صفحة جزء
فصل

الثالث : أن يثبت الزنا ولا يثبت إلا بشيئين : أحدهما : أن يقر به أربع مرات في مجلس أو مجالس وهو بالغ عاقل ، ويصرح بذكر حقيقة الوطء ، ولا ينزع عن إقراره حتى يتم عليه الحد . الثاني : أن يشهد عليه أربعة رجال أحرار عدول ، يصفون الزنا ويجيئون في مجلس واحد ، سواء جاءوا متفرقين أو مجتمعين ، فإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم ، أو شهد ثلاثة وامتنع الرابع من الشهادة ، أو لم يكملها ، فهم قذفة ، وعليهم الحد . وإن كانوا فساقا أو عميانا ، أو بعضهم ، فعليهم الحد ، وعنه : لا حد عليهم ، وإن كان أحدهم زوجا ، حد الثلاثة ، ولاعن الزوج إن شاء ، وإن شهد اثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد ، واثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد آخر ، فهم قذفة ، وعليهم الحد . وعنه : يحد المشهود عليه وهو بعيد ، وإن شهدا أنه زنى بها في زاوية بيت ، وشهد الآخران أنه زنى بها في زاويته الأخرى ، أو شهدا أنه زنى بها في قميص أبيض ، وشهد الآخران أنه زنى بها في قميص أحمر ، كملت شهادتهم ، ويحتمل ألا تكمل كالتي قبلها . وإن شهدا أنه زنى بها مطاوعة ، وشهد آخران أنه زنى بها مكرهة ، لم تكمل شهادتهم ، وهل يحد الجميع ، أو شاهدا المطاوعة ؛ على وجهين . وعند أبي الخطاب : يحد الزاني المشهود عليه دون المرأة والشهود .


فصل .

( الثالث : أن يثبت الزنا ولا يثبت ) زناه ، ولا يلزمه الحد ( إلا بشيئين : أحدهما : أن يقر به أربع مرات في مجلس أو مجالس ) نص عليه ، لما روى أبو هريرة ، قال : أتى رجل من الأسلميين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ، فقال : إني زنيت ، فأعرض عنه ، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أبك جنون ؛ قال : لا ، قال : هل أحصنت ؛ قال : نعم ، قال : [ ص: 75 ] اذهبوا به فارجموه . متفق عليه . وفي مختصر ابن رزين : بمجلس ، سأله الأثرم : بمجلس أو مجالس ؛ قال : الأحاديث ليست تدل إلا على مجلس ، إلا عن ذاك الشيخ بشير بن المهاجر ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، وذاك منكر الحديث ، وقال الحكم وابن أبي ليلى : يكفي الإقرار مرة ، لقوله عليه السلام : واغد يا أنيس على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها . وغيره من الأحاديث المطلقة ، وجوابه : ما سبق ، وبأنه لو وجب الحد بمرة لم يعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه لا يجوز ترك حد وجب لله تعالى ، وروى نعيم بن هزال ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : قلتها أربع مرات قال : نعم . رواه أبو داود ( وهو بالغ عاقل ) حر وعبد ، محدود في قذف أو لا ، ولا نعلم خلافا أن المكره لا يجب عليه حد ، وكذا النائم لرفع القلم عنه ، والسكران سبق حكمه ، وفي الكافي والشرح : لا يصح إقراره به ، لكن عليه حد الزنا والسرقة والشرب والقذف ، إذا فعله حال سكره ، لفعل الصحابة ، فأما الأخرس إن لم تفهم إشارته فلا يتصور منه إقرار ، وإن فهمت إشارته فإنه يؤاخذ بها ، فإن أقر العاقل أنه زنى بامرأة فكذبته ، فعليه الحد دونها ، لحديث سهل بن سعد ، رواه أحمد وأبو داود ، ورجاله ثقات ( ويصرح بذكر حقيقة الوطء ) لتزول التهمة ، ولقوله عليه السلام لماعز : لعلك قبلت ، أو غمزت ، قال : لا ، قال : أفنكتها ؛ لا يكني ، قال : نعم . فعند ذلك أمر برجمه . رواه البخاري . وعنه : وبمن زنى بها ، وفي الرعاية : وهي أظهر ، وأطلق في الترغيب وغيره الخلاف ( ولا ينزع عن إقراره حتى يتم عليه الحد ) لأن من شرط إقامة الحد بالإقرار البقاء عليه إلى تمام الحد ، فإن رجع عن إقراره أو هرب كف عنه في قول الجمهور ، لقصة ماعز .

[ ص: 76 ] فرع : إذا شهد أربعة على إقراره به أربعا فأنكر ، أو صدقهم دون أربع ، فلا حد عليه في الأظهر ، ولا على الشهود ، وهما في الترغيب إن أنكر ، وإنه لو صدقهم لم يقبل رجوعه ( الثاني : أن يشهد عليه ) أي : على فعله ( أربعة ) إجماعا لقوله تعالى : والذين يرمون المحصنات الآية [ النور : 4 ] ولقوله عليه السلام لسعد بن عبادة حين قال له : أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا ، أمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم . رواه مالك . ( رجال ) فلا تقبل فيه شهادة النساء ، إلا ما روي عن عطاء وحماد : أنه يقبل فيه ثلاثة وامرأتان ، وهو خلاف النص ، لأن في شهادة النساء شبهة ، لما في قبولها من الاختلاف ، والحدود تدرأ بالشبهات ( أحرار ) في الأشهر ، وقاله الأكثر ، وعنه : يقبل العبد لعموم النص ، وهو عدل مسلم ذكر ، فقبل كالحر ، وجوابه : أنه مختلف في قبول شهادته ، وذلك شبهة ، فلا تقبل فيما يدرأ بالشبهة ( عدول ) ولا خلاف في اشتراطها كسائر الشهادات ، فلا تقبل فيه شهادة فاسق ، ولا مستور الحال لجواز أن يكون فاسقا ، واكتفى بذلك عن ذكر الإسلام ، لأن أهل الذمة كفار لا تتحقق العدالة فيهم ، فلا تقبل روايتهم ولا خبرهم الديني كعبدة الأوثان ، وسواء كانت الشهادة على مسلم أو ذمي ( يصفون الزنا ) أي : زنا واحد يصفونه ، نقله أبو طالب ، فيقولون : رأينا ذكره في فرجها كالميل في المكحلة ، ولأنه إذا اعتبر التصريح في الإقرار كان اعتباره في الشهادة أولى ، وقال طائفة : يجوز أن ينظروا إلى ذلك منهما لإقامة الشهادة عليهما ، ليحصل الردع بالحد ، فإن شهدوا أنهم رأوا ذكره قد غيبه في فرجها ، كفى ( ويجيئون في [ ص: 77 ] مجلس واحد ) على الأصح ، لأن عمر شهد عنده أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة ، ولم يشهد زياد ، فحد الثلاثة ، ولو كان المجلس غير مشترط لم يجز أن يحدهم ، لجواز أن يكملوا برابع في مجلس آخر ، ولأنه لو شهد ثلاثة فحدهم ، ثم جاء رابع فشهد ، لم تقبل شهادته ، ولولا اشتراط المجلس لكملت شهادتهم ، وبهذا يفارق سائر الشهادات . والثانية : ليس بشرط ، لقوله تعالى : لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء [ النور : 3 ] ولم يذكر المجلس ، ولأن كل شهادة مقبولة إذا افترقت كغيرها ، وجوابه : أن الآية لم تتعرض للشروط ( سواء جاءوا متفرقين ) أي : واحدا بعد آخر ، لقصة المغيرة ، فإنهم جاءوا مفترقين ، وسمعت شهادتهم ، وإنما حدوا لعدم كمالها ، وفي الحديث : أن أبا بكرة قال لعمر : أرأيت لو جاء آخر فشهد أكنت ترجمه ؛ فقال عمر : إي والذي نفسي بيده ، ولأنهم اجتمعوا في مجلس واحد أشبه ما لو جاءوا ( أو مجتمعين ) ولأن المجلس كله بمنزلة ابتدائه ، ولهذا يجزئ فيه القبض فيما هو شرط فيه ( فإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم ) من مجلسه ، فهم قذفة ، لأن شهادته غير مقبولة ولا صحيحة ، أشبه ما لو لم يشهد أصلا ، وعليهم الحد ( أو شهد ثلاثة وامتنع الرابع من الشهادة ، أو لم يكملها ، فهم قذفة ، وعليهم الحد ) في قول أكثر العلماء ، لقوله تعالى : والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة [ النور : 4 ] وهذا يوجب الحد على كل رام لم يشهد بما قاله أربعة ، ولأن عمر جلد أبا بكرة وأصحابه ، حيث لم يكمل الرابع شهادته بمحضر من الصحابة ، ولم ينكره أحد ، فكان كالإجماع ، وحكى أبو الخطاب رواية أنه لا حد عليهم ، [ ص: 78 ] لأنهم شهود ، فلم يجب عليهم الحد كما لو كانوا أربعة ، أحدهم فاسق .

فرع : كل زنا يوجب الحد لا يقبل فيه إلا أربعة شهود بالاتفاق ، ويدخل فيه : اللواط ، ووطء المرأة في دبرها ، ووطء البهيمة ، إن قلنا : يجب الحد به ، وإن قلنا : يعزر ، فيقبل بشاهدين ، وقيل : بأربعة ، وعلى قياس هذا كل وطء يوجب التعزير فقط ، فإن لم يكن وطئا كمباشرة دون الفرج ، تثبت بشاهدين وجها واحدا ( وإن كانوا فساقا ، أو عميانا ، أو بعضهم ) أو بان فيهم صبي مميز ، أو امرأة ، أو عبد ، ولم يقبله ( فعليهم الحد ) على المذهب ، وصححه القاضي كما لو لم يكمل العدد ، وكما لو كان المشهود عليه مجبوبا أو رتقاء ( وعنه : لا حد عليهم ) وهو قول الحسن والشعبي ، لأنهم أربعة فدخلوا في عموم الآية ، وكما لو شهد أربعة مستورون ، ذكره في المغني والشرح ، أو مات أحدهم قبل وصفه الزنا ، وإن شهدوا عليها عذراء ، نص عليه ، وفي الواضح : تزول حصانتها بهذه الشهادة . والثالثة : تحد العميان خاصة ، وقاله الثوري وإسحاق ، لأنه معلوم كذبهم ، والباقي يجوز صدقهم ، وقد كمل عددهم ، أشبه مستوري الحال ( وإن كان أحدهم زوجا ، حد الثلاثة ) لأنهم قذفة حيث لم تكمل البينة ، لأن شهادة الزوج غير مسموعة ( ولاعن الزوج إن شاء ) لأن الزوج إذا قذف زوجته له الخيرة بين اللعان وتركه ، وعلى الثانية : لا حد ولا لعان بحال ( وإن شهد اثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد ، واثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد آخر ) أو اختلفا في اليوم ( فهم قذفة وعليهم الحد ) اختاره الخرقي ، وقدمه في الرعاية ، ونصره في الشرح ، وجزم به في الوجيز [ ص: 79 ] وصححه في الفروع ، لأنه لم يكمل أربعة على زنا واحد ، فوجب عليهم الحد كما لو انفرد بالشهادة اثنان ( وعنه : يحد المشهود عليه ) فقط ، اختاره أبو بكر ، وفي التبصرة والمستوعب : وظاهرها أنه لا تعتبر شهادة الأربع على فعل واحد ، وإنما يعتبر عدد الشهود في كونها زانية ( وهو بعيد ) لأنه لم يثبت زنا واحد بشهادة أربعة ، فلم يجب الحد ، ولأن جميع ما له البينة يعتبر كمالها في حق واحد ، فالموجب للحد أولى ، ولأنه مما يحتاط له ويندرئ بالشبهات ، قال أبو بكر : لو شهد اثنان أنه زنى بامرأة بيضاء ، وآخران بامرأة سوداء ، فهم قذفة ، ذكره القاضي ، وهذا يناقض قوله ( وإن شهدا أنه زنى بها في زاوية بيت ) صغير ( وشهد الآخران أنه زنى بها في زاويته الأخرى ) كملت شهادتهم إن كانت الزاويتان متقاربتين ، وحد المشهود عليه على المذهب ، لأن التصديق ممكن ، فلم يجز التكذيب ، لا يقال : يمكن أن يكون المشهود به فعلين ، فلم أوجبتم الحد مع الاحتمال وهو يدرأ بالشبهة ؛ لأنه لا شبهة فيه ، بدليل ما لو اتفقا على موضع واحد فإنه يمكن أن تكون الشهادة على فعلين ، بأن يكون قد فعل ذلك مرتين ، أما لو كانت الزاويتان متباعدتين ، فالقول فيهما كالقول في البيتين ، وعلى قول أبي بكر تكمل الشهادة ، سواء تقاربتا أو تباعدتا ( أو شهدا أنه زنى بها في قميص أبيض ، وشهد الآخران أنه زنى بها في قميص أحمر كملت شهادتهم ) على المذهب ، لأنه لا تنافي بينهما ، فإنه يمكن أن يكون عليها قميصان ، فذكر كل اثنين واحدا منهما ، كما لو شهد اثنان أنه زنى بها في قميص كتان ، وآخران في قميص خز ( ويحتمل ألا تكمل كالتي قبلها ) وقاله [ ص: 80 ] أبو الخطاب ، لأن شهادتهم مختلفة ، أشبه ما لو اختلفوا في البيتين ، فعلى هذا هل يحدون للقذف ؛ على وجهين ( وإن شهدا أنه زنى بها مطاوعة ، وشهد آخران أنه زنى بها مكرهة لم تكمل شهادتهم ) على الأشهر ، لأن فعل المطاوعة غير فعل المكرهة ، فعلى هذا : لا يحد الرجل ، اختاره أبو بكر والقاضي ، وأكثر الأصحاب ، ولا المرأة بغير خلاف نعلمه ، لأن الشهادة لم تكمل على فعل موجب للحد عليهما ( وهل يحد الجميع ) أي : الأربعة ، لقذفهم الرجل ( أو شاهدا المطاوعة ؛ على وجهين ) .

أحدهما : يجب الحد على شاهدي المطاوعة ، اختاره أبو بكر ، لأنهما قذفا المرأة بالزنا ، ولم تكمل شهادتهم عليها ، ولا يجب على شاهدي الإكراه لأنهما لم يقذفا المرأة ، وقد كملت شهادتهم على الرجل ، وإنما انتفى الحد للشبهة .

والثاني : يحد الجميع ، لأنهم شهدوا بالزنا ، فلزمهم الحد كما لو لم يكمل عددهم ( وعند أبي الخطاب : يحد الزاني المشهود عليه ) واختاره في التبصرة ، لأن الشهادة كملت على وجود الزنا منه ، واختلافها إنما هو في فعلها فلا يمنع كمال الشهادة عليها ( دون المرأة ) لأنه لم يشهد عليها أربعة بزنا يوجب الحد ، لأنه لا حد مع الإكراه ( والشهود ) لأن المقتضي له لم يوجد ، وفي الواضح : لا حد على أحد منهم .

فرع : إذا شهد اثنان أنها بيضاء وآخران غيره لم تقبل ، لأن الشهادة لم تجتمع على عين واحدة ، وكما لو اختلفوا في تعدد المكان أو الزمان بخلاف السرقة ، وحدوا للقذف .

التالي السابق


الخدمات العلمية