صفحة جزء
فصل

في وقت أصحاب الأسباب المانعة من وجوب الصلاة :

وهي : الصبا والكفر والجنون والإغماء والحيض والنفاس . ولها ثلاثة أحوال .

الأول : أن توجد في أول الوقت ويخلو عنها آخره ، بأن تطهر عن حيض أو نفاس في آخر الوقت ، فينظر ، إن بقي من الوقت قدر ركعة لزمها فرض الوقت . والمعتبر في الركعة أخف ما يقدر عليه أحد . وشرط [ ص: 187 ] الوجوب : أن تمتد السلامة من المانع قدر إمكان الطهارة ، وتلك الصلاة . فإن عاد مانع قبل ذلك ، لم يجب .

مثاله : بلغ الصبي في آخر وقت العصر ثم جن ، أو أفاق المجنون ثم عاد جنونه ، أو طهرت ثم جنت ، أو أفاقت مجنونة ثم حاضت ، فإن مضى في حال السلامة ما يسع طهارة وأربع ركعات ، وجبت العصر ، وإلا فلا .

هذا إذا كان الباقي من الوقت قدر ركعة . فإن كان قدر تكبيرة ، أو فوقها دون ركعة ، ففي وجوب الفرض قولان .

الأظهر : الوجوب بالشرط المتقدم في الركعة . ويستوي في الوجوب بإدراك الركعة أو ما دونها جميع الصلوات . فإن كانت المدركة صبحا أو ظهرا أو مغربا قصر الوجوب عليها . وإن كانت عصرا أو عشاء وجب مع العصر الظهر ، ومع العشاء المغرب . وبماذا يجب الظهر ؟ قولان .

أظهرهما : يجب بما يجب به العصر . وهو ركعة قبل الغروب على قول ، وتكبيرة على قول . والثاني : لا يجب إلا بإدراك أربع ركعات زائدة على ما يجب به العصر ، وتكون الأربع للظهر ، والركعة أو التكبيرة للعصر على الصحيح .

وقيل : الأربع للعصر والركعة أو التكبيرة للظهر .

وتظهر فائدة الوجهين ، في المغرب مع العشاء ، فإن المغرب معها كالظهر مع العصر . فإن قلنا : بالأظهر ، وجبت المغرب بما تجب العشاء . وإن قلنا بالثاني ، وقلنا الركعات الأربع الزائدة للظهر ، اعتبرنا هنا ثلاث ركعات للمغرب مع ما تلزم به العشاء ، وإن قلنا الأربع للعصر اعتبرنا أربعا للعشاء .

وهل يعتبر مع القدر المذكور للزوم الصلاة الواحدة ، أو صلاتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء إدراك زمن الطهارة ؟ قولان .

أظهرهما : لا . وإذا جمعت الأقوال ، حصل فيما يلزم به كل صلاة من إدراك آخر وقتها أربعة أقوال .

أظهرها : قدر تكبيرة . والثاني : تكبيرة وطهارة . والثالث : ركعة . والرابع : ركعة وطهارة . وفيما يلزم به الظهر مع العصر ثمانية أقوال .

هذه الأربعة . والخامس : قدر [ ص: 188 ] أربع ركعات وتكبيرة . والسادس : هذا وزمن طهارة . والسابع : قدر خمس ركعات . والثامن : هذا وزمن طهارة . وفيما يلزم المغرب مع العشاء اثنا عشر قولا ، هذه الثمانية . والتاسع : ثلاث ركعات وتكبيرة . والعاشر : هذا وزمن طهارة . والحادي عشر : أربع ركعات . والثاني عشر : هذا وزمن طهارة .

فرع

جميع ما ذكرناه ، هو فيما إذا كان زوال العذر قبل أداء صلاة الوقت . وهذا يكون حال من سوى الصبي ، من أصحاب الأسباب ، فإنها كما تمنع الوجوب تمنع الصحة .

وأما الصبي إذا صلى وظيفة الوقت ثم بلغ قبل خروج الوقت فيستحب له أن يعيدها ولا تجب الإعادة على الصحيح .

والثاني : تجب . قاله ابن سريج : سواء قل الباقي من الوقت ، أم كثر . والثالث : قاله الإصطخري : إن بلغ ، وقد بقي من الوقت ما يسع تلك الصلاة ، وجبت الإعادة . وإلا فلا .

أما إذا بلغ بالسن في أثنائها ، فالصحيح ، وظاهر النص ، وما عليه الجمهور : أنه يجب إتمامها ، ويستحب الإعادة .

والثاني : يستحب الإتمام ، وتجب الإعادة . والثالث قاله الإصطخري : إن بقي ما يسع الصلاة ، وجبت الإعادة . وإلا فلا . هذا كله في غير الجمعة .

أما إذا صلى الظهر يوم الجمعة ، ثم بلغ ، وأمكنته الجمعة . فإن قلنا : في سائر الصلوات تجب الإعادة وجبت الجمعة . وإلا فالصحيح : أنها لا تجب كالمسافر والعبد إذا صليا الظهر ، ثم زال عذرهما ، وأمكنتهما الجمعة ، لا تلزمهما قطعا .

الحال الثاني : أن يخلو أول الوقت من الأعذار المذكورة ، ثم يطرأ ما يمكن أن يطرأ ، وهو الحيض والنفاس والجنون والإغماء ، ولا يتصور طريان الكفر المسقط للإعادة .

فإذا حاضت في أثناء الوقت ، قبل أن تصلي ، نظر في [ ص: 189 ] القدر الماضي من الوقت . إن كان قدرا يسع تلك الصلاة ، وجب القضاء ، إذا طهرت على المذهب .

وخرج ابن سريج قولا : أنه لا يجب إلا إذا أدركت جميع الوقت . ثم على المذهب المعتبر : أخف ما يمكن من الصلاة . حتى لو طولت صلاتها فحاضت فيها وقد مضى من الوقت ما يسعها لو خفقها وجب القضاء .

ولو كان الرجل مسافرا فطرأ عليه جنون أو إغماء ، بعد ما مضى من وقت الصلاة المقصورة ما يسع ركعتين ، لزمه قضاؤها ؛ لأنه لو قصر أمكنه أداؤها . ولا يعتبر مع إمكان فعلها ، إمكان الطهارة ؛ لأنه يمكن تقديمها قبل الوقت ، إلا إذا لم يجز تقديم طهارة صاحب الواقعة . كالمتيمم والمستحاضة .

قلت : ذكر في ( التتمة ) في اشتراط زمن الطهارة ، لمن يمكنه تقديمها وجهين ، وهما كالخلاف في آخر الوقت . ولا فرق ، فإنه وإن أمكن التقديم فلا يجب . والله أعلم .

أما إذا كان الماضي من الوقت لا يسع تلك الصلاة ، فلا يجب على المذهب وبه قطع الجماهير .

وقال أبو يحيى البلخي ، وغيره من أصحابنا : حكم أول الوقت ، حكم آخره . فيجب القضاء بإدراك ركعة أو تكبيرة على الأظهر . وغلطه الأصحاب .

أما العصر فلا يجب بإدراك الظهر ، ولا العشاء بإدراك المغرب . ولو أدرك جميع وقتها على الصحيح الذي عليه الجماهير .

وقال البلخي إذا أدرك من وقت الظهر ثماني ركعات ، ثم طرأ العذر ، لزمه الظهر والعصر جميعا . كما يلزم الأولى بإدراك الثانية ، وهو غلط ؛ لأن وقت الظهر ، لا يصلح للعصر ، إلا إذا صليت الظهر جمعا .

واعلم أن الحكم بوجوب الصلاة ، إذا أدرك من وقتها ما يسعها ، لا يختص بأوله . بل لو كان المدرك من وسطه لزمت الصلاة ، مثل إن أفاق المجنون في أثناء الوقت وعاد جنونه في الوقت ، أو بلغ صبي ثم جن ، أو أفاقت مجنونة [ ص: 190 ] ثم حاضت . وقد تلزم الظهر بإدراك أول وقت العصر ، كما تلزم بآخره ، بأن أفاق مغمى عليه ، بعد أن مضى من وقت العصر ما يسع الظهر والعصر .

فإن كان مقيما ، فالمعتبر قدر ثمان ركعات . وإن كان مسافرا يقصر ، كفاه قدر أربع . وتقاس المغرب مع العشاء في جميع ما ذكرناه ، بالظهر مع العصر .

الحال الثالث : أن يعم السبب جميع وقت الرفاهية ، ووقت الضرورة ، وهو الوقت الذي يجوز فيه الجمع . أما الحيض والنفاس . فإنه يمنع وجوب الصلاة وجوازها ولا قضاء .

وأما الكافر الأصلي فهو مخاطب بالصلاة وغيرها من فروع الشرع على الصحيح .

لكن إذا أسلم ، لا يجب عليه قضاء صلاة أيام الكفر بلا خلاف . وأما المرتد فيجب عليه قضاء صلوات أيام الردة .

وأما الصبي فلا تجب عليه الصلاة أداء ولا قضاء . ولا يؤمر أحد ممن لا تجب عليه الصلاة بفعلها ، إلا الصبي والصبية ، فإنه يؤمر بها إذا بلغ سبع سنين ، ويضرب على تركها إذا بلغ عشرا .

قال الأئمة : فيجب على الآباء والأمهات تعليم الأولاد الطهارة والصلاة والشرائع بعد السبع ، والضرب على تركها بعد العشر ، ويؤمر بالصوم إن أطاقه كما يؤمر بالصلاة .

وأجرة تعليم الفرائض في مال الصبي ، فإن لم يكن له مال فعلى الأب . فإن لم يكن فعلى الأم . وهل يجوز أن يعطي الأجرة من مال الصبي ، على تعليم ما سوى الفاتحة والفرائض من القرآن والأدب ؟ وجهان .

قلت : الأصح في مال الصبي . وهذا كله إذا كان الصبي والصبية ، مميزين . والله أعلم .

وأما من زال عقله بجنون أو أغمي عليه فلا تجب عليه الصلاة ، ولا قضاؤها ، سواء قل الجنون والإغماء أو كثر إذا استغرق الوقت .

ولو زال عقله بسبب محرم ، كشرب مسكر أو دواء مزيل للعقل ، وجب [ ص: 191 ] القضاء . هذا إذا تناول الدواء لغير حاجة ، وعلم أنه يزيل العقل ، وعلم أن الشراب مسكر .

فإن لم يعلم كون الشراب مسكرا أو كون الدواء مزيلا ، فلا قضاء ، كالإغماء . ولو علم أن جنسه مسكر ، وظن أن ذلك القدر لا يسكر ، وجب القضاء ، لتقصيره . ولو وثب من موضع لحاجة فزال عقله ، فلا قضاء . وإن فعله عبثا وجب القضاء .

فرع

لو ارتد ثم جن ثم أفاق وأسلم ، وجب قضاء أيام الجنون وما قبلها ، تغليطا عليه . ولو سكر ثم جن وجب قضاء المدة التي ينتهي إليها السكر . وفيما بعدها من مدة الجنون وجهان :

الأصح : لا يجب القضاء ، ولو ارتدت ثم حاضت ، أو سكرت ثم حاضت لم تقض أيام الحيض . ولو شربت دواء حتى حاضت ، لم يلزمها القضاء .

وكذلك لو شربت دواء حتى ألقت جنينا ونفست لم يجب القضاء على الصحيح ؛ لأن ترك الصلاة في حق الحائض والنفساء عزيمة .

والحاصل ، أن من لم يؤمر بالترك ، لا يستحيل أن يؤمر بالقضاء . فإذا لم يؤمر كان تخفيفا . ومن أمر بالترك ، فامتثل الأمر لا يتوجه أمره بالقضاء إلا لحائض ، فإنها مأمورة بترك الصوم وبقضائه . وهو خارج عن القياس للنص .

التالي السابق


الخدمات العلمية