صفحة جزء
فصل الثاني : انتفاء الشبهة ، فإن وطئ جارية ولده ، أو جارية له فيها شرك ، أو لولده ، أو وجد امرأة على فراشه ظنها امرأته أو جاريته ، أو دعا الضرير امرأته أو جاريته ، فأجابه غيرها ، فوطئها ، أو وطئ في نكاح مختلف في صحته ، أو وطئ امرأته في دبرها أو حيضها أو نفاسها ، أو لم يعلم بالتحريم ، لحداثة عهده بالإسلام ، أو نشوئه ببادية بعيدة ، أو أكره على الزنا ، فلا حد عليه ، وقال أصحابنا : إن أكره الرجل فزنى حد ، وإن وطئ ميتة ، أو ملك أمه أو أخته من الرضاع فوطئها ، فهل يحد ، أو يعزر ؛ على وجهين . وإن وطئ في نكاح مجمع على بطلانه ، كنكاح المزوجة والمعتدة ، والخامسة ، وذوات المحارم من النسب والرضاع ، أو استأجر امرأة للزنا أو لغيره ، وزنى بها ، أو زنى بامرأة له عليها القصاص أو بصغيرة أو مجنونة ، أو بامرأة ثم تزوجها ، أو بأمة ثم اشتراها ، أو أمكنت العاقلة من نفسها مجنونا أو صغيرا فوطئها ، فعليهم الحد .


فصل .

( الثاني : انتفاء الشبهة ) لقوله عليه السلام : ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم ( فإن وطئ جارية ولده ) فلا حد عليه في قول أكثرهم ، لأنه وطء تمكنت الشبهة فيه كوطء الجارية المشتركة ، يدل عليه قوله عليه السلام : أنت ومالك لأبيك أضاف مال ولده إليه وجعله له ، فإذا لم تثبت حقيقة الملك ، فلا أقل من جعله شبهة دارئة للحد الذي يدرأ بالشبهة ، وفي الرعاية : من وطئ أمة ولده ولم ينو تملكها به ، ولم يكن ابنه وطئها ، وقيل : أو كان ، عزر في الأشهر بمائة سوط ، وقيل : إن حملت منه ملكها ، وإلا عزر ، وإن كان ابنه وطئها حد الأب مع علمه به ( أو جارية له فيها شرك ) فكذلك ، لأنه فرج له فيه ملك ، أشبه المكاتبة والمرهونة ، وظاهره : ولو لبيت المال ، صرح به في الرعاية ، إذا كان له فيه حق ( أو لولده ) لأن الشرك في إسقاط الحد كملك الكل ( أو وجد امرأة على فراشه ظنها امرأته أو جاريته فوطئها ) فلا حد عليه ، لأنه وطء اعتقد إباحته بما يعذر مثله فيه ، أشبه ما لو قيل له هذه زوجتك بغير خلاف نعلمه ، لكن عليها الحد إن علمت أنه أجنبي ( أو دعا [ ص: 71 ] الضرير امرأته أو جاريته فأجابه غيرها ، فوطئها ) وظنها المدعوة ، كما لو زفت إليه غير زوجته ، وقيل له : هذه زوجتك ، بخلاف ما لو دعا محرمة عليه ، فأجابه غيرها ، فوطئها يظنها المدعوة ، فعليه الحد ، سواء كانت المدعوة ممن له فيها شبهة ، كالجارية المشتركة ، أو لم يكن ، لأنه لا تعذر بهذا ، أشبه ما لو قتل رجلا يظنه ابنه فبان أجنبيا ( أو وطئ في نكاح ) أو ملك ( مختلف في صحته ) يعتقد تحريمه كمتعة وبلا ولي ، وشراء فاسد بعد قبضه ، وقيل : أو قبله ، لأن الوطء فيه شبهة ، وعنه : يحد ، اختاره الأكثر في وطء بائع بشرط خيار ، ولو لم يجد ، ذكره أبو الحسين وغيره ، فلو حكم بصحته توجه خلاف ، وكذا وطؤه بعقد فضولي ، وفي ثالث إن وطئ قبل الإجازة حد ، وإلا عزر ، واختار في المحرر : يحد قبلها إن اعتقد أنه لا ينفذ بها ، وحكي رواية ( أو وطئ امرأته في دبرها أو حيضها أو نفاسها ) لأن الوطء قد صادف ملكا ، فكان شبهة ، وقد حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه أنه يدرأ بالشبهة ( أو لم يعلم بالتحريم ، لحداثة عهده بالإسلام أو نشوئه ببادية بعيدة ) قبل منه ، لأنه يجوز أن يكون صادقا ، وظاهره : أنه إذا لم يكن كذلك ، أو نشأ بين المسلمين أنه لا يقبل منه ، لأنه لم يخف عليه ( أو أكره على الزنا فلا حد عليه ) نقول لا حد على مكرهة على الزنا في قول عامتهم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه . رواه النسائي . وعن عبد الجبار بن وائل ، عن أبيه : أن امرأة استكرهت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدرأ عنها الحد . رواه الأثرم ، ورواه سعيد عن عمر ، ولأن هذا شبهة والحد يدرأ بها ، ولا فرق في [ ص: 72 ] الإكراه بالإلجاء ، وهو : أن يغلبها على نفسها ، أو بالتهديد بالقتل ونحوه ، نص عليه في راع أو منع طعام مع اضطرار ، وكذا المفعول به لواطا قهرا ( وقال أصحابنا : إن أكره الرجل فزنى حد ) نص عليه ، وقدمه في الفروع ، وهو المذهب ، لأن الوطء لا يكون إلا بالانتشار الحادث والاختيار ، بخلاف الإكراه ، وعنه : لا حد عليه ، صححه في المغني والشرح لعموم الخبر ، ولأن الإكراه شبهة ، وكما لو استدخلت ذكره وهو نائم ، وعنه فيهما : لا حد إلا بتهديد ونحوه ، قال الشيخ تقي الدين : بناء على أنه لا يباح بالإكراه الفعل لا القول ، قال القاضي وغيره : إن خافت على نفسها القتل سقط عنها الدفع ، كسقوط الأمر بالمعروف بالخوف ( وإن وطئ ميتة أو ملك أمه أو أخته من الرضاع فوطئها ، فهل يحد ، أو يعزر ؛ على وجهين ) وهما روايتان .

إحداهما : يحد بوطء ميتة ، قدمها في الرعاية ، لأنه إيلاج في فرج محرم ، لا شبهة له فيه ، أشبه الحية ، ولأنه أعظم ذنبا .

والثانية : لا يحد اختارها أبو بكر ، وجزم بها في الوجيز ، لأنه لا يقصد ، فلا حاجة إلى الزجر عنه ، فعليها يعزر ، ونقل عبد الله : بعض الناس يقول عليه حدان ، فظننته يعني نفسه ، قال أبو بكر : وهو قول الأوزاعي ، وهذا بخلاف طرف ميت لعدم ضمان الجملة لعدم وجود قتل بخلاف الوطء ، وأما من تحرم عليه بالرضاع إذا وطئها فعنه : يحد ، وذكره القاضي عن أصحابنا ، لأنه لا يستباح بحال كالمحرمة بالنسب ، وكفرج الغلام ، وعنه : لا ، وجزم بها في الوجيز ، لأنها مملوكة أشبهت مكاتبته ، ولأنه وطء اجتمع فيه موجب ومسقط ، والحد يبنى على الدرء والإسقاط [ ص: 73 ] فإذا لم يحد عزر ، وعنه : مائة سوط وكذا إذا وطئ أمته المزوجة ، أو المعتدة ، أو المرتدة ، أو المجوسية ( وإن وطئ في نكاح مجمع على بطلانه ) والمنصوص مع علمه ( كنكاح المزوجة ) لأنه وطء لم يصادف ملكا ولا شبهة ملك ، فأوجب الحد عملا بالمقتضى ، وقد روي عن عمر أنه رفع إليه امرأة تزوجت في عدتها ، فقال : هل علمتما ؛ فقالا : لا ، فقال : لو علمتما لرجمتكما . رواه أبو نصر المروزي . ولأنه إذا وجب الحد بوطء المعتدة ، فلأن يجب بوطء المزوجة بطريق الأولى ( والمعتدة ) فلو قال : جهلت فراغ المعتدة ، وأمكن صدقه ، صدق ( والخامسة ) لعدم إباحتها ( وذوات المحارم من النسب والرضاع ) للعموم ، وعنه فيمن وطئ ذوات محارمه : يقتل بكل حال ، رجحه في الشرح لأخبار ، وعنه : ويؤخذ ماله لبيت المال ، لما روى البراء ، قال : لقيت عمي ومعه الراية ، فقلت : إلى أين تريد ؛ فقال : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده ، أن أضرب عنقه ، وآخذ ماله . رواه أبو داود والجوزجاني .

مسألة : حكم من زنى بحربية مستأمنة ، أو نكح بنته من الزنا كذلك ، نص عليه ، وحمله جماعة على أنه لم يبلغه الخلاف ( أو استأجر امرأة للزنا أو لغيره ، وزنى بها ) لعموم الآية والأخبار ، ووجود الإجارة كعدمها ، ولأنه وطء في غير ملك أشبه ما لو كان له عليها دين وتغير الحال ، لا يسقط الحد كما لو مات ( أو زنى بامرأة له عليها القصاص ) لأن استحقاق قتلها لا يوجب إباحة وطئها ، فلا تؤثر فيه شبهة ، فوجب أن يجب الحد عملا بالنصوص ، وقيل : من وطئ أمة له عليها قود لم يحد ، إن قلنا : إنه يملكها به ، وسئل أحمد : هل عليه [ ص: 74 ] عقرها ؛ قال : لا شيء عليه ، هي له ( أو بصغيرة ) يوطأ مثلها ، نقله الجماعة ، وصححه في المغني والشرح ، لأنها كالكبيرة في ذلك ، وقيل : أو لا ، وهو ظاهر كلامه هنا ، وقال القاضي : لا حد على من وطئ صغيرة لم تبلغ تسعا ، لأنه لا يشتهى مثلها ، وكما لو استدخلت ذكر صبي لم يبلغ عشرا ، ورده المؤلف لعدم التوقيف فيه ( أو مجنونة ) لأن الواطئ من أهل وجوب الحد ، وقد فعل ما يوجبه ، فوجب أن يترتب عليه مقتضاه ( أو بامرأة ثم تزوجها ، أو بأمة ثم اشتراها ) لأن النكاح والملك وجدا بعد وجوب الحد ، فلم يسقط ، كما لو سرق نصابا ثم ملكه ، أو أقر عليها ، فجحدت كسكوتها ( أو أمكنت العاقلة ) أي : المكلفة ( من نفسها مجنونا أو صغيرا ) وقيل : ابن عشر ( فوطئها ، فعليهم الحد ) أي : عليها الحد ، لأن سقوطه عن أحد المتواطئين لمعنى يخصه لا يوجب سقوطه عن الآخر ، كما لو زنى المستأمن بمسلمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية