صفحة جزء
وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال ، وإن اشترى سلعتين فربح في إحداهما وخسر في الأخرى أو تلفت جبرت الوضيعة من الربح وإن تلف بعض رأس المال قبل التصرف فيه انفسخت فيه المضاربة ، وإن تلف المال ثم اشترى سلعة للمضاربة فهي له وثمنها عليه ، إلا أن يجيزه رب المال ، وإن تلف بعد الشراء فالمضاربة بحالها ، والثمن على رب المال . وإذا ظهر الربح لم يكن للعامل أخذ شيء منه إلا بإذن رب المال ، وهل يملك العامل حصته من الربح قبل القسمة ؛ على روايتين . وإن طلب العامل البيع فأبى رب المال أجبر إن كان فيه ربح وإلا فلا ، وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله عرضا أو طلب البيع فله ذلك ، وإن كان دينا لزم العامل تقاضيه ، وإن قارض في المرض فالربح من رأس المال ، وإن زاد على أجرة المثل ويقدم به على سائر الغرماء .


( وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال ) بغير خلاف نعلمه ، يعني أنه لا يستحق أخذ شيء من الربح حتى يسلم رأس المال إلى ربه ، فمتى كان فيه ربح ، وخسران جبرت الوضيعة من الربح ; لأنه هو الفاضل عن رأس المال ، وما لم يفضل فليس بربح ، فلو كان مائة ، فخسر عشرة ثم أخذ ربه عشرة نقص بها ، وقسطها مما خسر درهم وتسع ، ويبقى رأس المال ثمانية وثمانين وثمانية أتساع درهم ، ولو ربح فيها عشرين فأخذها رب المال ، فقد أخذ سدسه فنقص رأس المال سدسه ، وهو ستة عشر وثلثان ، وحظها من الربح ثلاثة وثلث .

فرع : يحسب من الربح المهر ، والثمرة ، والأجرة ، وأرش العيب ، وكذا نتاج الحيوان ، وفي " الفروع " ويتوجه وجه ( وإن اشترى سلعتين فربح في إحداهما وخسر في الأخرى أو تلفت ) إحداهما ( جبرت الوضيعة من الربح ) أي [ ص: 30 ] وجب جبر الخسران من الربح ، ولا يستحق المضارب شيئا إلا بعد كمال رأس المال ; لأنها مضاربة واحدة ، ويلحق بذلك ما إذا تعيب ، أو نزل سعره بعد التصرف ، ونقل حنبل : وقبله جبرت الوضيعة من ربح باقيه قبل قسمته ناضا ، أو تنضيضه مع محاسبته ، نص عليهما .

ونقل ابن منصور ، وحرب إذا احتسبا وعلما مالهما ، واحتج به في " الانتصار " وأنه يحتمل أنه يستحق ربح ربحه ( وإن تلف بعض رأس المال قبل التصرف فيه انفسخت فيه المضاربة ) وكان رأس المال الباقي خاصة ; لأنه مال هلك على جهته قبل التصرف أشبه التالف قبل القبض ، وفارق ما بعد التصرف ; لأنه دار في التجارة ، وشرع فيما قصد بالعقد من التصرفات المؤدية إلى الربح .

فرع : لو دفع إليه ألفين في وقتين لم يخلطهما ، نص عليه ، ويتوجه جوازه ، وإن أذن قبل تصرفه في الأول أو بعده ، وقد نض المال جاز لزوال المعنى المقتضي للمنع ( وإن تلف المال ثم اشترى سلعة للمضاربة فهي له وثمنها عليه ) لأنه اشتراها في ذمته ، وليست من المضاربة لانفساخها بالتلف ، واختصت به ، ولو كانت للمضاربة لكان مستدينا على غيره ، والاستدانة على الغير بغير إذنه لا تجوز ، وسواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهله ( إلا أن يجيزه رب المال ) فيجوز في رواية ، وهو مبني على تصرف الفضولي ، والمذهب أنه للعامل بكل حال ; لأن هذا زيادة في مال المضاربة فلم تجز ( وإن تلف بعد الشراء ) قبل نقد ثمنها ( فالمضاربة بحالها ) لأن الموجب لفسخها هو التلف ، ولم يوجد حين الشراء ، ولا قبله ( والثمن على رب المال ) لأن الشراء صادف المضاربة باقية بحالها ، وذلك يوجب [ ص: 31 ] كون المشترى له ، والثمن عليه ، وحينئذ فلرب السلعة مطالبة كل منهما بالثمن ، ويرجع به على العامل ويصير رأس المال الثمن دون التالف ; لأنه تلف قبل التصرف فيه فهو كما لو تلف قبل قبضه .

مسألة : من أتلفه ضمن الربح للآخر ، ثم إن كان تلفه بعد التصرف ، فالمضاربة بحالها ، وإلا فهي في قدر ثمنها .

( وإذا ظهر الربح لم يكن للعامل أخذ شيء منه ) لأمور : أحدها : أن الربح وقاية لرأس المال فلا يأمن الخسران الذي ينجبر بالربح ، الثاني : أن رب المال شريكه ، فلم يكن له مقاسمة نفسه ، الثالث : أن ملكه غير مستقر عليه ; لأنه بعرضية أن يخرج عن يده لجبران خسارة المال ( إلا بإذن رب المال ) لأن الحق لا يخرج عنهما ، وظهر منه أنه يحرم قسمة الربح والعقد باق إلا باتفاقهما ( وهل يملك العامل حصته من الربح قبل القسمة ؛ على روايتين ) إحداهما وهي المذهب والمجزوم بها عند الأكثر أنه يملك حصته منه بظهوره ; لأن الشرط صحيح ، فيثبت مقتضاه ، وهو أن يكون له جزء من الربح ، وكما يملك الساقي حصته من الثمرة بظهورها في الأصح ، والثانية : لا يملكه إلا بالقسمة ، اختارها القاضي وغيره ; لأنه لو ملكه به لاختص بربحه ، ولوجب أن يكون شريكا لرب المال كشريكي العنان ، ولأنه لو اشترى عبدين بالمال ‌‌كل واحد يساويه فأعتقهما رب المال عتقا ولم يضمن للعامل شيئا ، ذكره الأزجي مع أنه ذكر لو اشترى قريبه فعتق لزمه حصته من الربح كما لو أتلفه ، والثالثة : يملكه بالمحاسبة [ ص: 32 ] والتنضيض ، والفسخ ، فعلى الأولى لا يستقر كشرطه ورضاه بضمانه ، وفي عتق من يعتق عليه ، وقيل : - ولو لم يظهر ربح - وجهان .

فرع : إتلاف المالك كالقسمة ، فيغرم نصيب الآخر ، وكذا الأجنبي .

( وإن طلب العامل البيع فأبى رب المال أجبر ) أي على البيع ( إن كان فيه ربح ) نص عليه ; لأن حق العامل في الربح لا يظهر إلا بالبيع ، فأجبر الممتنع من أدائه كسائر الحقوق ( وإلا فلا ) أي إذا لم يظهر ربح لم يجبر الممتنع على البيع ; لأنه لا حق للعامل فيه ، وقد رضيه مالكه كذلك فلا يجبر على بيعه ، وقيل : يجبر مطلقا ; لأنه ربما زاد فيه راغب ، فزاد على ثمن المثل ، فيكون للعامل فيه حظ ، ورد بأنها حصلت بعد الفسخ فلم يستحقها العامل ، فعلى تقدير الخسارة يتجه منعه من ذلك ، ذكره الأزجي .

فرع : للعامل شراء البعض من المالك إن لم يظهر ربح ، وقيل : مطلقا ، وكذا من نفسه ، ويحتمل أن لا يصح مطلقا .

( وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله عرضا ) أي فله تقويمه ، ودفع حصته ; لأنه أسقط البيع عن المضارب ، وأخذ العروض بثمنها الذي يحصل من غيره ، وحينئذ يملكها ، نص عليه ، إن لم يكن حيلة ، فإن ارتفع السعر لم يطالبه بقسطه في الأصح ، قال ابن عقيل : لو قصد رب المال الحيلة ليختص بالربح بأن كان العامل اشترى خزا في الصيف ليربح في الشتاء ، أو يرجو دخول موسم أو قفل أن حقه يبقى في الربح ، قال الأزجي : [ ص: 33 ] أصل المذهب أن الحيل لا أثر لها ( أو طلب ) رب المال ( البيع ، فله ذلك ) أي يجبر العامل على بيعه ، وقبض ثمنه حيث لم يرض المالك ، هذا هو الأصح ; لأن عليه رد المال ناضا كما أخذه ، والثاني : لا يجبر إذا لم يكن في المال ربح ، أو أسقط حقه منه ; لأنه بالفسخ زال تصرفه ، وصار أجنبيا من المال ، أشبه الوكيل إذا اشترى ما يستحق الرد ، فأخره حتى زالت الوكالة ، وإذا لم يلزمه ففي استقراره بالفسخ وجهان ، وذكر المؤلف وغيره : يلزمه بقدر رأس المال .

فرع : إذا كان رأس المال دنانير فصار دراهم ، أو بالعكس فكعرض ، ذكره الأصحاب ، وقال الأزجي : إن قلنا هما شيء واحد وهو قيمة الأشياء لم يلزمه ، ولا فرق لقيام كل واحد مقام الآخر ، وإذا نض رأس المال لم يلزم العامل أن ينض له الباقي ; لأنه شركة بينهما ، ولو كان صحاحا فنض قراضة أو مكسرة لزم العامل ردها إلى الصحاح ، فيبيعها بصحاح أو بعرض ثم يشتريها به ( وإن كان دينا لزم العامل تقاضيه ) مطلقا أي إن ظهر ربح أو لا ; لأن المضاربة تقتضي رد المال على صفته ، والديون لا تجري مجرى الناض ، فلزمه ذلك كما لو ظهر ربح ، وقيل : يلزمه في قدره ، ولا يلزم وكيلا ، وذكر أبو الفرج : يلزمه رده على حاله إن فسخ بلا إذنه ، قال : وكذا شريكا ( وإن قارض في المرض ) صح ; لأنه عقد ينبغي فيه الفضل أشبه المعاوضة ( فالربح من رأس المال ) ولا يحتسب به من ثلثه ( وإن زاد على أجرة المثل ) لأن ذلك غير مستحق من مال رب المال ، وإنما حصل بعمل المضارب فيما يوجد منه يحدث على ملك العامل ولا يزاحم به أصحاب الوصايا ; لأنه لو أقرض المال كان الربح كله للمقترض ، فبعضه أولى [ ص: 34 ] بخلاف ما لو حابى الأجير في الأجر ، فإنه يحتسب بالمحاباة من ثلثه ; لأن الأجر يؤخذ من ماله ( ويقدم به على سائر الغرماء ) أي إذا مات رب المال ; لأنه يملك الربح بالظهور ، فكان شريكا فيه ، ولأن حقه متعلق بعين المال لا الذمة ، فكان مقدما على ما يتعلق بالذمة كالجناية ، أو يقال : حقه متعلق بالمال قبل الموت ، فكان أسبق ، فقدم كالرهن .

فرع : إذا شرط في المزارعة والمساقاة أكثر من أجر المثل ، فقيل : مثلها ; لأن الثمرة تخرج عن ملكهما كالربح ، وقيل : من ثلثه كالأجير .

التالي السابق


الخدمات العلمية