صفحة جزء
فإذا اختلف اجتهاد رجلين ، لم يتبع أحدهما صاحبه ، ويتبع الجاهل والأعمى أوثقهما في نفسه ، وإذا صلى البصير في حضر ، فأخطأ ، أو صلى الأعمى بلا دليل ، أعادا ، فإن لم يجد الأعمى من يقلده صلى ، وفي الإعادة وجهان ، وقال ابن حامد : إن أخطأ أعاد ، وإن أصاب فعلى وجهين ، ومن صلى بالاجتهاد ثم علم أنه أخطأ القبلة فلا إعادة عليه ، فإن أراد صلاة أخرى ، اجتهد لها ، فإن تغير اجتهاده ، عمل بالثاني ، ولم يعد ما صلى بالأول .


( فإذا اختلف اجتهاد رجلين لم يتبع أحدهما صاحبه ) لأن فرض كل واحد ما يؤدي إلى اجتهاده ، فلا يجوز تقليد صاحبه ، وإن كان أعلم منه ، كالعالمين يختلفان في الحادثة ، وظاهره لا فرق بين اختلافهما في جهتين أو جهة ، والأول : المذهب ، والثاني : قويل . ولا يصح اقتداؤه به ، نص عليه ، لظنه خطأه بإجماع ، وذكر في " المغني " أن قياس المذهب صحة الاقتداء مع اختلافهما في جهتين ، وصححه في " الشرح " لأن كلا منهما يعتقد صحة صلاة الآخر ، وأن فرضه التوجه إلى ما توجه إليه ، فلم يمنع الاقتداء به ، كالمصلين حول الكعبة ، وقيل : تبطل صلاة المأموم فقط ، وظاهر كلامهم يصح ائتمامه به إذا لم يعلم حاله ، فإن كان اختلافهما في جهة ، فتيامن أحدهما أو تياسر الآخر ، وفي صحة اقتداء أحدهما بالآخر وجهان ، ذكرهما القاضي ، وذكر في " الشرح " أنه لا يختلف المذهب في صحة الاقتداء لاتفاقهما في الجهة الواجب استقبالها ، وظاهره : ولو ضاق الوقت كالحاكم ليس له تقليده غيره ، وكما لو كان متسعا ، وفيه وجه ، وهو الذي في " التلخيص " وذكره القاضي ظاهر كلام أحمد ، لأنه قال فيمن هو في مدينة فتحرى فصلى لغير القبلة في [ ص: 410 ] بيت بعيد ، لأن عليه أن يسأل ، ورده المؤلف بأن مقتضاه المنع من الاجتهاد في المصر ، لأنه يمكنه التوصل بطريق الخبر عن يقين ، فإن اتفق اجتهادهما فائتم أحدهما بالآخر ، فمن بان له الخطأ انحرف وأتم ، وينوي المأموم المفارقة للعذر ويتم ، ويتبعه من قلده في الأصح .

تنبيه : إذا صلى بلا اجتهاد ، ولا تقليد أو ظن جهة باجتهاده فخالفها أعاد ، وإن تعذر الأمران لخفاء الأدلة أو عدم من يقلده لجهله صحت صلاته بتحر في الأشهر ، وإن صلى بلا تحر أعاد ، وعنه : يعيد إن تعذر التحري ، وقيل : ويعيد في الكل إن أخطأ ، وإلا فلا .

( ويتبع الجاهل والأعمى ) وجوبا ( أوثقهما في نفسه ) ذكره السامري ، وقدمه في " الرعاية " و " الفروع " وجزم به في " الوجيز " وصححه ابن تميم ، والمراد به أعلمهما عنده ، وأصدقهما قولا ، وأشدهما تحريا لدينه ، لأن الصواب إليه أقرب ، وظاهره أنه إذا قلد المفضول لا يصح ، وهو ظاهر " الخرقي " ، وغيره ، لأنه يترك ما يغلب على ظنه أنه الصواب ، فلم يجز كالمجتهد ، وقيل : يستحب .

فعلى هذا له تقليد من شاء منهما ذكر في " الشرح " أنه الأولى كما لو استويا ، وكعامي في الفتيا على الأصح ، وعلى الأول : لا عبرة بظنه ، فلو غلب على ظنه إصابة المفضول لم يمنعه تقليد الفاضل ، فإن كان أحدهما أدين ، والآخر أعلم ، فوجهان ، فلو تساويا ، فمن شاء ، وقال أبو الوفاء : إن اختلفا فإلى الجهتين .

تذنيب : إذا قلد اثنين لم يرجع برجوع أحدهما ، لأنه دخل فيها بظاهر [ ص: 411 ] فلا يزول إلا بمثله ، والمقلد إذا أخبر فيها بالخطأ عن يقين لزمه الرجوع إليه ، لأنه لو أخبر بذلك المجتهد الذي قلده ، فالجاهل والأعمى أولى ، وإن كان عن اجتهاد أو لم يتبين له لم يلزمه ، لأنه شرع فيها بدليل يقينا فلا يزول عنه بالشك ، وذكر في " الشرح " أن الثاني إن كان أوثق من الأول ، وقلنا : يلزمه تقليد الأفضل ، فإنه يرجع إلى قول كالمجتهد إذا في أثنائها .

( وإذا صلى البصير في حضر فأخطأ ) أعاد ، ذكره معظمهم ، وجزم به في " المحرر " وصححه ابن تميم ، لأن ذلك لا يكون إلا لتفريط ، لأن الحضر ليس بمحل للاجتهاد ، لقدرة من فيه على الاستدلال بمحاريب المسلمين ، ولا فرق في ظاهر كلامهم بين أن يصلي باجتهاد أو غيره ، وعنه : لا إعادة عليه إذا صلى باجتهاد ، قدمه في " الرعاية " وهو ظاهر " المستوعب " لأنه أتى بما أمر به ، فخرج عن العهدة كالمصيب ، واحتج أحمد بقضية أهل قباء ، وفي ثالثة : ما لم يحط جزما ، وظاهره أن المكي كغيره ، وهو ظاهر في رواية صالح ، وأنه لا يعيد مع الإصابة ، لأنه مأمور بها إلى القبلة ، وقد وحدت ، وقيل : يعيد ، لأنه ترك فرضه ، وهو السؤال ، فإذا أخبره ثقة عدل في الحضر بالقبلة فصلى إليها ، وبان خطؤه أعاد ، ذكره في " المغني " و " الشرح " وغيرهما ، لأنه قد تبين أن خبره ليس بدليل ، ويستثنى من كلامه ما إذا كان محبوسا فيه ، ولا يجد من يخبره ، فإنه يصلي بالتحري ، ولا يعيد ، قاله أبو الحسن التميمي ، أشبه المسافر ( أو صلى الأعمى بلا دليل ، أعادا ) كتركه الواجب عليه ، لأنه في الحضر بمنزلة البصير لقدرته على الاستدلال بالحضر ، ولمس المحاريب ، ويعلم أيضا بأن باب المسجد إلى المغرب وغيره ، وظاهره أنه [ ص: 412 ] يعيد ولو أصاب ، لأنه ترك فرضه مع أنه يغلب على ظنه عدم إصابته ، وفيه وجه أنه يعيد مع الخطأ ( فإن لم يجد الأعمى ) والمقلد في السفر ( من يقلده ) تحرى ، فإن صلى بدونه مع القدرة عليه قضى ، وقيل : إن أخطأ ، فإن عدم التحري ( صلى ) على حسب حاله ، قاله أبو بكر ، لأنه لو لم يصل لأدى إلى خلو الوقت عن صلاة في الجملة ، وهو غير جائز ، كعادم الطهورين ( وفي الإعادة وجهان ) وقيل : روايتان حكاهما في " الشرح " وغيره ، إحداهما : يعيد مطلقا ، وهو ظاهر الخرقي ، لأنه صلى بغير دليل ، والثانية : لا ، لأنه أتى بما أمر به ، وعادم للدليل ( وقال ابن حامد : إن أخطأ أعاد ) لفوات الشرط ، وهو عدم الإصابة ، والصلاة بغير دليل ( وإن أصاب فعلى وجهين ) أحدهما : لا يعيد ، لأنه استقبل القبلة فيها ، وهو إن كان فرضه السؤال فقد سقط بعدم المسئول ، والثاني : بلى ، لأنها وقعت في الوقت على نوع من الخلل استدراكا لما حصل .

( ومن صلى بالاجتهاد ) ثم شك في اجتهاده ، لم يلتفت ، وبنى ، لأنه دخل فيها بظاهر ، فلا يزول عنه بالشك ، وكذا إن زال ظنه ، ولم يبين له الخطأ ، ولا ظهر له جهة أخرى ( ثم علم أنه أخطأ القبلة فلا إعادة عليه ) لما روى عامر بن ربيعة قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر في ليلة مظلمة ، فلم ندر أين القبلة ؛ فصلى كل رجل منا على حياله ، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزل فأينما تولوا فثم وجه الله رواه ابن ماجه ، والترمذي ، وقال : ليس إسناده بذاك ، ولأنه شرط عجز عنه أشبه سائر الشروط ، ولا فرق بين كون الأدلة ظاهرة فاشتبهت عليه ، أو مستورة بغيم أو ما يسترها عنه ، وكذا إذا قلد فأخطأ مقلده ( فإن أراد صلاة أخرى [ ص: 413 ] اجتهد لها ) لأنها واقعة متجددة فتستدعي طلبا جديدا ، كطلب الماء في التيمم ، وكالحادثة في الأصح فيها كمفت ومستفت ، وألزمه فيها أبو الخطاب ، وأبو الوفاء إن لم يذكر طريق الاجتهاد ( فإن عمل بالثاني ) أي : وصله ، لأنه ترجح في ظنه ، والعمل به واجب ، وظاهره ولو كان في صلاة فإنه يبني نقله الجماعة ، وهو الأصح خلافا للشافعي ، لقصة أهل قباء ، والصلاة تتسع لاجتهادين لطولها ، بخلاف حكم الحاكم ، وعنه : تبطل ، وقال ابن أبي موسى : يلزمه جهته الأولية لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد ( ولم يعد ما صلى بالأول ) لأنها لو وجبت الإعادة لكان نقضا للاجتهاد بمثله ، وذلك غير جائز لعدم تناهيه ، وكالحاكم بغير خلاف نعلمه .

فرع : إذا ظن الخطأ فيها بطلت ، وقال أبو المعالي : إن بان له صحة ما كان عليه ، ولم يطل زمنه استمر ، وصحت ، وإن بان له الخطأ فيها بنى ، نص عليه ، لأنه مجتهد ، أداه اجتهاده إلى جهة أخرى ، فلم يجز له تركها ، ولأن ما مضى منها كان صحيحا ، فجاز البناء عليه ، ومن أخبر فيها بالخطأ يقينا لزمه قبوله ، وإلا لم يجز ، وذكر جماعة إلا أن يكون الثاني يلزمه تقليده ، فكمن تغير اجتهاده ، وخرج أبو الخطاب ، وغيره على منصوصه في الثياب المشتبهة وجوب الصلاة إلى أربع جهات ، وهو رواية ، والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية