صفحة جزء
ويعذر في الجمعة والجماعة المريض ، ومن يدافع أحد الأخبثين ، أو بحضرة طعام هو محتاج إليه ، والخائف من ضياع ماله أو فواته ، أو ضرر فيه . أو موت قريبه ، أو على نفسه من ضرر ، أو سلطان ، أو ملازمة غريم ولا شيء معه ، أو فوات رفقته ، أو غلبة النعاس . أو الأذى بالمطر والوحل والريح الشديدة في الليلة الباردة المظلمة .


فصل

( ويعذر في ) ترك ( الجمعة والجماعة المريض ) لأنه عليه السلام لما مرض تخلف عن المسجد وقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس متفق عليه ، وسواء خاف طول المرض أو كثرته ، وكذا خوف حدوثه ، لما روى أبو داود عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر العذر بالخوف والمرض لكن إن لم يتضرر بإتيانها راكبا ومحمولا ، أو تبرع به أحد ، أو بأن يقود أعمى لزمته الجمعة ، وقيل : لا ، كالجماعة . نقل المروذي : في الجمعة يكتري ويركب ، وحمله القاضي على ضعف عقب المرض ، فأما مع المرض فلا يلزمه لبقاء العذر ، ويستثنى منه ما إذا كان في الجامع فتلزمه الجماعة ( ومن يدافع أحد الأخبثين ) لما تقدم ( أو بحضرة طعام هو محتاج إليه ) ويأكل حتى يشبع ، نص عليه ، لخبر أنس في " الصحيحين " وعنه : ما يكسر به نفسه ، إلا إن يخاف ضررا ، جزم به جماعة في الجمعة ، وذكر ابن حامد : إن بدأ بالطعام ثم أقيمت الصلاة ابتدر إلى الصلاة لحديث عمرو بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى الصلاة وهو يحتز من كتف شاة ، فأكل منها ، فقام وصلى . متفق عليه . قال في " الفروع " : ولعل مراده مع عدم الحاجة ; وهو ظاهر ( والخائف من ضياع ماله أو فواته أو ضرر فيه ) كمن يخاف على ماله من لص أو سلطان ، أو يخاف على بهيمة من سبع أو شرود ، [ ص: 96 ] وكمن له خبز في تنور ، أو طعام على نار ، أو ماء في زرع ، أو يخاف ضياع ماله ، أو إباق عبده ، أو يرجو وجدانهما في تلك الحال ، أو يكون مستأجرا على حفظ مال ، ونحو ذلك ; لأن المشقة اللاحقة بذلك أكثر من بل الثياب بالمطر الذي هو عذر بالاتفاق ، وقال ابن عقيل : خوف فوت المال عذر في ترك الجمعة إذا لم يتعمد سببه ، بل حصل اتفاقا ( أو موت قريبه ) نص عليه ، أو تمريضه ، ونقل ابن منصور : وليس له من يخدمه ، وأنه لا يترك الجمعة ، وكذا إن خاف على أهله أو ولده ; لأن ابن عمر استصرخ على سعيد بن زيد ; وهو يتجمر للجمعة ، فأتاه بالعقيق ، وترك الجمعة ، قال في " الشرح " : ولا نعلم في هذا خلافا ( أو ) يخاف ( على نفسه من ضرر ) كسبع أو سيل ، ونحوهما ( أو سلطان ) يأخذه ( أو ملازمة غريم ، ولا شيء معه ) يعطيه ; لأن حبس المعسر ظلم ، وكذا إن كان الدين مؤجلا ، وخشي أن يطالبه به قبل محله ، وظاهره أنه إذا قدر على أداء دينه فلا عذر للنص ، فإن وجب عليه حد لله تعالى أو لآدمي أو قصاص فمثله ; لأنه يتعين عليه وفاؤه ، لكن في القصاص إذا رجا العفو على مال وجهان ، أظهرهما أنه عذر حتى يصالح ; لأن الحدود لا تدخلها المصالحة ، بخلاف القصاص ( أو ) أراد سفرا مباحا إنشاء أو استدامة ، قاله ابن تميم وابن حمدان ، يخاف ( فوت رفقته ) لأن عليه في ذلك ضررا ( أو غلبة النعاس ) لأن رجلا صلى مع معاذ ، ثم انفرد فصلى وحده عند تطويل معاذ ، وخوف النعاس والمشقة ، فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبره ، وظاهره أنه يعذر بغلبته ، سواء خاف فوتها في الوقت أو مع الإمام ; وهو ظاهر " الشرح " ، وفي " الرعاية " أنه أشهر ، [ ص: 97 ] وقدمه في " الفروع " ، وظاهر " المستوعب " ، و " التلخيص " أنه يعذر إذا خاف فوتها مع الإمام فقط ، وذكر ابن تميم : يعذر في الجماعة لا الجمعة ، وقيل : لا فيهما ; وهو ظاهر " الكافي " ، وفي " المذهب " و " الوجيز " يعذر فيهما بخوفه نقض الوضوء بانتظاره ( أو الأذى بالمطر والوحل ) لأخبار منها ما في الصحيحين عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير زاد مسلم : في يوم جمعة : إذا قلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، فلا تقل حي على الصلاة ، قل : صلوا في بيوتكم ، فعل ذلك من هو خير مني ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم إن الجمعة عزمة ، وإني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين والدحض . وثلج وجليد ، وبرد كذلك ، وعنه : سفرا . فائدة : الوحل بتحريك الحاء ، والتسكين لغة رديئة . ( والريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة ) لقول ابن عمر : كان النبي صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر : صلوا في رحالكم متفق عليه ، ورواه ابن ماجه بإسناد صحيح ، ولم يقل في السفر . وفي " الفروع " بريح باردة في ليلة مظلمة ، ولم يذكر بعضهم : مظلمة ، وعنه : أعذار في السفر قال الآمدي : الأعذار كالمطر والوحل والريح أعذار في السفر ، وفي الحضر روايتان ، وذكر أبو المعالي أن كل ما أذهب الخشوع كالحر المزعج عذر ، ولهذا جعله الأصحاب كالبرد في المنع من الحكم والإفتاء .

مسائل : يلحق بما تقدم إذا خاف تطويل الإمام كثيرا ، وليس رؤية البلة في طريقه عذرا ، نص عليه .

[ ص: 98 ] الثانية : يكره حضور المسجد من أكل بصلا أو فجلا ، أو نحوه حتى يذهب ريحه ، وعنه : يحرم ، وظاهره : ولو خلا المسجد من آدمي لتأذي الملائكة ، والمراد حضور الجماعة ، ولو لم يكن بمسجد ، ولو في غير صلاة ، وظاهره : أنه لا يخرج ، وجزم جماعة بخلافه ، لكن إن حرم دخوله وجب إخراجه ، وإلا استحب .

فائدة : يقطع الرائحة الكريهة مضغ السذاب أو السعد ، قاله بعض الأطباء .

الثالثة : إذا طرأ بعض الأعذار في الصلاة أتمها حقيقة إن أمكن ، وإلا خرج منها ، والمأموم يفارق إمامه ويتمها أو يخرج منها ، قال أبو الدرداء : من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ . رواه البخاري .

التالي السابق


الخدمات العلمية