صفحة جزء
وإن شرطا تأقيت المضاربة فهل تفسد ؛ على روايتين ، وإن قال : بع هذا العرض وضارب بثمنه ، أو اقبض وديعتي وضارب بها ، وإذا قدم الحاج فضارب بهذا صح ، وإن قال : ضارب بالدين الذي عليك لم يصح ، وإن أخرج مالا ليعمل هو فيه وآخر ، والربح بينهما صح ، ذكره الخرقي ، وقال القاضي : إذا شرط المضارب أن يعمل معه رب المال لم يصح ، وإن شرط عمل غلامه فعلى وجهين .


( وإن شرطا تأقيت المضاربة ) بأن يقول : ضاربتك على هذه الدراهم سنة ، فإذا مضت فلا تبع ، ولا تشتر ( فهل تفسد ؛ على روايتين ) أصحهما الصحة قال مهنا : سألت أحمد عن رجل أعطى آخر ألفا مضاربة شهرا ، فإذا مضى يكون قرضا ؛ قال : فإن جاء الشهر وهو متاع ؛ قال : إذا باع المتاع يكون قرضا ; لأنه قد يكون لرب المال فيه غرض ، والثانية : لا تصح ، وهي اختيار أبي حفص العكبري ; لأنه عقد يقع مطلقا ، فإذا شرط قطعه لم يصح كالنكاح [ ص: 22 ] ولأنه ليس من مقتضى العقد ولا مصلحته ، ورد بأنه تصرف يتوقت بنوع من المتاع ، فجاز توقيته بالزمان كالوكالة ( وإن قال : بع هذا العرض وضارب بثمنه ) صح ; لأنه وكيل في بيع العرض ، وإذا باعه صار الثمن في يده أمانة أشبه ما لو كان المال عنده وديعة ( أو اقبض وديعتي وضارب بها ) ; لأنه وكيل في قبض الوديعة ، ومأذون له في التصرف مؤتمنا عليه ، فجاز جعله مضاربة ، كما لو قال : اقبضه من غلامي ، وضارب به ، وكما لو كان في يد إنسان وديعة ، فقال له ربها : ضارب بها ( وإذا قدم الحاج فضارب بهذا صح ) لأنه إذن في التصرف ، فجاز تعليقه على شرط مستقبل كالوكالة .

فرع : إذا قال : ضارب بعين المال الذي غصبته مني صح كالوديعة ، فإذا ضارب به سقط عنه الضمان ، وقال القاضي : لا يزول ضمان الغصب إلا بدفعه ثمنا ; لأن القراض لا ينافي الضمان بدليل ما لو تعدى ، ورد بأنه ممسك بإذن مالكه ، ولا يختص بنفعه ، أشبه ما لو قبضه ثم قبضه إياه .

( وإن قال : ضارب بالدين الذي عليك ) أو تصدق به عني ( لم يصح ) نص عليه ، وهو قول أكثر العلماء ; لأن المال الذي في يد من عليه الدين له ، وإنما يصير لغريمه بقبضه ولم يوجد .

وقال بعض أصحابنا : يصح ; لأنه اشترى شيئا للمضاربة ، فقد اشتراه بإذن مالكه ، ودفع الثمن إلى من أذن له في دفع الثمن إليه ، فتبرأ ذمته منه ، فلو قال : اعزل المال الذي عليك وضارب به صح سواء اشتراه بعين المال ، أو في الذمة ; لأنه اشترى لغيره بمال نفسه .

فرع : إذا دفع إليه ألفا مضاربة ، وقال له : أضف إليها مثلها واتجر بهما [ ص: 23 ] والربح لك ثلثاه ولي ثلثه صح ، وكان شركة ومضاربة ، وإن شرط غير العامل لنفسه ثلثي الربح لم يجز خلافا للقاضي .

( وإن أخرج مالا ليعمل هو فيه وآخر ، والربح بينهما صح ، ذكره الخرقي ) نص عليه في رواية أبي الحارث ، ويكون مضاربة لأن غير صاحب المال يستحق المشروط بعمله من الربح في مال غيره ، وهذا حقيقة المضاربة ( وقال القاضي ) تبعا لابن حامد ، واختاره أبو الخطاب ( إذا شرط المضارب أن يعمل معه رب المال لم يصح ) وهو قول أكثرهم ; لأن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى المضارب ، فإذا شرط عليه العمل لم يتسلمه ; لأن يده عليه ، وذلك يخالف مقتضاها ، وحمل القاضي كلام أحمد ، والخرقي على أن رب المال عمل فيه من غير شرط ، والأول أظهر ; لأن العمل أحد ركني المضاربة ، فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود الأمرين من الآخر كالمال ، وقولهم : إن المضاربة تقتضي ، إلى آخره ممنوع ، وإنما تقتضي إطلاق التصرف في مال غيره بجزء مشاع من ربحه ، وهذا حاصل مع اشتراكهما في العمل ( وإن شرط عمل غلامه فعلى وجهين ) أشهرهما يصح ; لأن عمل الغلام في مال سيده يصح ضمه إليه كما لو ضم إليه بهيمته يحمل عليها ، والثاني لا ; لأن يد العبد كيد سيده ، وعمله كعمله .

التالي السابق


الخدمات العلمية