صفحة جزء
باب

حمل الجنازة

ليس في حمل الجنازة دناءة وسقوط مروءة ، بل هو بر وإكرام للميت ، ولا يتولاه إلا الرجال ، ذكرا كان الميت ، أو أنثى ، ولا يجوز الحمل على الهيآت المزرية ، ولا على الهيئة التي يخشى منها السقوط . وللحمل كيفيتان . إحداهما : بين العمودين ، وهو أن يتقدم رجل فيضع الخشبتين الشاخصتين ، وهما العمودان [ ص: 115 ] على عاتقيه ، والخشبة المعترضة بينهما على كتفه ، ويحمل مؤخر النعش رجلان ، أحدهما من الجانب الأيمن ، والآخر من الأيسر ، ولا يتوسط الخشبتين المؤخرتين واحد ، فإنه لا يرى موضع قدميه ، فإن لم يستقل المقدم بالحمل ، أعانه رجلان خارج العمودين ، يضع كل واحد منهما واحدا على عاتقه ، فتكون الجنازة محمولة على خمسة . والكيفية الثانية : التربيع ، وهو أن يتقدم رجلان ، فيضع أحدهما العمود الأيمن على عاتقه الأيسر ، والآخر العمود الأيسر على عاتقه الأيمن ، وكذلك يحمل العمودين من آخرهما رجلان ، فتكون الجنازة محمولة بأربعة . قال الشافعي - رضي الله عنه - : من أراد التبرك بحمل الجنازة من جوانبها الأربعة ، بدأ بالعمود الأيسر من مقدمها ، فحمله على عاتقه الأيمن أيضا ، ثم يسلمه إلى غيره ، ويأخذ العمود الأيسر من مؤخرها ، فيحمله على عاتقه الأيمن أيضا ، ثم يتقدم فيعرض بين يديها لئلا يكون ماشيا خلفها ، فيأخذ العمود الأيمن من مقدمها على عاتقه الأيسر ، ثم يأخذ العمود الأيمن من مؤخرها ، ولا شك أن هذا إنما يتأتى إذا حمل الجنازة على هيئة التربيع . وكل واحدة من الكيفيتين جائزة . قال بعض الأصحاب : والأفضل أن يجمع بينهما ، بأن يحمل تارة كذا ، وتارة كذا ، فإن اقتصر فأيهما أفضل ؟ فيه ثلاثة أوجه . الصحيح المعروف : الحمل بين العمودين أفضل . والثاني : التربيع . والثالث : هما سواء .

فصل

المشي أمام الجنازة أفضل للراكب والماشي ، والأفضل أن يكون قريبا منها ، بحيث لو التفت رآها ، ولا يتقدمها إلى المقبرة ، فلو تقدم لم يكره ، وهو بالخيار ، إن شاء قام منتظرا لها ، وإن شاء قعد . والسنة الإسراع بالجنازة ، إلا أن يخاف [ ص: 116 ] من الإسراع تغير الميت ، فيتأنى . والمراد بالإسراع : فوق المشي المعتاد دون الخبب ، فإن خيف عليه تغير ، أو انفجار ، أو انتفاخ ، زيد في الإسراع .

قلت : ينبغي أن لا يركب في ذهابه مع الجنازة إلا لعذر ، ولا بأس به في الرجوع . وقد تقدم بيانه في الجمعة . قال أصحابنا : وإن كان الميت امرأة ، استحب أن يتخذ لها ما يسترها ، كالخيمة ، والقبة . قالوا : وإتباع الجنائز سنة متأكدة في حق الرجال ، وأما النساء فلا يتبعن . ثم قيل : الاتباع حرام عليهن ، والصحيح أنه مكروه إذا لم يتضمن حراما . قال أصحابنا : ولا يكره للمسلم اتباع جنازة قريبه الكافر . قال الشافعي ، وأصحابنا - رحمهم الله - : يكره أن تتبع الجنازة بنار في مجمرة أو غيرها ، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع عليه . وقال بعض أصحابنا : لا يجوز ذلك . والمذهب : الكراهة . وكذا يكره أن يكون عند القبر مجمرة . وأما النياحة والصياح وراء الجنازة ، فحرام شديد التحريم . ويكره اللغط في المشي معها ، والحديث في أمور الدنيا ، بل المستحب الفكر في الموت وما بعده ، وفناء الدنيا ، ونحو ذلك . قال الشافعي وأصحابنا : وإذا مرت به جنازة ولم يرد الذهاب معها ، لم يقم لها ، بل نص أكثر أصحابنا على كراهة القيام . ونقل المحاملي إجماع الفقهاء عليه ، وانفرد صاحب ( التتمة ) باستحباب القيام للأحاديث الصحيحة فيه ، قال الجمهور : الأحاديث منسوخة . وقد أوضحت ذلك في ( شرح المهذب ) . - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية