق من مال الابن ، فالكلام في أنه [ هل ] يصير ضامنا للصداق إذا كان دينا ؟ وهل يرجع إذا غرم على ما سبق في الطرف السادس من باب بيان الأولياء ؟ فإن تطوع وأداه من مال نفسه ثم بلغ الابن وطلقها قبل الدخول ، فهل يرجع النصف إلى الأب أم إلى الابن ؟ فيه طريقان . أحدهما وبه قال الداركي : إنه على الوجهين فيما لو تبرع أجنبي على الزوج بأداء الصداق ثم طلق قبل الدخول ، هل يعود النصف إلى الزوج لأن الطلاق منه ، أم إلى الأجنبي المتبرع ؟ والطريق الثاني وهو المذهب وبه قطع الجمهور : أنه يعود إلى الابن ، وفرقوا بينه وبين الأجنبي ، بأن الأب يتمكن من تمليك الابن فيكون موجبا قابلا قابضا مقبضا ، فإذا حصل الملك ، ثم صار للمرأة عاد إليه بالطلاق ، والأجنبي بخلافه . فإن كان الابن بالغا ، وأدى الأب عنه ، فكالأجنبي .

والأصح في صورة الأجنبي ، عود النصف إلى الأجنبي ، قاله الإمام : فإذا قلنا : يعود إلى الابن الذي طلق ، فإن كان ما أخذه بالطلاق بدل ما أخذته ، فلا رجوع للأب ، وإن كان عين المأخوذ ، فقيل : لا رجوع قطعا . وقيل : على الوجهين فيمن وهب لابنه عينا فزال ملكه عنها ثم عاد ، والمذهب المنع . فإن كان الابن بالغا ، فقيل : كالصغير . وقيل بالمنع قطعا ; لأنه [ ليس ] للأب تمليكه ، [ ص: 271 ] فالأداء عنه محض إسقاط . أما إذا أصدقها الأب من مال نفسه ، فيجوز ويكون تبرعا منه على الابن . قال البغوي : سواء كان عينا أو دينا . ثم لو بلغ الصبي وطلقها قبل الدخول ، عاد الخلاف فيمن يرجع إليه النصف . فإن قلنا بالمذهب وهو العود إلى الابن ، فإن كان أصدقها عينا وبقيت بحالها فرجع النصف إليه ، فهل للأب الرجوع ؟ فيه الخلاف المذكور فيما إذا زال ملك الابن عن الموهوب ثم عاد . وإن أصدقها دينا ، قال البغوي : فلا رجوع فيما حصل ، كما لو اشترى لابنه الصغير شيئا في الذمة ثم أداه من ماله ، ثم وجد الابن بالمبيع عيبا فرده ، يسترد الثمن ولا يرجع الأب فيه ، بخلاف ما لو خرج المبيع مستحقا يعود الثمن إلى الأب ; لأنه بان أنه لم يصح الأداء . ولو ارتدت المرأة قبل الدخول ، فالقول فيمن يعود إليه كل الصداق وفي رجوع الأب فيه إذا عاد إلى الابن ، كالقول في النصف عند الطلاق .

إذا عرفت هذه المقدمة ، فمن مفسدات الصداق أن يلزم من إثباته رفعه ، وذلك إما أن يكون بتوسط تأثيره في رفع النكاح ، وإما بغير هذا التوسط . مثال القسم الأول ، أذن لعبده أن ينكح حرة ويجعل رقبته صداقا لها ففعل ، لا يصح الصداق ; لأنه لو صح لملكت زوجها وانفسخ النكاح ، وارتفع الصداق ، ولا يصح أيضا النكاح ; لأنه قارنه ما يضاده ، وفي صحته احتمال لبعض الأئمة .

قلت : هذا الاحتمال ، ذكره الإمام والغزالي قالا : ولكن لا صائر إليه من الأصحاب ، وقد جزم به صاحب " الشامل " ذكره في آخر " باب الشغار " ، ولكن الذي عليه الجمهور ، الجزم ببطلان النكاح . والله أعلم .

ولو أذن له في نكاح أمة ، ويجعل رقبته صداقها ، ففعل ، صح النكاح والصداق ; لأن المهر للسيد لا لها . فلو طلقها قبل الدخول ، بني على ما إذا باع السيد عبده [ ص: 272 ] بعدما نكح بإذنه ثم طلق العبد المنكوحة بعد أداء المهر وقبل الدخول ، إلى من يعود النصف ؟ وفيه أوجه . أصحها : إلى المشتري ، سواء أداه البائع من مال نفسه أو من كسب العبد ، قبل البيع أو بعده ; لأن الملك في النصف إنما حصل بالطلاق ، والطلاق في ملك المشتري ، فأشبه سائر الإكساب .

والثاني : يعود إلى البائع بكل حال . والثالث : إن أداه البائع من عنده أو أدى من كسب العبد قبل البيع ، عاد إلى البائع ، وإن أدى من كسبه بعد البيع ، عاد إلى المشتري ، ولو فسخ أحدهما النكاح بعيب ، أو ارتدت ، أو عتقت وفسخت ، جرت الأوجه في أن كل الصداق إلى من يعود ؟ ولو أعتق العبد ثم طلق قبل الدخول ، أو حدث شيء من الأسباب المذكورة ، فحيث نقول بالعود إلى البائع ، يعود هنا إلى المعتق ، وحيث جعلناه للمشتري ، يكون هنا للعتيق . فإن قلنا بالأصح وهو العود إلى المشتري ، ففي المسألة التي كنا فيها تبقى رقبة العبد كلها لمالك الأمة . وإن قلنا بالعود إلى البائع ، فكذا هنا يعود النصف إلى السيد المصدق في صورة الطلاق ، ولو ارتدت أو فسخت بعيب ، عاد الكل إليه . ولو أعتق مالك الأمة العبد ثم طلقها قبل الدخول ، أو فسخت أو ارتدت ، فعلى المعتق نصف قيمة العبد في صورة الطلاق ، وجميعها في الفسخ [ و ] الردة ، ويكون ذلك للزوج العتيق على الأصح ، ولسيده الأول على الوجه الآخر . ولو قبل نكاح أمة لعبده الرضيع على قولنا : يجوز إجبار العبد الصغير على النكاح وجعله صداقها ، فأرضعت الأمة زوجها وانفسخ النكاح ، فالعبد يبقى لمالك الأمة على الأصح . وعلى الوجه الآخر : يعود إلى سيده الأول . ولو ارتضع الصغير بنفسه ، فهو كالطلاق قبل [ ص: 273 ] الدخول . ولو باع مالك الأمة العبد ثم طلق العبد قبل الدخول ، وحصلت ردة ، أو فسخت ، فعلى الوجه المقابل للأصح : يجب عليه لسيد العبد الأول نصف قيمة العبد في صورة الطلاق ، وجميع قيمته في سائر الصور . وأما على الوجه الأصح ، فقد أطلق في " التهذيب " أنه لا شيء عليه . وقال الشيخ أبو علي : يرجع مشتري العبد عليه بنصف القيمة أو بجميعها ; لأن الصداق على هذا الوجه يكون أبدا لمن له العبد يوم الطلاق أو الفسخ ، وهذا هو الصواب ، وليتأول ما في " التهذيب " على أنه لا شيء عليه للسيد الأول . ولو باع الأمة ثم طلق ، أو فسخت ، فعلى الأصح يبقى العبد له ولا شيء عليه ، وعلى الآخر يعود نصفه أو كله إلى السيد الأول .

مثال القسم الثاني : كانت أم ابنه الصغير في ملكه ، بأن استولد أمة غيره بنكاح ، ثم ملكها هي وولدها ، فيعتق عليه الولد دونها . فلو قبل لابنه نكاح امرأة وأصدقها أمة ، لم يصح الصداق ; لأن ما يجعله صداقا يدخل في ملك الابن أولا ، ثم ينتقل إلى المرأة ، ولو دخلت في ملكه ، لعتقت عليه وامتنع انتقالها إلى الزوجة ، فيصح النكاح ويفسد الصداق ، ويجيء الخلاف في أن الواجب مهر المثل أم قيمتها ؟ هذا ما ذكره الأصحاب . وقد ذكرنا خلافا فيما إذا أصدق الأب من ماله عن الصغير ، ثم بلغ وطلق قبل الدخول ; لأن النصف يرجع إلى الأب أو إلى الابن . فمن قال : إلى الأب ، فقد ينازع في قولهم : لا يدخل في ملكها حتى يدخل في ملك الابن .

التالي السابق


الخدمات العلمية