صفحة جزء
فصل

إسلام المتعاقدين ليس بشرط في مطلق التبايع ، لكن لو اشترى كافر عبدا مسلما ، أو اتهبه ، أو أوصي له به ، فقبل ، لم يملكه على الأظهر . قال في " التتمة " : القولان في الوصية ، إذا قلنا : يملكها بالقبول . وإن قلنا بالموت ، ثبت بلا خلاف كالإرث . ولو اشترى مصحفا ، أو شيئا من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فالمذهب : القطع بأنه لا يملك . وقيل : على القولين . قال العراقيون : وكتب الفقه التي فيها آثار السلف ، لها حكم المصحف في هذا . وقال صاحب الحاوي : كتب الفقه والحديث يصح بيعها للكافر . وفي أمره بإزالة الملك عنها ، وجهان .

قلت : الخلاف في بيع العبد ، والمصحف ، والحديث ، والفقه ، إنما هو في صحة العقد ، مع أنه حرام بلا خلاف . والله أعلم .

وإذا قلنا : لا يصح شراء الكافر عبدا مسلما ، فاشترى من يعتق عليه كأبيه وابنه ، صح على الأصح . ويجري الوجهان في كل شراء يستعقب عتقا ، كقول الكافر لمسلم : أعتق عبدك المسلم عني بعوض أو بغير عوض ، وإجابته ، وكما إذا أقر بحرية عبد مسلم في يد غيره ثم اشتراه . ورتب الإمام الخلاف في هاتين الصورتين على شراء القريب . وقال : الأولى أولى بالصحة ؛ لأن الملك فيها ضمني ، والثانية أولى بالمنع ؛ لأن العتق فيها وإن حكم به ، فهو ظاهر غير محقق ، بخلاف القريب . ولو اشترى الكافر عبدا مسلما بشرط الإعتاق ، وصححنا الشراء بهذا [ ص: 347 ] الشرط ، فهو كما لو اشتراه مطلقا ؛ لأن العتق لا يحصل بنفس الشراء . وقيل : هو كشراء القريب .

فرع :

يجوز أن يستأجر الكافر مسلما على عمل في الذمة ، كدين في ذمته . ويجوز أن يستأجره بعينه على الأصح ، حرا كان أو عبدا . فعلى هذا ، هل يؤمر بإزالة ملكه عن المنافع ، بأن يؤجره مسلما ؟ وجهان . قطع الشيخ أبو حامد : بأنه يؤمر .

قلت : وإذا صححنا إجارة عينه ، فهي مكروهة ، نص عليه الشافعي - رضي الله عنه - . والله أعلم .

وفي ارتهانه العبد المسلم ، وجهان . ويجوز إعارة العبد المسلم لكافر قطعا . وكذا إيداعه عنده .

قلت : الأصح : صحة ارتهانه العبد المسلم والمصحف ، ويسلم إلى عدل . وفي الإعارة وجه : أنها لا تجوز ، وبه جزم صاحب " المهذب " و " التنبيه " والجرجاني : وهو ضعيف . والله أعلم .

فرع :

لو باع الكافر عبدا مسلما - ورثه ، أو أسلم عنده - بثوب ، ثم وجد بالثوب عيبا ، فالمذهب : أنه له رد الثوب بالعيب . وهل له استرداد العبد ؟ وجهان . أصحهما : له ذلك . والثاني : لا ، بل يسترد قيمته ؛ لأنه كالهالك . وطرد الإمام والغزالي ، الوجهين في جواز رد الثوب . والصواب : الأول ، وبه قطع في [ ص: 348 ] التهذيب وغيره . ولو وجد مشتري العبد به عيبا ، ففي رده واسترداده الثوب طريقان .

أحدهما : القطع بالجواز . والثاني : على الوجهين . ولو باع الكافر العبد المسلم ، ثم تقايلا ، فإن قلنا : الإقالة بيع ، لم ينفذ ، وإن قلنا : فسخ ، فعلى الوجهين في الرد بالعيب .

فرع : ولو وكل كافر مسلما ليشتري عبدا مسلما ، لم يصح ؛ لأن العقد يقع للموكل أولا ، وينتقل إليه آخرا ولو وكل مسلم كافرا ليشتري له عبدا مسلما ، فإن سمى الموكل في الشراء ، صح ، وإلا ، فإن قلنا : يقع الملك للوكيل أولا ، لم يصح : وإن قلنا : يقع للموكل ، صح .

فرع :

لو اشترى كافر مرتدا ، فوجهان ، لبقاء علقة الإسلام كالوجهين في قتل المرتد بذمي .

فرع :

لو اشترى كافر كافرا ، فأسلم قبل قبضه ، فهل يبطل البيع كمن اشترى عصيرا فتخمر قبل قبضه ، أم لا كمن اشترى عبدا فأبق قبل قبضه ؟ وجهان . فإن قلنا : لا يبطل ، فهل يقبضه المشتري ، أم ينصب الحاكم من يقبض عنه ثم يأمره بإزالة الملك ؟ وجهان . وقطع القفال في فتاويه : بأنه لا يبطل ، ويقبضه الحاكم ، وهذا أصح .

[ ص: 349 ] فرع :

جميع ما سبق ، تفريع على قول المنع . أما إذا صححنا شراءه ، فإن علم الحاكم به قبل القبض ، فيمكنه من القبض ، أم ينصب من يقبضه ؟ فيه الوجهان . وإذا حصل القبض ، أو علم به بعد قبضه ، أمر بإزالة الملك فيه ، كما نذكره في الفرع بعده إن شاء الله تعالى .

فرع :

إذا كان في يد الكافر عبد ، فأسلم ، لم يزل ملكه عنه ، ولكن لا يقر في يده ، بل يؤمر بإزالة ملكه عنه ، ببيع ، أو هبة ، أو عتق ، أو غيرها . ولا يكفي الرهن والتزويج ، والإجارة ، والحيلولة ، وتكفي الكتابة على الأصح ، وتكون كتابة صحيحة . وإن قلنا : لا تكفي ، فوجهان .

أحدهما : أنها كتابة فاسدة ، فيباع العبد .

والثاني : صحيحة . ثم إن جوزنا بيع المكاتب ، بيع مكاتبا ، وإلا ، فسخت الكتابة والبيع . ولو امتنع من إزالة ملكه ، باعه الحاكم عليه بثمن المثل ، كما يبيع مال من امتنع من أداء الحق . فإن لم يجد مشتريا بثمن المثل ، صبر وحال بينه وبينه ، ويستكسب له ، وتؤخذ نفقته منه . ولو أسلمت مستولدة كافر ، فلا سبيل إلى نقلها إلى غيره بالبيع والهبة ونحوهما على المذهب . وهل يجبر على إعتاقها ؟ وجهان . الصحيح : لا يجبر ، بل يحال بينهما وينفق عليها وتستكسب له في يد مسلم . ولو مات كافر أسلم عبد في يده ، صار لوارثه ، وأمر بما كان يؤمر به مورثه ، فإن امتثل ، وإلا ، بيع عليه .

[ ص: 350 ] قلت : قال المحاملي في كتابه " اللباب " : لا يدخل عبد مسلم في ملك كافر ابتداء ، إلا في ست مسائل :

إحداها : بالإرث .

الثانية : يسترجعه بإفلاس المشتري .

الثالثة : يرجع في هبته لولده .

الرابعة : إذا رد عليه بعيب .

الخامسة : إذا قال لمسلم : أعتق عبدك عني ، فأعتقه وصححناه .

السادسة : إذا كاتب عبده الكافر ، فأسلم العبد ، ثم عجز عن النجوم ، فله تعجيزه ، وهذه السادسة فيها تساهل ، فإن المكاتب لا يزول الملك فيه ليتجدد بالتعجيز .

وترك سابعة ، وهي : إذا اشترى من يعتق عليه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية