الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        السبب الخامس : تفريط الولي في قدر المهر . فإذا قبل لابنه الصغير أو [ ص: 274 ] المجنون نكاحا بمهر المثل أو دونه ، أو بعين من أمواله بقدر مهر المثل أو دونه ، صح . وإن قبله بأكثر من مهر المثل ، فالصداق فاسد . وكذا لو زوج بنته المجنونة أو البكر ، أو الصغيرة أو الكبيرة بغير إذنها بأقل من مهر المثل ، فسد الصداق . وفي النكاح في المسألتين قولان : أظهرهما : صحته كسائر الأسباب المفسدة ، ويجب مهر المثل . وفيما إذا أصدقها عينا وجه أنه تصح التسمية في قدر مهر المثل .

                                                                                                                                                                        والقول الثاني : لا يصح النكاح ; لأنه ترك مصلحة المولى عليه ، فصار كترك الكفاءة . ولو أصدق عن ابنه أكثر من مهر المثل من مال نفسه ، ففيه احتمالان للإمام . أحدهما : يفسد المسمى ; لأنه يتضمن دخوله في ملك الابن ، ثم يكون متبرعا بالزيادة . والثاني : يصح وتستحق المرأة المسمى ; لأنه لا ضرر على الابن ، بل إذا لم نصححه أضررنا به ، فإنه مهر المثل في ماله ، وبهذا الثاني قطع الغزالي والبغوي ، ورجح المتولي والسرخسي في " الأمالي " الاحتمال الأول ، ويتأيد بأنه لو لزم الصبي كفارة قتل فأعتق الولي عنه عبدا لنفسه ، لم يجز لأنه يتضمن دخوله في ملكه وإعتاقه عنه ، وإعتاق عبد الطفل لا يجوز .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا اتفقوا على مهر في السر وأعلنوا بأكثر من ذلك ، فعن الشافعي - رضي الله عنه - أنه قال في موضع : المهر مهر السر ، وفي موضع : العلانية .

                                                                                                                                                                        وللأصحاب طريقان . أحدهما : إثبات قولين : وفي موضعهما وجهان : أحدهما : موضعهما إذا اتفقوا على ألف ، واصطلحوا على أن يعبروا عن الألف في العلانية بألفين . أظهر القولين وجوب ألفين بجريان [ ص: 275 ] اللفظ الصريح بهما . والثاني : الواجب ألف عملا باصطلاحهما . والوجه الثاني : إثبات قولين مهما اتفقوا على ألف وجرى العقد بألفين وإن لم يتعرضوا للتعبير عن ألف بألفين اكتفاء بقصدهم . قال الإمام : وعلى هذه القاعدة تجري الأحكام المتلقاة من الألفاظ . فلو قال الزوج لزوجته : إذا قلت : أنت طالق ثلاثا ، لم أرد به الطلاق ، وإنما غرضي أن تقومي وتقعدي ، وأريد بالثلاث واحدة ، فالمذهب أنه لا عبرة بذلك . وفي وجه : الاعتبار بما تواضعا عليه .

                                                                                                                                                                        ثم ما المعنى بما أطلقناه في الوجهين من الاتفاق في السر ، أهو مجرد التراضي والتواعد ؟ أم المراد ما إذا جرى العقد بألف في السر ثم عقدوا بألفين في العلانية ؟ منهم من يشعر كلامه بالأول ، ومقتضى كلام البغوي وغيره إثبات القولين وإن جرى العقدان . قال البغوي : وخرج بعضهم من هذا ، أن المصطلح عليه قبل العقد كالمشروط في العقد ، وقد سبق بيان هذا التخريج . والطريق الثاني وهو المذهب : تنزيل النصين على حالين ، فحيث قال : المهر مهر السر ، أراد إذا عقد في السر بألف ، ثم أتوا بلفظ العقد في العلانية بألفين تحملا وهم متفقون على بقاء العقد الأول . وحيث قال : المهر مهر العلانية ، أراد إذا تواعدوا أن يكون المهر ألفا ، ولم يعقد في السر ثم عقدوا في العلانية ، فالمهر مهر العلانية لأنه العقد .

                                                                                                                                                                        ونقل الحناطي وغيره في المسألة نصا ثالثا ، وهو أنه يجب مهر المثل ويفسد المسمى ، وحملوه على ما إذا جرى العقد بألفين على أن يكتفى بألف ، أو على أن لا يلزمه إلا أداء ألف . والمعتبر في المسألة توافق الولي والزوج ، وقد يحتاج إلى مساعدة المرأة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية