صفحة جزء
فصل

إذا سها الإمام في صلاته ، لحق سهوه المأموم ويستثنى صورتان . إحداهما : إذا بان الإمام محدثا ، فلا يسجد لسهوه ، ولا يتحمل عن المأموم أيضا . الثانية : أن يعلم سبب سجود الإمام ، ويتيقن غلطه في ظنه ، كما إذا ظن الإمام ترك بعض الأبعاض ، والمأموم يعلم أنه لم يترك ، فلا يوافقه إذا سجد . ثم إذا سجد الإمام [ ص: 313 ] في غير الصورتين ، لزم المأموم موافقته فيه . فإن تركه عمدا بطلت صلاته . وسواء عرف المأموم سهو الإمام ، أم لم يعرفه . فمتى سجد الإمام في آخر صلاته سجدتين ، وجب على المأموم متابعته ، حملا على أنه سها ، بخلاف ما لو قام وأتى بركعة خامسة ، فإنه لا يتابعه ، حملا على أنه ترك ركنا من ركعة ، لأنه لو تحقق الحال هناك لم يجز متابعته ، لأن المأموم أتم صلاته يقينا .

قلت : ولو كان المأموم مسبوقا بركعة ، أو شاكا في ترك ركن كالفاتحة ، فقام الإمام إلى الخامسة ، لم يجز للمأموم متابعته فيها . والله أعلم .

ولو لم يسجد الإمام إلا سجدة ، سجد المأموم أخرى ، حملا على أنه نسي . ولو ترك الإمام السجود لسهوه ، سجد المأموم على الصحيح المنصوص . وخرج قول : أنه لا يسجد . ولو سلم الإمام ، ثم عاد إلى السجود ، نظر ، فإن سلم المأموم معه ناسيا ، وافقه في السجود . فإن لم يوافقه ، ففي بطلان صلاته وجهان بناء على الوجهين فيمن سلم ناسيا للسجود فعاد إليه : هل يعود إلى حكم الصلاة ؟ وإن سلم المأموم عمدا مع علمه بالسهو ، لم يلزمه متابعته . ولو لم يسلم المأموم ، فعاد الإمام ليسجد ، فإن عاد بعد أن سجد المأموم للسهو ، لم يتابعه ، لأنه قطع صلاته عن صلاته بالسجود . وإن عاد قبل أن يسجد المأموم ، فالأصح : أنه لا يجوز متابعته ، بل يسجد منفردا . والثاني : يلزمه متابعته . فإن لم يفعل ، بطلت صلاته . ولو سبق الإمام حدث بعدما سها ، أتم المأموم صلاته ، وسجد للسهو . تفريعا على الصحيح المنصوص .

قلت : ولو سها المأموم ، ثم سبق الإمام حدث ، لم يسجد المأموم ، لأن الإمام حمله . وإن قام الإمام إلى خامسة ساهيا ، فنوى المأموم مفارقته بعد بلوغ الإمام في ارتفاعه حد الراكعين ، سجد المأموم للسهو . وإن نواها قبله ، فلا سجود . والله أعلم .

[ ص: 314 ] ولو كان الإمام حنفيا ، وجوزنا الاقتداء به ، فسلم قبل أن يسجد للسهو ، لم يسلم معه المأموم ، بل يسجد قبل السلام ، ولا ينتظر سجود الإمام ، لأنه فارقه بسلامه . ولو كان المأموم مسبوقا ، وسها الإمام بعد ما لحقه ، وسجد في آخر صلاته ، لزم المسبوق أن يسجد معه على الصحيح المنصوص المعروف . وعلى الشاذ : لا يسجد . فعلى الصحيح : إذا سجد معه ، يعيد السجود في آخر صلاة نفسه على الأظهر . فإن لم يسجد الإمام ، لم يسجد المسبوق في آخر صلاة الإمام . وهل يسجد في آخر صلاة نفسه ؟ فيه الخلاف المتقدم في المأموم الموافق ، إذا لم يسجد الإمام : هل يسجد ؟ أما إذا سها الإمام قبل اقتداء المسبوق ، فهل يلحق المسبوق حكم سهوه ؟ وجهان . أحدهما : لا . فعلى هذا إن لم يسجد الإمام ، لم يسجد هو أصلا . وإن سجد ، فالأصح : أنه لا يسجد معه . والثاني : يسجد معه ، لكن لا يعيده في آخر صلاته . والوجه الثاني وهو الأصح : يلحقه حكم سهوه . فعلى هذا ، إن سجد الإمام ، سجد معه . وهل يعيده في آخر صلاته ؟ فيه القولان . وإن لم يسجد الإمام ، سجد هو في آخر صلاته على الصحيح المنصوص . وإذا قلنا : المسبوق يعيد السجود في آخر صلاته ، فاقتدى به بعد انفراده مسبوق آخر ، وبالآخر آخر ، فكل واحد منهم يسجد لمتابعته إمامه ، ثم يسجد في آخر صلاة نفسه . ولو سها المسبوق في تداركه ، فإن قلنا : لا يسجد لسهو الإمام في آخر صلاة نفسه ، سجد لسهوه سجدتين . وإن قلنا : يسجد لسهو الإمام في آخرها ، فكم يسجد ؟ وجهان . أصحهما : سجدتان . والثاني : أربع . ولو انفرد المصلي بركعة من رباعية ، وسها فيها ، ثم اقتدى بمسافر ، وجوزنا الاقتداء في أثناء الصلاة ، وسها إمامه ، ثم قام إلى الرابعة ، وسها فيها ، فكم يسجد في آخر صلاته ؟ فيه أوجه . الأصح . سجدتان . والثاني : أربع . والثالث : ست . فإن كان سجد الإمام ، فلا بد أن يسجد معه ، فيكون قد أتى في صلاته بثمان سجدات للسهو على الوجه الثالث . وكذا [ ص: 315 ] المسبوق إذا اقتدى بمسافر ، وسها الإمام ، وسجد معه المسبوق ، ثم صار الإمام متما قبل أن يسلم فأتم ، وأعاد سجود السهو ، وأعاد معه المسبوق ، ثم قام إلى الرابعة ، وسها فيها ، وقلنا : يسجد أربع سجدات ، فقد أتى بثماني سجدات . فإن سها بعدها بكلام ، أو غيره ، وفرعنا على أنه إذا سها بعد سجود السهو ، يسجد ، صارت السجدات عشرا . وقد يزيد عدد السجود على هذا تفريعا على الوجوه الضعيفة .

قلت : إذا قلنا : يسجد سجدتين للجميع ، فهل هما عن سهوه في انفراده وسهو إمامه أم عن سهو إمامه فقط ، أم عن سهوه فقط ؟ فيه ثلاثة أوجه حكاها صاحب ( البيان ) . الصحيح المشهور : الأول ، فإن قلنا : عن أحدهما فقط ، فنوى الآخر عالما ، بطلت صلاته . وإن قلنا : عنهما ، فنوى أحدهما ، لم تبطل ، لكنه تارك لسجود الأخير . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية