صفحة جزء
وإن نذر المشي إلى بيت الله أو موضع من الحرم ، لم يجزئه إلا أن يمشي في حج أو عمرة ، فإن ترك المشي لعجز أو غيره ، فعليه كفارة يمين ، وعنه : عليه دم ، وإن نذر الركوب فمشى ، ففيه الروايتان . وإن نذر رقبة ، فهي التي تجزئ عن الواجب ، إلا أن ينوي رقبة بعينها ، وإن نذر الطواف على أربع ، طاف طوافين ، نص عليه .


( وإن نذر المشي إلى بيت الله ) الحرام ( أو موضع من الحرم ) لزمه الوفاء به بغير خلاف نعلمه ، وسنده قوله عليه السلام : من نذر أن يطيع الله فليطعه . [ ص: 342 ] ( لم يجزئه إلا أن يمشي في حج أو عمرة ) أي : لزمه أن يمشي في أحدهما ، لأنه مشي إلى عبادة ، والمشي إلى العبادة أفضل ، ما لم ينو إتيانه لا حقيقة مشي من مكانه ، نص عليه ، وذكره القاضي إجماعا ، محتجا به وبما لو نذره من محله لم يجز من ميقاته على قضاء الحج الفاسد من الأبعد من إحرامه ، أو من ميقاته ( فإن ترك المشي لعجز أو غيره ، فعليه كفارة يمين ) قدمه الأصحاب ، ونصره في الشرح ، لقول عقبة : يا رسول الله ، إن أختي نذرت أن تحج ماشية ، فقال : إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا ، لتخرج راكبة ، ولتكفر يمينها . رواه أحمد ، وأبو داود ، والبيهقي ، وقال : تفرد به شريك ، ولأن المشي غير مقصود ، ولم يعتبره الشرع بموضع ، كنذر التحفي ، قال في الفروع : فيتوجه منه أنه لا يلزم قادرا ، ولهذا ذكر ابن رزين رواية : لا كفارة عليه ( وعنه : عليه دم ) وأفتى به عطاء لما روى أحمد بسنده عن عمران ، قال : ما قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا ، إلا أمرنا بالصدقة ، ونهانا عن المثلة ، وفيه : وإن من المثلة أن ينذر الرجل أن يحج ماشيا ، فإذا نذر أحدكم أن يحج ماشيا فليهد هديا ، وليركب ، ولأنه أخل بواجب في الإحرام ، أشبه ما لو ترك الإحرام من الميقات ، وفي المغني : قياس المذهب يستأنفه ماشيا ، لتركه صفة المنذور ، كتفريقه صوما متتابعا ، وقال الشافعي : لا يلزمه مع العجز كفارة ، إلا أن يكون النذر إلى بيت الله ، فهل عليه هدي ؛ فيه قولان ، وقد روى أبو داود أن أخت عقبة نذرت أن تمشي إلى البيت ، وأنها لا تطيق ذلك ، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدي هديا .

فرع : إذا عجز عن المشي بعد الحج كفر وأجزأه ، وإن مشى بعض [ ص: 343 ] الطريق فيحتمل أن يكون كقول ابن عمر : يحج من قابل ، ويركب ما مشى ، ويمشي ما ركب ، ويحتمل أن لا يجزئه إلا حج يمشي في جميعه .

أصل : يلزمه الإتيان بالمشي والركوب من دويرة أهله إلا أن ينوي موضعا بعينه ، وقال الأوزاعي : يمشي من ميقاته إلا أن ينوي ، قال : والخبر فيه عطاء عن ابن عباس ، ورواه البيهقي ، ويلزمه المنذور منهما في الحج والعمرة إلى أن يتحلل ، لأن ذلك انقضاء ، قال أحمد : إذا رمى الجمرة فقد فرغ ، وفي الترغيب : لا يركب حتى يأتي بالتحللين على الأصح ( وإن نذر الركوب فمشى ، ففيه الروايتان ) كذا في المحرر والفروع ، لأنه مخالف لما نذر ، فهو بمعنى الركوب إذا نذر المشي ، ولأن الركوب في طاعة .

إحداهما : تلزمه الكفارة دون الدم لما ذكرنا ، واقتصر عليه في المغني .

والثانية : يلزمه دم ، لأنه ترفه بترك الإنفاق ، وفي الشرح وجزم به في الوجيز : إلا أنه إذا مشى ولم يركب مع إمكانه لم يلزمه أكثر من كفارة يمين .

فائدة : لم يتعرض المؤلف لمن نذر المشي إلى مسجد المدينة أو الأقصى ، فإنه يلزمه إتيانهما ، والصلاة فيهما ، قال في الفروع : مرادهم لغير المرأة ، لأفضلية بيتها ، وإن عين مسجدا غير حرم لزمه عند وصوله ركعتين ، ذكره في الواضح ، ومذهب مالك على ما في المدونة ، من قال : علي المشي إلى المدينة أو بيت المقدس لم يأتهما أصلا ، إلا أن يريد الصلاة في مسجديهما فليأتهما .

فرع : إذا أفسد الحج المنذور ماشيا ، وجب القضاء مشيا ، ويمضي في الحج الفاسد ماشيا حتى يحل منه ، وإذا عين لنحر الهدي موضعا من الحرم تعين ، وكان لفقرائه ما لم يتضمن معصية ، للخبر ، وإن نذر ستر البيت وتطييبه لزمه .

[ ص: 344 ] مسألة : إذا نذر الحج العام فلم يحج ، ثم نذر أخرى في العام الثاني ، قال في الفروع : فيتوجه يصح ، وأن يبدأ بالثانية لفوتها ، ويكفر لتأخير الأولى ، وفي المعذور الخلاف ( وإن نذر رقبة فهي التي تجزئ عن الواجب ) ذكره معظم الأصحاب ، لأن المطلق يحمل على معهود الشرع ، وهو الواجب في الكفارة ( إلا أن ينوي رقبة بعينها ) فإنها تجزئ عنه ، لأن المطلق يتقيد بالنية كالقرينة اللفظية ، لكن لو مات المنذور ، أو أتلفه قبل عتقه لزمه كفارة يمين ، ولا يلزمه عتق ، نص عليه ، وقيل : بل تصرف قيمته في الرقاب ، على قياس قوله في الولاء ، إذ الأصل فيه ذلك ، وفي الرعاية : من عين بنذره أو نيته شيئا من عدد صوم أو صلاة أو هدي رقاب كفاه ما عينه ، وعنه : يجزئ باللفظ به ، لا ما نواه فقط ، وإن عين الهدي بغير حيوان جاز ، ويتصدق به أو بثمنه على فقراء الحرم ، قال في المستوعب : فإن عين الهدي بما ينقل لزمه إنفاذه إلى الحرم ، ليفرق هناك ، وإلا بيع ، وأنفذ ثمنه ليفرق هناك ( وإن نذر الطواف ) فأقله أسبوع ( وإن نذره على أربع طاف طوافين ، نص عليه ) جزم به في المحرر والمستوعب والوجيز ، وقدمه في الفروع ، وهو قول ابن عباس ، رواه سعيد ، ولخبر رواه معاوية بن حديج الكندي أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أمه كبشة بنت معدي كرب عمة الأشعث بن قيس ، فقالت : يا رسول الله ، آليت أن أطوف بالبيت حبوا ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : طوفي على رجليك سبعين : سبعا عن يديك ، وسبعا عن رجليك . أخرجه الدارقطني . قال الشيخ تقي الدين : لأنه بدل واجب ، ولأن فيه على أربع مثله ، وعنه : يطوف على رجليه واحدا ، قال في المغني والشرح : وهو القياس ، [ ص: 345 ] لأن غيره ليس بمشروع ، وفي الكفارة وجهان ، وقياس المذهب لزومها ، ومثله نذر السعي على أربع ، ذكره في المبهج والمستوعب والفروع ، وفي الرعاية : يلزمه سعيان ، وكذا لو نذر طاعة على وجه منهي عنه ، كنذره صلاة عريانا ، أو الحج حافيا حاسرا ، وفى بالطاعة على الوجه الشرعي ، وفي الكفارة لتركه المنهي وجهان .

مسألتان : الأولى : النذر المطلق على الفور ، نص عليه ، وقيل : لا ، قال في المستوعب : فإن نذر أن يهدي هدايا ، لزمه أن يهدي إلى الحرم لينحر هناك ويفرق ، فإن نذر أن ينحر هديا بغير مكة من المدينة وبيت المقدس ، أو يضحي أضحية في موضع عينه ، لزمه نحر ذلك ، ويفرق لحمه في الموضع الذي عينه .

الثانية : لا يلزمه الوفاء بالوعد ، نص عليه ، وقاله أكثر العلماء ، لأنه يحرم بلا استثناء ، لقوله تعالى : ولا تقولن لشيء الآية ] الكهف : 23 [ ولأنه في معنى الهبة قبل القبض ، وذكر الشيخ تقي الدين وجها يلزم واختاره ، ويتوجه أنه رواية من تأجيل العارية والصلح عن عوض المتلف بمؤجل ، وقيل لأحمد : بم يعرف الكذابون ؛ قال : بخلف المواعيد ، وهو قول ابن شبرمة وعمر بن عبد العزيز ، لقوله تعالى : كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون الآية ] الصف : 20 [ ولخبر : آية المنافق ثلاث وبإسناد حسن : العدة عطية وبإسناد ضعيف : العدة دين ومذهب مالك يلزم بسبب كمن قال : تزوج وأعطك كذا ، واحلف لا تشتمني ولك كذا ، وإلا لم يلزم . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية