صفحة جزء
[ ص: 374 ] فرع

المسبوق إذا أدرك الإمام راكعا يكبر للافتتاح ، وليس له أن يشتغل بالفاتحة بل يهوي للركوع ويكبر له تكبيرة أخرى . وكذا لو أدركه قائما فكبر فركع الإمام بمجرد تكبيره ، فلو اقتصر في الحالين على تكبيرة ، فله أحوال : أحدها : أن ينوي بها تكبيرة الافتتاح ، فتصح صلاته بشرط أن يوقعها في حال القيام .

الثاني : ينوي تكبيرة الركوع فلا تنعقد صلاته .

الثالث : ينويهما ، فلا تنعقد فرضا ولا نفلا أيضا على الصحيح .

الرابع : لا ينوي واحدا منهما ، بل يطلق التكبيرة . فالصحيح المنصوص في ( الأم ) وقطع به الجمهور : لا تنعقد . والثاني : تنعقد لقرينة الافتتاح ، ومال إليه إمام الحرمين .

فرع

إذا أخرج المأموم نفسه عن متابعة الإمام ، فالمذهب أنه لا تبطل صلاته ، سواء فارق بعذر أو بغيره ، هذا جملته . وتفصيله : أن في بطلان الصلاة بالمفارقة طريقين . أحدهما : لا تبطل . والثاني : على قولين . أصحهما : لا تبطل . واختلفوا في موضع القولين ، على طرق . أصحها : هما فيمن فارق بغير عذر . فأما المعذور فيجوز قطعا . وقيل : هما في المعذور . فأما غيره فتبطل صلاته قطعا . وقيل : هما فيهما ، واختاره الحليمي . وقال إمام الحرمين : والأعذار كثيرة ، وأقرب - معتبرا - أن يقال : كل ما جوز ترك الجماعة ابتداء ، جوز المفارقة . وألحقوا به ما إذا [ ص: 375 ] ترك الإمام سنة مقصودة ، كالتشهد الأول والقنوت . وأما إذا لم يصبر على طول القراءة لضعف أو شغل فالأصح أنه عذر . هذا كله إذا قطع المأموم القدوة والإمام بعد في الصلاة . أما إذا انقطعت بحدث الإمام ، ونحوه ، فلا تبطل صلاة المأموم قطعا بكل حال .

فرع

إذا أقيمت الجماعة وهو في الصلاة منفردا نظر إن كان في فريضة الوقت ، فقد قال الشافعي - رضي الله عنه : أحببت أن يكمل ركعتين ويسلم ، فتكون له نافلة ، ويبتدئ الصلاة مع الإمام . ومعناه : أن يقطع الفريضة ويقلبها نفلا . وفيه وفي نظائره خلاف قدمناه في مسائل النية في صفة الصلاة . ثم هذا فيما إذا كانت الصلاة ثلاثية ، أو رباعية ، ولم يصل بعد ركعتين . فإن كانت ذات ركعتين ، أو ذات ثلاث ، أو أربع ، وقد قام إلى الثالثة ، فإنه يتمها ، ثم يدخل في الجماعة ، وإن كان في فائتة ، لم يستحب أن يقتصر على ركعتين ليصلي تلك الفائتة جماعة ، لأن الفائتة لا يشرع لها الجماعة ، بخلاف ما لو شرع في فائتة في يوم غيم ، فانكشف الغيم ، وخاف فوت الحاضرة ، فإنه يسلم عن ركعتين ، ويشتغل بالحاضرة .

قلت : قوله : لا يشرع لها الجماعة ، يحمل على التفصيل الذي ذكرته في أول كتاب صلاة الجماعة . والله أعلم .

وإن كان في نافلة وأقيمت الجماعة ، فإن لم يخش فوتها أتمها . وإن خشيه ، قطعها ودخل في الجماعة . فأما إذا لم يسلم من صلاته التي أحرم بها منفردا ، بل اقتدى في خلالها ، فالمذهب جوازه . وهذا جملته . فأما تفصيله [ ص: 376 ] ففي صحة هذا الاقتداء طريقان . أحدهما : القطع ببطلانه وتبطل به الصلاة . وأصحهما وأشهرهما : فيه قولان أظهرهما : جوازه . ثم اختلفوا في موضع القولين على طرق ، فقيل : هما فيما إذا لم يركع المنفرد في انفراده . فإن ركع لم يجز قطعا . وقيل : هما بعد ركوعه . فأما قبله فيجوز قطعا . وقيل : هما إذا اتفقا في الركعة ، فإن اختلفا ، فكان الإمام في ركعة ، والمأموم في أخرى متقدما أو متأخرا لم يجز قطعا . والطريق الرابع الصحيح : أن القولين في جميع الأحوال . وإذا صححنا الاقتداء على الإطلاق ، فاختلفا في الركعة ، قعد المأموم في موضع قعود الإمام ، وقام في موضع قيامه ، فإن تمت صلاته أولا ، لم يتابع الإمام في الزيادة ، بل إن شاء فارقه ، وإن شاء انتظره في التشهد وطول الدعاء وسلم معه . فإن تمت صلاة الإمام أولا قام المأموم وأتم صلاته كما يفعل المسبوق ، وإذا سها المأموم قبل الاقتداء لم يتحمل عنه الإمام ، بل إذا سلم الإمام سجد هو لسهوه ، وإن سها بعد الاقتداء حمل عنه . وإن سها الإمام قبل الاقتداء أو بعده لحق المأموم ويسجد معه ، ويعيد في آخر صلاته على الأظهر كالمسبوق .

فرع

من أدرك الإمام في الركوع ، كان مدركا للركعة . وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة ، وأبو بكر الصبغي - بكسر الصاد المهملة ، وإسكان الباء الموحدة ، وبالغين المعجمة ، كلاهما من أصحابنا - : لا يدرك الركعة بإدراك الركوع . وهذا شاذ منكر ، والصحيح الذي عليه الناس ، وأطبق عليه الأئمة : إدراكها ، لكن يشترط أن يكون ذلك الركوع محسوبا للإمام ، فإن لم يكن ففيه تفصيل نذكره [ ص: 377 ] في الجمعة ، إن شاء الله تعالى . ثم المراد بإدراك الركوع ، أن يلتقي هو وإمامه في حد أقل الركوع . حتى لو كان هو في الهوي ، والإمام في الارتفاع ، وقد بلغ هويه حد الأقل قبل أن يرتفع الإمام عنه ، كان مدركا ، وإن لم يلتقيا فيه فلا . هكذا قاله جميع الأصحاب . ويشترط أن يطمئن قبل ارتفاع الإمام عن الحد المعتبر . هكذا صرح به في ( البيان ) وبه أشعر كلام كثير من النقلة وهو الوجه ، وإن كان الأكثرون لم يتعرضوا له . ولو كبر وانحنى وشك هل بلغ الحد المعتبر قبل ارتفاع الإمام عنه ؟ فوجهان . وقيل : قولان . أصحهما : لا يكون مدركا . والثاني : يكون . فأما إذا أدركه فيما بعد الركوع ، فلا يكون مدركا للركعة قطعا ، وعليه أن يتابعه في الركن الذي أدركه فيه وإن لم يحسب له .

قلت : وإذا أدركه في التشهد الأخير ، لزمه متابعته في الجلوس ، ولا يلزمه أن يتشهد معه قطعا ، ويسن له ذلك على الصحيح المنصوص . والله أعلم .

فرع

المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع . فقد ذكرنا أنه يكبر للركوع بعد تكبيرة الافتتاح ، فلو أدركه في السجدة الأولى أو الثانية أو التشهد ، فهل يكبر للانتقال إليه ؟ وجهان . أصحهما : لا لأن هذا غير محسوب له بخلاف الركوع ، ويخالف ما لو أدركه في الاعتدال فما بعده فإنه ينتقل معه من ركن إلى ركن مكبرا ، وإن لم يكن محسوبا ، لأنه لموافقة الإمام . ولذلك نقول : يوافقه في قراءة التشهد وفي التسبيحات على الأصح . وإذا قام المسبوق بعد سلام الإمام ، فإن كان الجلوس الذي قام منه موضع [ ص: 378 ] جلوس المسبوق ، بأن أدركه في الثالثة من رباعية ، أو ثانية المغرب ، قام مكبرا . فإن لم يكن موضع جلوسه ، بأن أدركه في الأخيرة ، أو الثانية من الرباعية ، قام بلا تكبير على الأصح . ثم إذا لم يكن موضع جلوسه ، لم يجز المكث بعد سلام الإمام . فإن مكث ، بطلت صلاته . وإن كان موضع جلوسه ، لم يضر المكث . والسنة للمسبوق : أن يقوم عقب تسليمتي الإمام ، فإن الثانية من الصلاة ، ويجوز أن يقوم عقب الأولى . وإن قام قبل تمامها ، بطلت صلاته إن تعمد القيام . وما يدركه المسبوق أول صلاته ، وما يفعله بعد سلام الإمام آخرها ، حتى لو أدرك ركعة من المغرب ، فإذا قام لإتمام الباقي ، يجهر في الثانية ويتشهد ، ويسر في الثالثة . ولو أدرك ركعة من الصبح ، وقنت مع الإمام ، أعاد القنوت في الركعة التي يأتي بها . ونص الشافعي - رحمه الله - أنه لو أدرك ركعتين من رباعية ، ثم قام للتدارك ، يقرأ السورة في الركعتين ، فقيل : هذا تفريع على قوله : يستحب قراءة السورة في جميع الركعات ، وقيل : هو تفريع على القولين جميعا لئلا تخلو صلاته عن السورة .

قلت : الثاني أصح . وحكي قول غريب : أنه يجهر . والجماعة في الصبح أفضل من غيرها ، ثم العشاء ، ثم العصر ، للأحاديث الصحيحة . ولو كان للمسجد إمام راتب ، كره لغيره إقامة الجماعة فيه ، قبله أو بعده إلا بإذنه ، فإن كان المسجد مطروقا ، فلا بأس . وقد سبقت المسألة في باب الأذان . ويكره أن يؤم الرجل قوما وأكثرهم له كارهون ، فإن كرهه الأقل ، أو النصف ، لم تكره إمامته . والمراد أن يكرهوه لمعنى مذموم في الشرع ، فإن لم يكن كذلك ، فالعتب عليهم ولا كراهة . وقال القفال : إنما يكره إذا لم ينصبه الإمام ، فإن نصبه فلا يبالي بكراهة أكثرهم . والصحيح الذي عليه الجمهور : أنه لا فرق بين من نصبه الإمام وغيره . وأما إذا كان بعض المأمومين يكره أهل المسجد حضوره ، فلا يكره له الحضور ، لأن غيره لا يرتبط به ، نص عليه الشافعي والأصحاب - رحمة الله عليهم - ويكره أن يكون موقف [ ص: 379 ] الإمام أعلى من موقف المأموم ، وكذا عكسه ، فإن احتاج الإمام إلى الاستعلاء ليعلمهم صفة الصلاة ، أو المأموم ليبلغ القوم تكبير الإمام استحب . وأفضل صفوف الرجال أولها ، ثم ما قرب منه ، وكذلك النساء الخلص ، فإن كان النساء مع الرجال ، فأفضل صفوفهن آخرها . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية