صفحة جزء
فصل

إثبات اليد العادية سبب للضمان ، وينقسم إلى مباشرة بأن يغصب الشيء فيأخذه من يد مالكه ، وإلى التسبب ، وهو في الأولاد وسائر الزوائد ، لأن إثبات اليد على الأصول سبب لإثباتها على الفروع ، فيكون ولد المغصوب وزوائده مغصوبة . [ ص: 8 ] ثم إثبات اليد العادية يكون في المنقول والعقار .

أما المنقول : فالأصل فيه النقل ، لكن لو ركب دابة غيره ، أو جلس على فراش غيره ولم ينقله ، في كونه غاصبا ضامنا ، وجهان ، أصحهما : نعم ، سواء قصد الاستيلاء أم لا . قال المتولي : وهذا إذا كان المالك غائبا ، أما إذا كان حاضرا ، فإن أزعجه وجلس على الفراش ، أو لم يزعجه وكان بحيث يمنعه من رفعه والتصرف فيه ، فيضمنه قطعا ، وقياس ما يأتي إن شاء الله تعالى في نظيره من العقار : أن لا يكون غاصبا إلا لنصفه . وأما العقار ، فإن كان مالكه فيه ، فأزعجه ظالم ودخل الدار بأهله على هيئة من يقصد السكنى ، فهو غاصب ، سواء قصد الاستيلاء أم لا ، لأن وجود الاستيلاء يغني عن قصده ، ولو سكن بيتا من الدار ومنع المالك منه دون باقي الدار فهو غاصب لذلك البيت دون باقي الدار . وإن أزعج المالك ولم يدخل الدار ، فالمذهب والذي يدل عليه كلام جماهير الأصحاب : أنه غاصب ، فلم يعتبروا في الغصب إلا الاستيلاء ومنع المالك عنه ، وقال الغزالي : لا يكون غصبا ، واعتبر دخول الدار في غصبها ، أما إذا لم يزعج المالك ، ولكن دخل واستولى معه فهو غاصب لنصف الدار ، لاجتماع يدهما واستيلائهما ، فإن كان الداخل ضعيفا ، والمالك قوي ، لا يعد مثله مستوليا عليه ، لم يكن غاصبا لشيء من الدار ، ولا اعتبار بقصد ما لا يتمكن من تحقيقه .

أما إذا لم يكن هناك مالك ، فدخل على قصد الاستيلاء ، فهو غاصب وإن كان ضعيفا وصاحب الدار قويا ، لأن الاستيلاء حاصل في الحال ، وأثر قوة المالك إنما هو سهولة إزالته والانتزاع من يده ، فصار كما لو سلب قلنسوة ملك ، فإنه غاصب وإن سهل على المالك انتزاعها . وفي وجه : لا يكون غصبا ، لأن مثله في العرف يعد هزءا ، ولا يعد استيلاء ، وهو شاذ ضعيف ، وإن دخل لا على قصد الاستيلاء ، بل لينظر ، هل يصلح له أو غير ذلك ؟ لم يكن غاصبا . قال المتولي : لكن لو انهدمت في تلك الحال ، هل يضمنها ؟ وجهان . أحدهما : نعم ، كما لو أخذ منقولا من [ ص: 9 ] بين يدي مالكه لينظر هل يصلح له ليشتريه ، فتلف في تلك الحال ، فإنه يضمنه . وأصحهما : لا ، لأن اليد على المنقول حقيقة . ولو اقتطع قطعة أرض ملاصقة لأرضه ، وبنى عليها حائطا وأضافها إلى ملكه ، ضمنها ، لوجود الاستيلاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية