صفحة جزء
[ ص: 293 ] باب اللقيط

وهو الطفل المنبوذ
، وهو حر ينفق عليه من بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه ، ويحكم بإسلامه إلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافرا ، فإن كان فيه مسلم فعلى وجهين .


باب اللقيط

هو فعيل بمعنى مفعول ، كقتيل وجريح ، والتقاطه فرض كفاية لقوله تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى [ المائدة : 2 ] ؛ ولأن فيه إحياء نفس ، فكان واجبا كإطعامه إذا اضطر ، وإنجائه من الغرق . وروى سعيد عن سفيان ، عن الزهري ، عن سفيان بن أبي جميلة ، قال : وجدت ملقوطا ، فأتيت عمر رضي الله عنه ، فقال عريفي : يا أمير المؤمنين ، إنه رجل صالح ، فقال عمر : أكذلك هو ؛ قال : نعم ، قال : فاذهب فهو حر ، ولك ولاؤه ، وعلينا نفقته ، وفي لفظ : علينا رضاعه .

( وهو الطفل المنبوذ ) من نبذ ، أي طرح ، سواء كان في شارع أو غيره ، وليس هناك من يدعيه ، وقيل : والمميز إلى البلوغ ، وعليه الأكثر . قال الحلواني : يستحب لمن رآه أن يأخذه ويربيه إن كان أمينا ، وإن كان سفيها فللحاكم رفع يده عنه ، وتسليمه إلى أمين ليربيه .

وله ثلاثة أركان : اللقيط وقد عرف ، والالتقاط ، وفي وجوب الإشهاد عليه ما في اللقطة ، وقيل : يجب قولا واحدا لئلا يسترقه ، والملتقط وهو كل حر مكلف رشيد ، وفي اعتبار العدالة وجهان .

( وهو حر ) في جميع الأحكام إجماعا ، حكاه ابن المنذر ، وقال النخعي : إن التقطه للحسبة فهو حر ، وإن التقطه للاسترقاق فهو له ، وهذا قول لا يعرج على مثله ، ولا يصح في النظر ، فإن الأصل في الآدميين الحرية ، فإن [ ص: 294 ] الله تعالى خلق آدم وذريته أحرارا ، وإنما الرق لعارض كوجدانه في دار حرب ( ينفق عليه من بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه ) ؛ لقول عمر ، ولأنه مصرف ميراثه ، ولا يجب على الملتقط إجماعا ، فإن تعذر الإنفاق من بيت المال فعلى من علم حاله من المسلمين ، فإن تركوه أثموا ويسقط بفعل البعض ، ثم إن كان متبرعا فلا شيء له ، وإن كان بنية الرجوع بأمر الحاكم لزم اللقيط ذلك إذا كانت قصدا بالمعروف ، وإن كان بغير أمر من الحاكم فقولان ، وما حكي أنه لا يرجع مع إذن الحاكم سهو ( ويحكم بإسلامه ) أي هو محكوم بإسلامه إذا وجد في دار الإسلام ، وإن كان فيها أهل ذمة تغليبا للإسلام والدار ؛ ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى ، ثم دار الإسلام قسمان : ما اختطه المسلمون كبغداد والبصرة لقيطها محكوم بإسلامه قطعا ، الثاني : دار فتحها المسلمون كمدائن الشام ، فإن كان فيها مسلم حكم بإسلام لقيطها ، وإن لم يكن فيها مسلم حكم بكفره ، وهو داخل في قوله : ( إلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافرا ) ؛ لأن الدار لهم وأهلها منهم ، ثم بلاد الكفار قسمان أيضا : بلد يغلب المسلمون الكفار عليه كالساحل ، فإن كان فيه مسلم حكم بإسلام لقيطه ، قاله في " الشرح " . وقال القاضي : يحكم بإسلامه لاحتمال أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه ، وبلاد لم تكن للمسلمين كالهند والروم ، فلقيطها كافر ، وكلام المؤلف محمول عليه ، ( فإن كان فيه مسلم ) كتاجر وغيره ( فعلى وجهين ) : أحدهما - وجزم به في " الوجيز " - أنه محكوم بإسلامه تغليبا للإسلام ، وهذا بالنسبة إلى الظاهر ؛ بدليل أنه لو أقام كافر بينة أنه ولده ولد على فراشه حكم له به ، والثاني يحكم [ ص: 295 ] بكفره تغليبا للدار والأكثر ، وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتا في أي مكان وجد ، أنه يجب غسله ودفنه في مقابر المسلمين ، وقد منعوا أن يدفن أطفال المشركين في مقابر المسلمين ، وإذا وجد في قرية ليس فيها إلا مشرك فهو على ظاهر ما حكموا به أنه كافر .

التالي السابق


الخدمات العلمية