صفحة جزء
الباب الثاني في الأذان .

الأذان والإقامة سنتان على أصح الأوجه ، وفرضا كفاية على الثاني . والثالث : هما سنة في غير الجمعة ، وفرضا كفاية فيها .

فإذا قلنا : سنة ، فاتفق أهل بلد على تركها ، لم يقاتلوا على الأصح ، كسائر السنن . وإذا قلنا : فرض كفاية ، قوتلوا على تركها بلا خلاف .

وإنما يسقط الإثم عنهم ، بإظهارها في البلدة ، أو القرية ، بحيث يعلم جميع أهلها ، أنه قد أذن فيها لو أصغوا . ففي القرية الصغيرة ، يكفي في موضع ، وفي البلد الكبير ، لا بد منه في مواضع .

وإذا قلنا : الأذان فرض كفاية في الجمعة ، فقيل : الواجب ، هو الذي بين يدي الخطيب . وقيل : يسقط الوجوب بالأذان المأتي به لصلاة الجمعة وإن لم يكن بين يدي الخطيب .

أما ما يؤذن له فلا خلاف أنه يؤذن للجماعة الأولى من صلوات الرجال في كل مكتوبة مؤداة . فإن فقد بعض هذه القيود ، ففيه تفصيل .

أما المنفرد في الصحراء ، [ ص: 196 ] أو بلد ، فيؤذن على المذهب والمنصوص في الجديد . وقيل : لا يؤذن في القديم . وفي وجه : إن رجا حضور جماعة أذن وإلا فلا .

هذا إذا لم يبلغ المنفرد أذان المؤذنين ، فإن بلغه ، فالخلاف مرتب ، وأولى بأن لا يؤذن . فإن قلنا : لا يؤذن ، فهل يقيم ؟ وجهان :

أصحهما : نعم . وإن قلنا : يؤذن ، فهل يرفع صوته ؟ نظر ، إن صلى في مسجد أقيمت فيه جماعة وانصرفوا لم يرفع ، لئلا يوهم دخول وقت صلاة أخرى . وإلا فوجهان :

الأصح : يرفع . والثاني : إن رجا جماعة رفع ، وإلا فلا . أما إذا أقيمت جماعة في مسجد ، فحضر قوم ، فإن لم يكن له إمام راتب لم يكره لهم إقامة الجماعة فيه ، وإن كان كرهت على الأصح .

وإذا أقاموا جماعة مكروهة أو غير مكروهة ، فقولان :

أحدهما : لا يسن لهم الأذان . وأظهرهما : يسن ، ولا يرفع فيه الصوت ، لخوف اللبس . وسواء كان المسجد مطروقا أو غير مطروق .

قال إمام الحرمين : حيث قلنا في الجماعة الثانية ، في المسجد الذي أقيم فيه جماعة ، وأذان الراتب : لا يرفع الصوت ، لا نعني به أنه يحرم الرفع ، بل نعني به أن الأولى أن لا يرفع .

وإذا قلنا : المنفرد لا يرفع صوته ، فلا نعني به أن الأولى أن لا يرفع ، فإن الرفع أولى في حقه . ولكن نعني ، أنه يعتد بأذانه دون الرفع .

أما جماعة النساء ، ففيها أقوال : المشهور المنصوص في ( الأم ) و ( المختصر ) : يستحب لهن الإقامة ، دون الأذان . فلو أذنت على هذا ، ولم ترفع صوتها ، لم يكره . وكان ذكرا لله تعالى .

والثاني : لا أذان ولا إقامة . والثالث : يستحبان معا . ولو صلت امرأة منفردة . إن قلنا : الرجل المنفرد . لا يؤذن فهي أولى . وإلا فعلى هذه الأقوال لا ترفع صوتها بحال ، فوق ما تسمع صواحبها . ويحرم عليها الزيادة على ذلك . أما غير الفرائض الخمس فلا أذان لها ولا إقامة . سواء كانت منذورة أو سنة ، سواء سن لها الجماعة كالعيدين والكسوفين والاستسقاء ، أم لم يسن كالضحى . لكن ينادى للعيد [ ص: 197 ] والكسوف والاستسقاء ، الصلاة جامعة . وكذا ينادى للتراويح ، إذا صليت جماعة . وفي استحباب هذا النداء في الجنازة ، وجهان :

قلت : الأصح ، لا يستحب . وبه قطع كثيرون ، وهو المنصوص في ( الأم ) . والله أعلم .

أما الفريضة الفائتة ، فيقيم لها بلا خلاف . وفي الأذان ثلاثة أقوال :

الجديد الأظهر لا يؤذن ، والقديم يؤذن ، والثالث نصه في ( الإملاء ) إن رجا اجتماع جماعة يصلون معه أذن ، وإلا فلا . قال الأئمة : الأذان في الجديد ، حق الوقت . وفي القديم ، حق الفريضة . وفي ( الإملاء ) حق الجماعة .

قلت : الأظهر : أنه يؤذن للفائتة . وقد ثبت ذلك في الصحيح عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . وصححه كثير من أصحابنا . والله أعلم .

وإذا أقيمت الفائتة جماعة سقط القول الثالث ، ولو قضى فوائت ، فعلى التوالي أقام لكل واحدة قطعا بلا خلاف ، ولا يؤذن لغير الأولى قطعا .

وفي الأولى هذه الأقوال ، ولو والى بين فريضة الوقت ومقضية ، فإن قدم فريضة الوقت أذن لها وأقام للمقضية ، وإن قدم المقضية أقام لها .

وفي الأذان لها الأقوال ، وأما فريضة الوقت ، فقال إمام الحرمين : إن قلنا : يؤذن للمقضية ، لم يؤذن لفريضة الوقت وإلا أذن ، والأصح : أنه لا يؤذن لفريضة الوقت بعد المقضية بكل حال .

قلت : إلا أن يؤخرها عن المقضية ، بحيث يطول الفصل بينهما ، فإنه يؤذن للحاضرة قطعا بكل حال . كذا قاله أصحابنا . والله أعلم .

أما إذا جمع بين صلاتي الجمع بسفر أو مطر ، فإن قدم الثانية إلى وقت الأولى أذن للأولى وأقام للثانية ، وإن أخر الأولى إلى وقت الثانية [ ص: 198 ] أقام لكل واحدة ولا يؤذن للثانية ، وفي الأذان للأولى الأقوال في الفائتة .

والأظهر : لا يؤذن . قال إمام الحرمين : وينقدح أن يقال : يؤذن لها ، وإن لم يؤذن للفائتة .

قلت : بل الأظهر ، أنه يؤذن . ففي ( صحيح مسلم ) عن جابر رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة في وقت الثانية . بأذان وإقامتين ، وهو مقدم عند العلماء على رواية أسامة ، وابن عمر : أنه صلاهما بإقامتين ؛ لأنه زيادة ثقة حفظ ما لم يحفظ غيره . والله أعلم .

وخرج أبو الحسين بن القطان من أصحابنا وجها : أنه يؤذن لكل واحدة من صلاتي الجمع ، قدم أو أخر .

قلت : قال إمام الحرمين : لا سبيل إلى توالي أذانين ، إلا في صورة على قول ، وهي إذا صلى فائتة قبيل الزوال ، وأذن لها على قول ، فلما فرغ منها ، زالت الشمس ، فأراد إقامة الظهر ، أذن لا محالة . هذا كلام الإمام ، ويتصور التوالي قطعا فيما لو أخروا المؤداة إلى آخر الوقت ، فأذنوا لها ، وصلوها ، ثم دخلت فريضة أخرى . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية