صفحة جزء
وتجب الكفارة بالعود ، وهو الوطء . نص عليه أحمد وأنكر قول مالك إنه العزم على الوطء . وقال القاضي وأبو الخطاب : هو العزم على الوطء ، وإن مات أحدهما أو طلقها قبل الوطء ، فلا كفارة عليه . وإن عاد فتزوجها لم يطأها حتى يكفر ، وإن وطئ قبل التكفير أثم واستقرت عليه الكفارة وتجزئه كفارة واحدة .


( وتجب الكفارة ) أي : تثبت في ذمته ( بالعود ، وهو الوطء . نص عليه أحمد ) . اختاره الخرقي ، وقدمه في " الكافي " و " الرعاية " و " الفروع " . وجزم به في " الوجيز " لقوله تعالى : والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة [ المجادلة : 3 ] فأوجب الكفارة عقب العود ، وذلك يقتضي تعلقها به فمتى وطئ لزمته الكفارة ، ولا تجب قبل ذلك صرح به في " المغني " وغيره ; لأنه علق الكفارة بشرطين : ظهار وعود ، والمعلق لا وجود له عند عدم أحدهما إلا أنها شرط لحل الوطء فيؤمر بها من أراده ليستحله بها كما يؤمر بعقد النكاح من أراد حلها . ذكره في " الشرح " ولأن العود في القول هو فعل ضد ما قال كما أن العود في الهبة استرجاع ما وهب ، ويلزمه إخراجها بعزمه على الوطء . نص عليه ، ويجوز قبله ، وفي " الانتصار " في الطلاق إن عزم فيقف مراعا . ( وأنكر قول مالك أنه العزم على الوطء ) لما تقدم . وقال أبو حنيفة : تجب الكفارة على من وطئ ، وهي [ ص: 43 ] عنده في حق وطئ كمن لم يطأ . وقال الشافعي : العود إمساكها بعد ظهاره زمنا يمكن طلاقها فيه ، وقال داود : العود تكرار الظهار مرة ثانية .

( وقال القاضي وأبو الخطاب ) وغيرهما ( هو العزم على الوطء ) ، وذكره ابن رزين رواية ; لأنه قصد تحريمها ، فإذا عزم على الوطء فقد عاد فيما قصد ، ولأن الوطء تحريم ، فإذا عزم على استباحتها فقد رجع عن ذلك التحريم ، فكان عائدا ، ولأن الله تعالى أمر بالتكفير عقب العود قبل التماس ، وكلامه مشعر بأن العود ليس هو إمساك المظاهر منها عقب يمينه وصرح به في " المغني " ، وعلله بأن الظهار تحريم قصده وفعل ما حرمه دون الإمساك ، ولأن العود فعل ، والإمساك ترك الطلاق ولقوله تعالى : ثم يعودون لما قالوا [ المجادلة : 3 ] و " ثم " للتراخي ، والمهلة ، وذلك ينافي الإمساك عقب الظهار ، وحاصله أنهم لم يوجبوا الكفارة على العازم على الوطء إذا مات أحدهما ، أو طلق قبل الوطء إلا أبا الخطاب ، فإنه قال : إذا مات بعد العزم ، أو طلق فعليه الكفارة ، وهذا قول مالك وأبي عبيدة وأنكره أحمد ، وقال القاضي وأصحابه : لا كفارة عليه . حكاه المؤلف ، وقطع في " المحرر " بالكفارة ، وحكاه عن القاضي وأصحابه .

( وإن مات أحدهما ، أو طلقها قبل الوطء ، فلا كفارة عليه ) . وحاصله أن الكفارة ، لا تجب بمجرد الظهار ، فإن مات أحدهما ، أو فارقها قبل العود ، فلا كفارة عليه ; لأن الموجب لها هو الوطء ، ولم يوجد على المنصوص ، وأيهما مات ورثه الآخر ، وقال قتادة : إن ماتت لم يرثها حتى يكفر . وجوابه : أن من [ ص: 44 ] ورثها إذا كفر ورثها ، وإن لم يكفر كالمؤلي منها ( وإن عاد فتزوجها لم يطأها حتى يكفر ) سواء كان الطلاق ثلاثا أو لا ، وسواء رجعت إليه بعد زوج آخر ، أو لا . نص عليه ، وهو قول الحسن وعطاء للآية . وهي ظاهرة في امرأته ، فلا يحل أن يتماسا حتى يكفر كالتي لم يطلقها ، ولأن الظهار يمين مكفرة ، فلم يبطل حكمها بالطلاق كالإيلاء . ( وإن وطئ قبل التكفير أثم ) مكلف ; لأنه بوطئه قبل التكفير عاص ربه لمخالفته أمره ( واستقرت عليه الكفارة ) ولو مجنونا . نص عليه لئلا يسقط بعد ذلك كالصلاة إذا غفل عنها في وقتها وتحريم زوجته باق عليه حتى يكفر في قول الأكثر . وظاهر كلام جماعة لا وأنه كاليمين ، قال في " الفروع " : وهو أظهر ، وكذا في " الترغيب " وجهان كالإيلاء . وفي " الانتصار " وغيره إن أدخلت ذكره نائما ، فلا عود ، ولا كفارة ، وعلى الأول . ( وتجزئه كفارة واحدة ) لحديث سلمة بن صخر ، ولأنه وجد الظهار ، والعود فيدخل في عموم الآية . وحكي عن عمرو بن العاص أن عليه كفارتين . رواه الدارقطني وبه قال جمع ، وعن بعض العلماء أن الكفارة تسقط ; لأنه قد فات وقتها لكونها وجبت قبل المسيس .

التالي السابق


الخدمات العلمية