صفحة جزء
فصل

والتفويض ، على ضربين : تفويض البضع ، وهو أن يزوج الأب ابنته البكر ، أو تأذن المرأة لوليها في تزويجها بغير مهر ، وتفويض المهر وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو شاء أجنبي ونحو ذلك ، فالنكاح صحيح ، ويجب مهر المثل بالعقد ، ولها المطالبة بفرضه ، فإن فرضه الحاكم لم يجز إلا بمقداره ، وإن تراضيا على فرضه جاز ما اتفقا عليه من قليل وكثير ، وإن مات أحدهما قبل الإصابة ، ورثه صاحبه ، ولها مهر نسائها ، وعنه : أنه يتنصف بالموت إلا أن يكون قد فرضه لها ، وإن طلقها قبل الدخول بها لم يكن لها عليه إلا المتعة على الموسع قدره ، وعلى المقتر قدره ، فأعلاها خادم ، وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها ، وعنه : يرجع في تقديرها إلى الحاكم ، وعنه : يجب لها نصف مهر المثل ، فإن دخل بها استقر مهر المثل ، فإن طلقها بعد ذلك ، فهل تجب المتعة ؛ على روايتين ، أصحهما : لا تجب .


فصل في المفوضة

يجوز فيه فتح الواو وكسرها ( والتفويض ) معناه : الإهمال ، كأنها أهملت المهر حيث لم يسمه ، قال الشاعر :

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم 206 ولا سراة إذا جهالهم سادوا

.

( على ضربين : تفويض البضع ) وهو الذي ينصرف إطلاق التفويض إليه ( وهو أن يزوج الأب ابنته البكر ، أو تأذن المرأة لوليها في تزويجها بغير مهر ) أو مطلقا ، قاله في " الرعاية " منه أن النكاح صحيح من غير تسمية صداق في قول عامتهم; لقوله تعالى : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة [ البقرة : 236 ] ; ولقول ابن مسعود وسيأتي; ولأن القصد من النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق ، فصح ذكره كالنفقة ، وسواء [ ص: 167 ] شرطا نفي المهر أو تركا ذكره ، فلو قال : زوجتك بغير مهر في الحال ، ولا في الثاني صح ( وتفويض المهر وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو شاء أجنبي ونحو ذلك ) ; لأنها لم تزوج نفسها إلا بصداق ، وهو مجهول ، فسقط لجهالته ( فالنكاح صحيح ، ويجب مهر المثل بالعقد ) ؛ لقول ابن مسعود ، وقد سئل عن امرأة تزوجت برجل لم يفرض لها صداقا ، ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود : لها صداق نسائها ، لا وكس ، ولا شطط ، وعليها العدة ، ولها الميراث فقام معقل بن سنان ، فقال : قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بروع بنت واشق - امرأة منا بمثل ما قضيت به ، ففرح بها ابن مسعود ، رواه الخمسة ، وصححه الترمذي ولفظه له; ولأنها تملك المطالبة به ، فكان واجبا كالمسمى; ولأنه لو لم يجب بالعقد لما استقر بالموت ، كالعقد الفاسد ، وإنما لم يتنصف; لأن الله تعالى نقل غير المسمى لها بالطلاق إلى المتعة ، فعلى هذا لو فرض الرجل مهر أمته ثم أعتقها ، أو باعها ثم فرض لها كان لمعتقها أو بائعها وإن طلقت عند المشتري فالمتعة لها ( ولها المطالبة بفرضه ) قبل الدخول فإن امتنع أجبر عليه لأن النكاح لا يخلو من المهر فوجب لها المطالبة ببيان قدره لا نعلم فيه خلافا ، إذ القول بعدم وجوبه ، بالعقد يفضي إلى خلوه منه ، مع أنه يقع صحيحا ، قال جماعة : ولها المطالبة بمهر المثل ، وقيل : لا; لأنه لم يستقر ، ويصح إبراؤها منه قبل فرضه ، وعنه : لا ، لجهالته ، وإن وقف وجوبه على الدخول ، فكالعفو عما انعقد سبب وجوبه ( فإن ) امتنع من بيان قدره ( فرضه الحاكم ) ; لأنه معد لذلك ، فدل على أنه لو فرضه أجنبي لها لم يصح ، وإن رضيته وفيه وجه بالصحة ، فإن سلم إليها [ ص: 168 ] ما فرض لها فرضيته ، فهل يصح ؛ فيه احتمالان فإن قلنا يصح فطلقت قبل الدخول رجع نصفه إلى الزوج و ( لم يجز إلا بمقداره ) ; لأن الزيادة ميل عليه ، والنقصان ميل عليها ، والعدل المثل; ولأنه إنما يفرض بدل البضع ، فوجب أن يتقدر به كالسلعة ، إذا تلفت ، وحينئذ يلزمها فرضه بحكمه ، فدل أن ثبوت سبب المطالبة كتقديره أجرة المثل والنفقة ونحوه ، حكم ، فلا يغير حاكم آخر ما لم يتغير السبب ، كيسره في النفقة ، أو عسره .

( وإن تراضيا على فرضه جاز ما اتفقا عليه من قليل وكثير ) سواء كانا عالمين بمهر المثل أو لا; لأن الحق لهما لا يعدوهما; لأنه إذا فرض لها كثيرا فقد بذل لها من ماله فوق ما يلزمه ، وإن رضيت باليسير فقد رضيت بدون ما يجب لها ، ويصير ما فرضاه كالمسمى في العقد في أنه يتنصف بالطلاق ، ولا تجب لها المتعة .

تنبيه : يجوز الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئا; للخبر ، وعن ابن عباس ، وابن عمر : لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا; للخبر ، وجوابه : بأنه محمول على الاستحباب ، ويجب المسمى بوطء أو خلوة من يطأ مثله بمن يوطأ مثلها بدون مانع عرفا ، وفي المانع حسا أو شرعا روايتان .

( وإن مات أحدهما قبل الإصابة ) وقبل الفرض ( ورثه صاحبه ) بغير خلاف نعلمه; لأن عقد الزوجية صحيح ثابت ، فيورث به; لدخوله في عموم النص ( ولها مهر نسائها ) في ظاهر المذهب لحديث; ابن مسعود; ولأن الموت يكمل [ ص: 169 ] به المسمى ، فكمل به مهر المثل كالدخول ( وعنه : أنه يتنصف بالموت ) ; لأن المفروض لها يخالف التي لم يفرض لها في الطلاق ، فجاز أن يخالفها بعد الموت; ولأنها فرقة وردت على تفويض صحيح قبل فرض ومسيس ، فلم يجب لها مهر المثل كفرقة الطلاق ( إلا أن يكون قد فرضه لها ) الحاكم ، فإنه لا يتنصف; لأن الفرض يجعله كالمسمى ، ولو سمى ثم مات لوجب كله ، فكذا إذا فرضه .

( وإن طلقها قبل الدخول بها لم يكن لها عليه إلا المتعة ) هذا المذهب ، ونص عليه في رواية جماعة ، وهو قول ابن عباس وابن عمر; لقوله تعالى : إذا نكحتم المؤمنات إلى قوله : فمتعوهن [ الأحزاب : 49 ] ولقوله تعالى : وللمطلقات متاع [ البقرة : 236 ] والأمر يقتضي الوجوب; ولأنه طلاق في نكاح يقتضي عوضا ، فلم يعر عن ذكر العوض كما لو سمى مهرا ( على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ) أي المتعة معتبرة بحال الزوج; لقوله تعالى : ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف [ البقرة : 236 ] وقيل : بحالها ، وقيل بحالهما ، وعلى الأول ( فأعلاها خادم ، وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها ) ; لقول ابن عباس : أعلى المتعة خادم ، ثم دون ذلك النفقة ، ثم دون ذلك الكسوة ، وقيدت بما يجزئها في صلاتها; لأن ذلك أقل الكسوة ( وعنه : يرجع في تقديرها إلى الحاكم ) ; لأنه أمر لم يرد الشرع بتقديره ( وعنه : يجب لها نصف مهر المثل ) ; لأنها بدل عنه ، فيجب أن يتقدر به ، وعنه : يجب للمطلقة قبل الدخول نصف مهر مثلها; لأنه نكاح صحيح ، يوجب مهر المثل بعد الدخول ، فوجب نصفه بالطلاق كالتي سمى لها ، وكما لو سمى لها محرما .

[ ص: 170 ] ( فإن دخل بها استقر مهر المثل ) ; لأن الدخول يوجب استقرار المسمى ، فكذا مهر المثل; لاشتراكهما في المهر في المعنى الموجب للاستقرار ( فإن طلقها بعد ذلك ، فهل تجب المتعة ؛ على روايتين ، أصحهما : لا تجب ) وجزم به في " الوجيز " ; لأن كل من وجب لها نصف المهر لم يجب لها متعة ، سواء كانت ممن سمى لها صداقا أو لا; ولأنه وجب لها مهر المثل ، فلم يجب لها المتعة; لأنه كالبدل مع مهر المثل ، والثانية : لكل مطلقة متاع ، روى عن علي ، والحسن ، وسعيد بن جبير وغيرهم - للآية ، والمذهب : أن المتعة لا تجب إلا لحرة ، أو سيد أمة على زوج بطلاق قبل الدخول ، كمن لا مهر لها; لأنه - تعالى - قسم المطلقات قسمين ، وأوجب المتعة لغير المفروض لهن ، ونصف المسمى لغير المفروض لهن ، وذلك يدل على اختصاص كل قسم بحكمه ، مع أن أبا بكر قال : العمل عندي على الثانية; لتواتر الروايات عنه بخلافها ، فإنه لم يرو عنه هذا إلا حنبل ، وعنه : تجب المتعة إلا لمن دخل بها وسمى لها .

فرع : لا متعة للمتوفى عنها بغير خلاف; لأن النص لم يتناولها ، وإنما يتناول المطلقات; ولأنها أخذت العوض المسمى لها في عقد المعاوضة ، فلم يجب لها به سواه كما في سائر العقود .

التالي السابق


الخدمات العلمية