صفحة جزء
فصل

في السن القصاص ، وإنما يجب إذا قلعها ، فلو كسرها ، فلا قصاص ، كذا ذكره البغوي وغيره ، وحكى ابن كج عن نصه في " الأم " أنه إذا كسر بعض سنه يراجع أهل الخبرة ، فإن قالوا : يمكن استيفاؤه بلا زيادة ولا صدع في الباقي ، اقتص منه .

وبهذا قطع صاحب " المهذب " ولا تؤخذ السن الصحيحة بالمكسورة ، وتؤخذ المكسورة بالصحيحة مع قسط الذاهب من الأرش ، وتؤخذ الزائدة [ ص: 199 ] بالزائدة بالشرط السابق ، ولو قلع سن رجل ، وليس للجاني تلك السن ، فلا قصاص ، وتؤخذ الدية ، فلو نبت بعد ذلك ، فلا قصاص أيضا ، لأنها لم تكن موجودة حال الجناية .

فرع .

إذا قلع مثغور - وهو الذي سقطت رواضعه - سن صبي لم يثغر ، فلا قصاص في الحال ولا دية ، لأنها تعود غالبا ، فإن نبتت ، فلا قصاص ولا دية ، ولكن عليه الحكومة إن نبتت سوداء ، أو معوجة ، أو خارجة عن سمت الأسنان ، أو بقي شين بعد النبات .

وإن نبتت أطول مما كانت ، أو نبت معها سن شاغية ، فكذلك على الأصح ، وإن نبتت أقصر مما كانت ، وجب بقدر النقص من الأرش ، وإن جاء وقت نباتها ، بأن سقط سائر الأسنان ، وعادت ، ولم تنبت المقلوعة ، أريناه أهل الخبرة ، فإن قالوا : يتوقع نباتها إلى وقت كذا ، توقفنا تلك المدة ، فإن مضت ولم تنبت ، أو قالوا : فسد المنبت ولا يتوقع النبات ، وجب القصاص على المذهب .

وبه قطع الأصحاب ، وحكى الغزالي فيه قولين ، لأن سن الصغير ناقصة ، ولم يذكر الخلاف غير الغزالي ، ثم إذا أوجبنا القصاص ، فالاستيفاء إنما يكون بعد البلوغ ، فإن مات الصبي قبل بلوغه ، اقتص وارثه في الحال ، أو أخذ الأرش ، وإن مات قبل حصول اليأس ، وقبل تبين الحال ، فلا قصاص ، وفي الأرش وجهان يأتيان في الديات إن شاء الله تعالى .

[ ص: 200 ] فرع .

قلع مثغور سن مثغور ، وجب القصاص ، فلو نبت سن المجني عليه ، ففي سقوط القصاص قولان .

أحدهما : يسقط ، لأن العائد قائم مقام الأول ، كما في غير المثغور ، وأظهرهما : لا يسقط ، لأن هذا هبة جديدة من الله تعالى ، وعلى القولين لا ننتظر العود ، بل للمجني عليه أن يقتص ، أو يأخذ الدية في الحال .

وقيل : يراجع أهل الخبرة ، فإن قالوا : قد يعود إلى مدة كذا ، انتظر تلك المدة ، ويكون الحكم كما ذكرنا في غير المثغور ، ولو التأمت الموضحة والتحمت ، لم تسقط الدية ولا القصاص ، لأن العادة فيها الالتحام ، وكذا حكم الجائفة .

وعن صاحب " التقريب " وجه أنها إذا التحمت زال حكمها ، ورأى الإمام تخصيص هذا الوجه على ضعفه بما إذا نفذت الحديدة إلى الجوف ، وحصل خرق من غير زوال لحم دون ما إذا زال شيء ، ونبت لحم جديد ، ورأى طرده في مثلها في الموضحة .

ولو قطع لسانا فنبت ، ففي سقوط القصاص طريقان ، أحدهما : قولان كالسن .

والمذهب القطع بالمنع ، لأن عوده بعيد جدا ، فهو هبة محضة ، وجنس السن معتاد العود ، التفريع على القولين في عود السن ، فإذا اقتص المجني عليه ، أو أخذ الأرش ، ثم نبتت سنه ، فليس للجاني قلعها .

وهل يسترد الأرش إن كان المجني عليه أخذه ؟ وجهان أو قولان .

إن قلنا : العائد كالأول ، استرد ، وإن قلنا : هبة ، فلا ، وإن كان المجني عليه اقتص ، فهل يطالبه الجاني بأرش السن ؟ يبنى على الخلاف ، وقال ابن سلمة : لا يطالب هنا قطعا لتعذر استرداد القصاص ، وهذا ضعيف .

ولو تعدى الجاني ، فقلع العائد وقد اقتص منه ، فإن قلنا : العائد كالأول ، لزمه الأرش بهذا القلع لتعذر القصاص وقد وجب له على المجني عليه الأرش بالعود ففيه الكلام في التقاص ، وإن جعلناه هبة ، لزمه الأرش بالقلع الثاني ، وعلى [ ص: 201 ] هذا القول لو لم يقتص منه أولا وأخذ الأرش ، فللمجني عليه أن يقتص للقلع الثاني .

فلو لم يكن اقتص للأول ولا أخذ الأرش ، لزمه قصاص وأرش ، أو أرشان بلا قصاص ، أما إذا اقتصصنا من الجاني فعاد سنه دون المجني عليه ، فإن قلنا : العائد كالأول ، فهل للمجني عليه القلع ثانيا ؟ وجهان .

أحدهما : لا ، لأنه قابل قلعا بقلع فلا تثنى عليه العقوبة ، لكن له الأرش لخروج القلع الأول عن كونه قصاصا ، وكأنه تعذر القصاص بسبب .

والثاني : نعم ، لأن الجاني أفسد منبته ، فيكرر عليه حتى يفسد منبته ، وإن قلنا : هبة ، فلا شيء للمجني عليه وقد استوفى حقه بما سبق ، وهذا هو الأظهر .

ولو اقتص ، فعاد سن الجاني والمجني عليه معا ، فلا شيء لواحد منهما على الآخر باتفاق القولين .

فرع .

قلع غير مثغور سن مثغور ، قال ابن كج : للمجني عليه أن يأخذ الأرش إن شاء ، ويقتص إن شاء ، وليس له مع القصاص شيء آخر كما في أخذ الشلاء بالصحيحة ، هذا إذا كان غير المثغور بالغا ، وإلا فلا قصاص .

وفي أمالي أبي الفرج أنه يقال له : إن قلعت سنه الآن ، فالظاهر منها العود ، فاصبر إلى أن يصير مثغورا ، فإن استعجل ، أجيب وشرط عليه أن لا حق له فيما يعود .

فرع .

قلع غير مثغور سن غير مثغور ، فلا قصاص في الحال ، فإن نبتت ، فلا قصاص ولا دية ، وإن لم تنبت وقد دخل وقته ، فالمجني عليه يأخذ الأرش أو يقتص ، فإن اقتص ولم يعد سن الجاني فذاك ، وإن عادت ، فهل يقلع ثانيا ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، قاله الإمام .

التالي السابق


الخدمات العلمية