صفحة جزء
فرع

في سنن الخطبة

فمنها : أن يكون على منبر ، والسنة أن يكون المنبر على يمين الموضع الذي يصلي فيه الإمام . ويكره المنبر الكبير الذي يضيق على المصلين ، إذا لم يكن المسجد متسع الخطة ، فإن لم يكن منبر ، خطب على موضع مرتفع .

ومنها : أن يسلم على من عند المنبر إذا انتهى إليه .

ومنها : إذا بلغ في صعوده الدرجة التي تلي موضع القعود ، ويسمى ذلك الموضع : المستراح ، أقبل على الناس بوجهه ، وسلم عليهم .

ومنها : أن يجلس بعد السلام على المستراح .

ومنها : أنه إذا جلس ، اشتغل المؤذن بالأذان ، ويديم الإمام الجلوس إلى فراغ المؤذن . قال صاحب ( الإفصاح ) والمحاملي : المستحب ، أن يكون المؤذن للجمعة واحدا . وأشار إليه الغزالي ، وفي كلام بعض الأصحاب ، إشعار باستحباب تعديد المؤذنين .

ومنها : أن تكون الخطبة بليغة غير مؤلفة من الكلمات المبتذلة ، ولا من الكلمات الغريبة الوحشية ، بل قريبة من الأفهام .

[ ص: 32 ] ومنها : أن لا يطولها ولا يخففها ، بل تكون متوسطة .

ومنها : أن يستدبر القبلة ، ويستقبل الناس في خطبتيه ، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا . ولو خطب مستدبر الناس ، جاز على الصحيح . وعلى الثاني : لا يجزئه .

قلت : وطرد الدارمي هذا الوجه ، فيما إذا استدبروه ، أو خالفوه ، وهو الهيئة المشروعة في ذلك . - والله أعلم - .

ومنها : أنه يستحب أن يكون جلوسه بين الخطبتين قدر سورة ( الإخلاص ) نص عليه . وفيه وجه : أنه يجب هذا القدر وحكي عن نصه .

ومنها : أن يعتمد على سيف ، أو عصا ، أو نحوهما . قال في ( التهذيب ) : يقبضه بيده اليسرى . ولم يذكر الأكثرون بأيتهما يقبضه .

قلت : قال القاضي حسين في تعليقه كما قال في ( التهذيب ) . - والله أعلم - : ويشغل يده الأخرى بحرف المنبر ، فإن لم يجد شيئا ، سكن يديه وجسده ، بأن يجعل اليمنى على اليسرى ، أو يقرهما مرسلتين . والغرض ، أن يخشع ، ولا يعبث بهما .

ومنها : أنه ينبغي للقوم أن يقبلوا على الخطيب مستمعين ، لا يشتغلون بشيء آخر ، حتى يكره الشرب للتلذذ ، ولا بأس به للعطش ، لا للخطيب ، ولا للقوم .

ومنها : أن يأخذ في النزول بعد الفراغ ، ويأخذ المؤذن في الإقامة ، ويبتدر ليبلغ المحراب مع فراغ المقيم .

قلت : يكره في الخطبة أمور ابتدعها الجهلة .

منها : التفاتهم في الخطبة الثانية ، والدق على درج المنبر في صعوده ، والدعاء إذا انتهى إلى صعوده قبل أن يجلس . وربما توهموا أنها ساعة الإجابة ، وهذا جهل ، فإن ساعة الإجابة إنما هي بعد جلوسه ، كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - .

ومنها : المجازفة في أوصاف السلاطين في الدعاء لهم . وأما أصل الدعاء [ ص: 33 ] للسلطان ، فقد ذكر صاحب ( المهذب ) وغيره : أنه مكروه . والاختيار : أنه لا بأس به إذا لم يكن فيه مجازفة في وصفه ، ولا نحو ذلك ، فإنه يستحب الدعاء بصلاح ولاة الأمر .

ومنها : مبالغتهم في الإسراع في الخطبة الثانية . وأما الاحتباء والإمام يخطب ، فقال صاحب ( البيان ) : لا يكره . والصحيح : أنه مكروه . فقد صح في ( سنن أبي داود ) والترمذي ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، نهى عن الاحتباء والإمام يخطب ) ، قال الترمذي : حديث حسن . وقال الخطابي من أصحابنا : نهى عنه ، لأنه يجلب النوم فيعرض طهارته للنقض ، ويمنعه استماع الخطبة . ويستحب إذا كان المنبر واسعا ، أن يقوم على يمينه ، قاله القاضي حسين ، وصاحب ( التهذيب ) .

ويكره للخطيب أن يشير بيده . قال في ( التهذيب ) : يستحب أن يختم الخطبة بقوله : أستغفر الله لي ولكم . وذكر صاحبا ( العدة ) و ( البيان ) : أنه يستحب للخطيب إذا وصل المنبر ، أن يصلي تحية المسجد ، ثم يصعده . وهذا الذي قالاه غريب وشاذ ومردود ، فإنه خلاف ظاهر المنقول عن فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والخلفاء الراشدين ، ومن بعدهم . ولو أغمي على الخطيب ، قال في ( التهذيب ) في بناء غيره على خطبته ، القولان في الاستخلاف في الصلاة ، فإن لم نجوزه ، استؤنفت الخطبة ، وإن جوزناه ، اشترط أن يكون الذي يبني سمع أول الخطبة .

هذا كلامه في ( التهذيب ) . والمختار ، أنه لا يجوز البناء هنا . - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية