صفحة جزء
فصل

في صفة الأذان .

فيه مسائل :

الأولى : الأذان ، مثنى ، والإقامة فرادى ، والمراد : معظم الأذان مثنى ، وإلا ، فقول : لا إله إلا الله ، في آخره مرة ، والتكبير في أوله أربع مرات . فكذا المراد معظم الإقامة ، فإن التكبير في أولها وآخرها ، ولفظ الإقامة بالتثنية على المذهب والمنصوص في الجديد .

وقال : في القديم يقول هذه [ ص: 199 ] الكلمات مرة ، وقيل : إنما أفرد في القديم الإقامة دون التكبير .

وللشافعي قول : أنه إن رجع في الأذان ، ثنى جميع كلمات الإقامة ، وإلا أفردها ، واختاره محمد بن إسحاق بن خزيمة من أصحابنا .

الثانية : يستحب ترتيل الأذان ، وإدراج الإقامة . فالترتيل : تبيين كلماته بلا بطء يجاوز الحد ، والإدراج : أن يحدرها بلا فصل .

الثالثة : يرجع في أذانه ، وهو أن يأتي بالشهادتين مرتين مرتين ، بصوت مخفوض ثم يرفعه ، ويأتي بهما مرتين مرتين ، والترجيع سنة . لو تركه لم يفسد أذانه على الصحيح ، وقيل : المشهور .

الرابعة : التثويب : أن يقول في أذان الصبح بعد الحيعلتين : الصلاة خير من النوم ، مرتين ، وهو سنة على المذهب الذي قطع به الأكثرون ، وقيل : قولان :

القديم الذي يفتى به : أنه سنة ، والجديد : ليس سنة . ثم ظاهر إطلاق الغزالي وغيره أن التثويب يشمل الأذان الذي قبل الفجر والذي بعده ، وصرح في ( التهذيب ) بأنه إذا ثوب في الأذان الأول ، لا يثوب في الثاني على الأصح .

ثم إن التثويب ليس بشرط . هكذا صرح به الأصحاب ، وقال إمام الحرمين : في اشتراطه احتمال ، وهو بالخلاف ، أولى من الترجيع .

الخامسة : ينبغي أن يؤذن ويقيم قائما مستقبل القبلة . فلو ترك القيام والاستقبال مع القدرة ، صح أذانه وإقامته ، على الأصح ، لكن يكره ، إلا إذا كان مسافرا ، فلا بأس بأذانه راكبا ، وعلى الثاني : لا يعتد بهما .

قلت : أذان المضطجع ، كالقاعد . إلا أنه أشد كراهة ، وفي وجه شاذ : لا يصح وإن صح أذان القاعد . والله أعلم .

السادسة : يسن الالتفات في الحيعلتين يمينا وشمالا ، فيلوي رأسه وعنقه ، ولا يحول صدره عن القبلة ، ولا يزيل قدمه عن مكانها ، وفي كيفية [ ص: 200 ] الالتواء ، ثلاثة أوجه :

أصحها ، يلتفت عن يمينه ، فيقول : حي على الصلاة ، حي على الصلاة . ثم يلتفت عن يساره ، فيقول : حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، والثاني : يلتفت عن يمينه ، فيقول : حي على الصلاة ، ثم يعود إلى القبلة ، ثم يلتفت عن يمينه ، فيقول : حي على الصلاة ، ثم يلتفت عن يساره ، فيقول : حي على الفلاح ، ثم يستقبل القبلة ، ثم يلتفت عن يساره ، فيقول : حي على الفلاح ، والثالث ، قول القفال : يقسم كل حيعلة على الجهتين ، فيقول : حي على الصلاة ، مرة عن يمينه ، ثم مرة عن يساره . ثم حي على الفلاح ، مرة عن يمينه ، ثم مرة عن يساره .

ويستحب الالتفات في الإقامة على الأصح ، ولا يستحب على الثاني ، إلا أن يكبر المسجد ويحتاج إليه .

قلت : وإذا شرع في الإقامة في موضع ، تممها فيه ، ولا يمشي في أثنائها قاله أصحابنا . والله أعلم .

السابعة : ينبغي أن يبالغ في رفع الصوت ما لم يجهده ، وأما الإجزاء ، فإن كان يؤذن لنفسه ، أجزأه أن يسمع نفسه على قول الجمهور .

وقال إمام الحرمين : الاقتصار على إسماع النفس ، يمنع كون المأتي به أذانا وإقامة ، فليزد عليه قدر ما يسمع من عنده .

والخلاف المتقدم في المنفرد ، أنه هل يرفع صوته ؟ هو على قول الجمهور ، في أنه هل يستحب الرفع ؟ وعلى قول إمام الحرمين : هل يعتد به بلا رفع ؟ .

أما إذا أذن لجماعة ، فثلاثة أوجه : أصحها : لا يجزئ الإسرار بشيء منه ، لفوات الإعلام ، والثاني : لا بأس بالإسرار . كالإسرار بقراءة صلاة جهرية ، والثالث : لا بأس بالإسرار بالكلمة ، والكلمتين ، ولا يجزئ الإسرار بالجميع .

وأما الإقامة ، فلا يكفي فيها إسماع النفس على الأصح أيضا . لكن الرفع فيها أخفض من الأذان .

[ ص: 201 ] الثامنة : ترتيب كلمات الأذان شرط فلو عكس لم يصح أذانه . لكن يبنى على المنتظم منه ، ولو ترك بعض الكلمات في خلاله ، أتى بالمتروك ، وأعاد ما بعده .

التاسعة : الموالاة بين كلماته مأمور بها ، فإن سكت بينهما يسيرا ، لم يضر ، وإن طال ففي بطلان أذانه قولان .

ولو تكلم بينها كلاما يسيرا ، لم يضر على المذهب ، وتردد الشيخ أبو محمد في تنزيل الكلام اليسير - إذا رفع به الصوت - منزلة السكوت الطويل . وإن تكلم طويلا ، فقولان مرتبان على السكوت الطويل ، وأولى بالبطلان .

ولو خرج في أثناء الأذان عن أهليته بإغماء أو نوم ، فإن زال عن قرب لم يضر ، وإن طال فعلى القولين .

واعلم أن العراقيين جوزوا البناء في جميع هذه الصور ، مع طول الفصل ، وحكوه عن نص الشافعي رحمه الله . لكن الأشبه وجوب الاستئناف عند الفصل الطويل ، وحمل النص على الفصل اليسير ، ومع الطول على أحد القولين يستحب الاستئناف .

وكذا يستحب في السكوت والكلام الكثيرين إذا لم نوجبه ، ولا يستحب إذا كانا يسيرين ، ويستحب أن لا يتكلم في أذانه بشيء أصلا فلو عطس حمد الله تعالى في نفسه ويبني .

ولو سلم عليه إنسان أو عطس لم يجبه ولم يشمته حتى يفرغ . فإن أجابه أو شمته أو تكلم بمصلحة لم يكره ، وكان تاركا للمستحب ، ولو رأى أعمى يخاف وقوعه في بئر وجب إنذاره .

فرع :

إذا لم نحكم ببطلان الأذان بالفصل المتخلل ، فله أن يبني عليه بنفسه ، ولا يجوز لغيره على المذهب أو المشهور .

[ ص: 202 ] فرع :

لو ارتد بعد فراغه من الأذان ، ثم أسلم ، وأقام ، جاز . لكن المستحب ، أن لا يصلي بأذانه وإقامته ، بل يعيدهما غيره ؛ لأن ردته تورث شبهة في حاله ، ولو ارتد في خلال الأذان ، لم يصح بناؤه عليه في الردة .

فإن أسلم وبنى عليه ، فالمذهب : أنه إن لم يطل الفصل جاز البناء ، وإلا فقولان : وقيل : قولان مطلقا ، وقيل : وجهان .

وإذا جوزنا له البناء ، ففي بناء غيره الخلاف المتقدم في الفرع الذي قبله ، وكذا لو مات في خلال الأذان .

التالي السابق


الخدمات العلمية