صفحة جزء
[ ص: 52 ] النوع الثالث : صلاة ذات الرقاع .

وهي : تارة تكون في صلاة ذات ركعتين ، إما الصبح ، وإما مقصورة . وتارة في ذات ثلاث ، أو أربع . فأما ذات ركعتين ، فيفرق الإمام الناس فرقتين ، فرقة في وجه العدو ، وينحاز بفرقة إلى حيث لا يبلغهم سهام العدو ، فيفتح بهم الصلاة ويصلي بهم ركعة . هذا القدر اتفقت عليه الروايات . وفيما يفعل بعد ذلك روايتان . إحداهما : أنه إذا قام الإمام إلى الثانية ، خرج المقتدون عن متابعته ، وأتموا لأنفسهم الركعة الثانية ، وتشهدوا وسلموا وذهبوا إلى وجه العدو ، وجاءوا أولئك فاقتدوا به في الثانية . ويطيل الإمام القيام إلى لحوقهم ، فإذا لحقوه ، صلى بهم الثانية ، فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا الثانية وهو ينتظرهم ، فإذا لحقوه ، سلم بهم . هذه رواية سهل بن أبي حثمة عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وأما الثانية : فهي أن الإمام إذا قام إلى الثانية ، لم يتم المقتدون به الصلاة ، بل يذهبون إلى مكان إخوانهم وجاء العدو وهم في الصلاة فيقفون سكوتا ، وتجيء تلك الطائفة فتصلي مع الإمام ركعته الثانية . فإذا سلم ، ذهبت إلى وجه العدو ، وجاء الأولون إلى مكان الصلاة ، وأتموا لأنفسهم ، وذهبوا إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأخرى إلى مكان الصلاة وأتموا . وهذه رواية ابن عمر . ثم إن الشافعي - رحمه الله - ، اختار الرواية الأولى لسلامتها من كثرة المخالفة ، ولأنها أحوط لأمر الحرب .

وللشافعي قول قديم : أنه إذا صلى الإمام بالطائفة الثانية الركعة الثانية ، تشهد بهم وسلم ، ثم هم يقومون إلى تمام صلاتهم ، كالمسبوق ، وقول آخر : أنهم يقومون إذا بلغ الإمام موضع السلام ولم يسلم بعد . وهل تصح الصلاة على صفة رواية ابن عمر ؟ قولان .

المشهور : الصحة ، لصحة الحديث وعدم المعارض ، ولا يصح قول الآخر : إنه منسوخ ، فإن النسخ يحتاج إلى دليل . وإقامة الصلاة على الوجه المذكور ليست عزيمة لا بد منها ، بل لو صلى بطائفة ، وصلى غيره بالباقين ، أو صلى بعضهم ، أو كلهم منفردين ، جاز قطعا ، لكن كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسمحون [ ص: 53 ] بترك فضيلة الجماعة ، فأمر الله سبحانه وتعالى بترتبهم هكذا ، لتحصل طائفة فضيلة التكبير معه ، والأخرى فضيلة التسليم معه . وهذا النوع موضعه إذا كان العدو في غير جهة القبلة ، أو فيها وبينهم وبين المسلمين حائل يمنع رؤيتهم لو هجموا .

فرع

الطائفة الأولى ينوون مفارقة الإمام إذا قاموا معه إلى الثانية ، وانتصبوا قياما . ولو فارقوه بعد رفع الرأس من السجود ، جاز ، والأول أولى .

وأما الطائفة الثانية ، فإذا قاموا إلى ركعتهم الثانية ، لا ينفردون عن الإمام ، كذا قاله الجمهور . وفيه شيء يأتي - إن شاء الله تعالى - .

التالي السابق


الخدمات العلمية