باب صفة الأئمة 
صفة الأئمة ضربان : مشروطة ومستحبة . فأما المشروطة فصلاة الإمام تارة تكون باطلة في اعتقاد الإمام والمأموم ، وتارة تكون صحيحة . فالأول كصلاة المحدث  ، والجنب ، ومن على ثوبه نجاسة   [ ص: 347 ] ونحو ذلك ، فلا يجوز لمن علم حاله الاقتداء به ، وكذلك الكافر لا يجوز الاقتداء به    . ولو صلى لم يصر بالصلاة مسلما على المشهور . والثاني : إذا صلى في دار الحرب صار مسلما . هذا إذا لم يسمع منه كلمتا الشهادتين ، فإن سمعتا حكم بإسلامه على الصحيح . فأما إذا كانت صلاة الإمام صحيحة في اعتقاده دون اعتقاد المأموم ، أو بالعكس ، فله صورتان : إحداهما : أن يكون ذلك لاختلافهما في الفروع الاجتهادية . بأن مس الحنفي فرجه وصلى ولم يتوضأ  ، أو ترك الاعتدال ، أو الطمأنينة ، أو قرأ غير الفاتحة ، ففي صحة صلاة   الشافعي  خلفه وجهان . قال  القفال     : يصح . وقال   الشيخ أبو حامد     : لا يصح . وهذا هو الأصح عند الأكثرين . وبه قطع  الروياني  في ( الحلية )   والغزالي  في ( الفتاوى ) . ولو صلى على وجه لا يصححه ،   والشافعي  يصححه ، بأن احتجم ، وصلى ، فعند  القفال     : لا يصح اقتداء   الشافعي  به . وعند  أبي حامد     : يصح ، اعتبارا باعتقاد المأموم . وقال  الأودني  ،  والحليمي  من أصحابنا : إذا أم ولي الأمر ، أو نائبه فترك البسملة . والمأموم يرى وجوبها  ، صحت صلاته خلفه عالما كان أو عاميا ، وليس له المفارقة لما فيه من الفتنة ، وهذا حسن . أما إذا حافظ الحنفي على جميع ما يعتقد   الشافعي  وجوبه واشتراطه ، فيصح اقتداء   الشافعي  به على الصحيح الذي قطع به الجمهور . وقال  الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني     : لا يصح . ولو شك ، هل أتى بالواجبات ، أم لا ؟ فالأصح : أنه كما إذا علم إتيانه بها . والثاني : أنه كما إذا علم تركها ، فالحاصل في اقتداء   الشافعي  بالحنفي ، أربعة أوجه . أحدها : الصحة . والثاني : البطلان . والأصح : إن حافظ على الواجبات أو شككنا صح . وإلا فلا . والرابع : إن حافظ صح . وإلا فلا . ولو اقتدى الحنفي  بالشافعي  ، فصلى   الشافعي  على وجه يصح عنده ، ولا يصح عند الحنفي ، بأن احتجم ، ففي صحة اقتدائه   [ ص: 348 ] الخلاف . وإذا صححنا اقتداء أحدهما بالآخر ، فصلى   الشافعي  الصبح خلف حنفي ، ومكث الحنفي بعد الركوع قليلا ، وأمكنه أن يقنت فيه فعل ، وإلا تابعه . ويسجد للسهو ، إن اعتبرنا اعتقاد المأموم ، وإن اعتبرنا اعتقاد الإمام فلا . ولو صلى الحنفي خلف   الشافعي  الصبح ، فترك الإمام القنوت ساهيا ، وسجد للسهو ، تابعه المأموم ، وإن ترك الإمام سجود السهو ، سجد المأموم إن اعتبرنا اعتقاد الإمام ، وإلا فلا . 
الصورة الثانية : أن لا يكون لاختلافهما في الفروع ، فلا يجوز لمن يعتقد بطلان صلاة غيره أن يقتدي به  ، كرجلين اختلف اجتهادهما في القبلة ، أو في إناءين : طاهر ، ونجس ، فلو كثرت الآنية والمجتهدون ، واختلفوا بأن كانت ثلاثة : طاهران ، ونجس ، فظن كل رجل طهارة واحد فحسب ، وأم كل واحد في صلاة فثلاثة أوجه ، الصحيح : قول  ابن الحداد  والأكثرين : تصح لكل واحد ما أم فيه ، والاقتداء الأول يبطل الثاني . والثاني : قول صاحب ( التلخيص ) : لا يصح الاقتداء أصلا . والثالث : قول   أبي إسحاق المروزي     : يصح الاقتداء الأول إن اقتصر عليه . فإن اقتدى ثانيا ، لزمه إعادتهما . أما إذا ظن طهارة اثنين ، فيصح اقتداؤه مستعمل المظنون طهارته بلا خلاف . ولا يصح بالثالث بلا خلاف . ولو كانت الآنية خمسة ، والنجس منها واحد ، فظن كل واحد طهارة واحد ، ولم يظن شيئا من الأربعة ، وأم كل واحد في صلاة ، فعند صاحب ( التلخيص )  والمروزي     : يجب عليهم إعادة ما اقتدوا به . وعند  ابن الحداد     : يجب إعادة الاقتداء الأخير فقط . وقال بعض الأصحاب : هذه الأوجه إنما هي فيما إذا سمع صوت من خمسة أنفس وتناكروه . فأما الآنية : فلا تبطل إلا الاقتداء الأخير بلا خلاف . ولو كان النجس من الآنية الخمسة اثنين ، صحت صلاة كل واحد منهم خلف اثنين ، وبطلت خلف اثنين . ولو كان النجس ثلاثة ، صحت خلف واحد فحسب . هذا قول  ابن الحداد  ، ولا يخفى قول الآخرين . 
 [ ص: 349 ] الحال الثاني : أن تكون صلاة الإمام صحيحة في اعتقاد الإمام والمأموم ، فتارة يغني عن القضاء ، وتارة لا يغني . فإن لم تغن كمن لم يجد ماء ولا ترابا ، لم يجز الاقتداء به للمتوضئ ولا للمتيمم الذي لا يقضي . وهل يجوز لمن هو في مثل حاله ؟ وجهان . الصحيح : لا . 
ومثله : المقيم المتيمم لعدم الماء ، ومن أمكنه أن يتعلم الفاتحة فلم يتعلم ثم صلى لحرمة الوقت ، والعاري ، والمربوط على خشبة إذا أوجبنا عليهم الإعادة . وإن أغنت عن القضاء . فإن كان مأموما ، لم يصح الاقتداء به . ولو رأى رجلين يصليان جماعة ، وشك أيهما الإمام ، لم يجز الاقتداء بواحد منهما  حتى يتبين الإمام . ولو اعتقد كل واحد من المصلين أنه مأموم ، لم تصح صلاتهما . وإن اعتقد أنه إمام ، صحت . ولو شك كل واحد أنه إمام ، أم مأموم ، بطلت صلاتهما . وإن شك أحدهما ، بطلت صلاته . وأما الآخر ، فإن ظن أنه إمام صحت ، وإلا فلا . وإن كان غير مأموم ، فتارة يخل بالقراءة ، وتارة لا يخل ، فإن أخل بأن كان أميا ، ففي صحة اقتداء القارئ به ثلاثة أقوال . الجديد الأظهر : لا تصح . والقديم : إن كانت سرية صح ، وإلا فلا . والثالث : مخرج أنه يصح مطلقا . هكذا نقل الجمهور . وأنكر بعضهم الثالث ، وعكس   الغزالي  ، فجعل الثاني ثالثا ، والثالث ثانيا ، والصواب : الأول . 
قلت : هذه الأقوال جارية سواء علم المأموم كون الإمام أميا ، أم لا هكذا قاله   الشيخ أبو حامد  ، وغيره . وهو مقتضى إطلاق الجمهور . وقال صاحب ( الحاوي ) : الأقوال إذا لم يعلم كونه أميا ، فإن علم لم يصح قطعا ، والصحيح أنه لا فرق . والله أعلم . 
والمراد بالأمي : من لا يحسن الفاتحة أو بعضها ، لخرس أو غيره ، فيدخل فيه الأرت . وهو الذي يدغم حرفا بحرف في غير موضع الإدغام . وقال في ( التهذيب ) :   [ ص: 350 ] هو الذي يبدل الراء بالتاء . والألثغ : وهو الذي يبدل حرفا بحرف ، كالسين بالثاء ، والراء بالغين ، ومن في لسانه رخاوة تمنعه التشديد . واعلم أن الخلاف المذكور في اقتداء القارئ بالأمي هو فيمن لم يطاوعه لسانه ، أو طاوعه ولم يمض زمن يمكن التعلم فيه . فأما إذا مضى زمن وقصر بترك التعلم ، فلا يصح الاقتداء به بلا خلاف ، لأن صلاته حينئذ مقضية ، كصلاة من لم يجد ماء ولا ترابا . ويصح اقتداء أمي بأمي مثله    . ولو حضر رجلان ، كل واحد منهما يحسن بعض الفاتحة إن كان ما يحسنه ذا ، يحسنه ذاك ، جاز اقتداء كل واحد بصاحبه ، وإن أحسن كل واحد غير ما يحسنه الآخر ، فاقتداء أحدهما بالآخر ، كاقتداء القارئ بالأمي . وعليه يخرج الأرت بالألثغ ، وعكسه لأن كل واحد قارئ ما لا يحسنه صاحبه . وتكره إمامة التمتام ، والفأفاء  ، والاقتداء يصح بهما . 
قلت : التمتام ، من يكرر التاء ، والفأفاء ، من يكرر الفاء ، ويتردد فيها ، وهو بهمزتين بعد الفاءين ، بالمد في آخره . والله أعلم . 
وتكره إمامة من يلحن في القراءة  ثم ينظر : إن كان لحنا لا يغير المعنى كرفع الهاء من الحمد لله ، صحت صلاته ، وصلاة من اقتدى به . وإن كان يغير كضم تاء أنعمت عليهم أو كسرها ، تبطله . كقوله : الصراط المستقين . فإن كان يطاوعه لسانه ، ويمكنه التعلم ، لزمه ذلك . فإن قصر وضاق الوقت صلى وقضى ، ولا يجوز الاقتداء به . وإن لم يطاوعه لسانه ، أو لم يمض ما يمكن التعلم فيه ، فإن كان في الفاتحة ، فصلاة مثله خلفه صحيحة ، وصلاة صحيح اللسان خلفه صلاة قارئ خلف أمي . وإن كان في غير الفاتحة ، صحت صلاته ، وصلاة من خلفه قال إمام الحرمين : ولو قيل : ليس لهذا اللاحن قراءة غير الفاتحة مما يلحن فيه ، لم يكن بعيدا ، لأنه يتكلم بما ليس بقرآن بلا ضرورة ، أما إذا لم يخل الإمام بالقراءة فإن كان رجلا ، صح اقتداء الرجال والنساء به ، وإن كانت امرأة ، صح [ ص: 351 ] اقتداء النساء بها ، ولم يصح اقتداء الرجال ولا الخنثى . وإن كان خنثى ، جاز اقتداء المرأة به . ولا يجوز اقتداء الرجل ولا خنثى آخر به . 
فرع 
حيث حكمنا بصحة الاقتداء فلا بأس أن يكون الإمام متيمما ، أو ماسح خف ، والمأموم متوضئا غاسلا رجله . ويجوز اقتداء السليم بسلس البول ، والطاهرة بالمستحاضة  غير المتحيرة على الأصح . كما يجوز قطعا بمن استنجى بالأحجار ، ومن على ثوبه ، أو بدنه نجاسة معفو عنها . ويصح صلاة القائم خلف القاعد  ، أو القائم والقاعد خلف المضطجع . 
فرع 
جميع ما تقدم فيما إذا عرف المأموم حال الإمام في الصفات المشروطة وجودا وعدما . فأما إذا ظن شيئا ، فبان خلافه ، فله صور : منها : إذا اقتدى رجل بخنثى مشكل  ، وجب القضاء ، فلو لم يقض حتى بان الخنثى رجلا ، لم يسقط القضاء على الأظهر . ويجري القولان فيما إذا اقتدى خنثى بامرأة ، ولم يقض حتى بان امرأة  ، وفيما إذا اقتدى خنثى بخنثى  ، ولم يقض المأموم حتى بان امرأة والإمام رجلا . 
ومنها : لو اقتدى بمن ظنه متطهرا ، فبان بعد الصلاة محدثا أو جنبا  ، فلا قضاء على المأموم . ولنا قول : إن كان الإمام عالما بحدثه ، لزم المأموم القضاء وإلا فلا . والمشهور المعروف الذي قطع به الأصحاب : أن لا قضاء مطلقا . 
قلت : هذا القول الشاذ نقله صاحب ( التلخيص ) قال  القفال  في شرح   [ ص: 352 ]   ( التلخيص ) قال أصحابنا : هذا النقل غلط . ولا يختلف مذهب   الشافعي  ، أنه لا إعادة على المأموم مطلقا ، وإنما حكى   الشافعي  مذهب  مالك     : أنه تجب الإعادة إن تعمد الإمام ، وليس مذهبا له . والصواب : إثبات القول كما نقله صاحب ( التلخيص ) وقد نص عليه   الشافعي  في ( البويطي ) . والله أعلم . 
هذا إذا لم يعرف المأموم حدث الإمام أصلا . فإن علم ولم يتفرقا ، ولم يتوضأ ثم اقتدى به ناسيا ، وجبت الإعادة قطعا . وهذا كله في غير صلاة الجمعة . فإن كان فيها ، ففيه كلام يأتي في بابها إن شاء الله تعالى . 
ومنها : لو اقتدى بمن ظنه قارئا فبان أميا ، وقلنا : لا تصح صلاة القارئ خلف الأمي  ، ففي الإعادة وجهان . أصحهما : تجب . قطع به في ( التهذيب ) ، وهو مقتضى كلام الأكثرين ، سواء كانت الصلاة سرية ، أو جهرية . ولو اقتدى بمن لا يعرف حاله في جهرية ، فلم يجهر  ، وجبت الإعادة . نص عليه في ( الأم ) وقاله العراقيون ، لأن الظاهر أنه لو كان قارئا لجهر . فلو سلم وقال : أسررت ونسيت الجهر ، لم تجب الإعادة لكن تستحب . ولو بان في أثناء الصلاة ذكورة الخنثى ، ففي بطلان صلاة المأموم الرجل ، القولان ، كما بعد الفراغ . ولو بان في أثنائها كونه جنبا ، أو محدثا ، فلا قضاء ويجب أن ينوي المفارقة في الحال ، ويبني . ولو بان أميا ، وقلنا : لا تجب الإعادة ، فكالمحدث وإلا فكالخنثى . 
ومنها لو اقتدى بمن ظنه رجلا ، فبان امرأة أو خنثى  ، وجبت الإعادة . وقيل : لا تجب إذا بان خنثى وهو شاذ . ولو ظنه مسلما ، فبان كافرا يتظاهر بكفره كاليهودي ، وجب القضاء . وإن كان يخفيه ويظهر الإسلام ، كالزنديق ، والمرتد ، لم يجب القضاء على الأصح . 
قلت : هذا الذي صححه هو الأقوى دليلا . لكن الذي صححه الجمهور ، وجوب القضاء . وممن صححه   الشيخ أبو حامد  ،  والمحاملي  ،  والقاضي أبو الطيب  ،   [ ص: 353 ] والشيخ نصر المقدسي  ، وصاحبا ( الحاوي ) و ( العدة ) وغيرهم ونقله   الشيخ أبو حامد  عن نص   الشافعي     - رضي الله عنه . قال صاحب ( الحاوي ) : وهو مذهب   الشافعي  وعامة أصحابه . والله أعلم . 
ولو بان على بدن الإمام أو ثوبه نجاسة  ، فإن كانت خفية ، فهو كمن بان محدثا ، وإن كانت ظاهرة ، فقال إمام الحرمين : عندي فيه احتمال ، لأنه من جنس ما يخفى . 
قلت : وقطع صاحب ( التتمة ) و ( التهذيب ) وغيرهما ، بأن النجاسة كالحدث . ولم يفرقوا بين الخفية وغيرها ، وأشار إمام الحرمين ، إلى أنها إذا كانت ظاهرة ، فهي كمسألة الزنديق . والله أعلم . 
وقال  المزني     : لا يجب القضاء إذا بان كافرا ، أو امرأة . 
قلت : ولو بان مجنونا ، وجبت الإعادة على المأموم . فلو كان له حالة جنون وحالة إفاقة ، أو حال إسلام وحال ردة ، واقتدى به ولم يدر في أي حاليه كان ، فلا إعادة لكن يستحب . ولو صلى خلف من يجهل إسلامه  ، فلا إعادة ، لكن يستحب . ولو صلى خلف من أسلم ، فقال بعد الفراغ : لم أكن أسلمت حقيقة  ، أو أسلمت ثم ارتددت ، فلا إعادة . والله أعلم . 
فرع 
يصح الاقتداء بالصبي المميز في الفرض والنفل  ، ولكن البالغ أولى منه . ويصح بالعبد بلا كراهة ، لكن الحر أولى ، هذا إذا أما في غير الجمعة . وإمامة الأعمى  صحيحة ، وهو والبصير سواء على الصحيح المنصوص الذي قطع   [ ص: 354 ] به الجمهور . والثاني : البصير أولى ، واختاره   أبو إسحاق الشيرازي     . والثالث : الأعمى أولى ، قاله   أبو إسحاق المروزي  ، واختاره   الغزالي     . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					