صفحة جزء
ويعتبر لوجوبها شرطان : أحدهما : إن قدره بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعا ، والصاع خمسة أرطال بالعراقي ، فيكون ذلك ألفا وستمائة رطل إلا الأرز والعلس - نوع من الحنطة يدخر في قشره - فنصاب كل واحد منهما مع قشره عشرة أوسق ، وعنه : أنه يعتبر نصاب ثمرة النخل والكرم رطبا ، ثم يؤخذ عشره يابسا ، وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب ، فإن كان له نخل يحمل في السنة حملين ضم أحدهما إلى الآخر ، وقال القاضي : لا يضم ، ولا يضم جنس إلى آخر في تكميل النصاب ، وعنه : أن الحبوب يضم بعضها إلى بعض ، وعنه : يضم الحنطة إلى الشعير ، والقطنيات بعضها إلى بعض .

الثاني : أن يكون النصاب مملوكا له وقت وجوب الزكاة ، ولا يجب فيما يكتسبه اللقاط ، أو يأخذه بحصاده ، ولا فيما يجتنيه من المباح ، كالبطم والزعبل وبزر قطونا ونحوه ، وقال القاضي : فيه الزكاة إذا ثبت في أرضه .


( ويعتبر لوجوبها شرطان ، أحدهما : أن قدره بعد التصفية في [ ص: 342 ] الحبوب والجفاف في الثمار ) فلا يجب في أقل من ذلك ؛ لقوله - عليه السلام - : " ليس فيما دون خمسة أوسق من ثمر ولا حب صدقة " رواه أحمد ، ومسلم . فتقديره بالكيل يدل على إناطة الحكم به ، ولا يعتبر له الحول لتكامل النماء عند الوجوب ، بخلاف غيره ، ويشترط كون النصاب بعد التصفية في الحبوب ؛ لأنه حال الكمال والادخار والجفاف في الثمار ؛ لأن التوسيق لا يكون إلا بعد التحقيق ، فوجب اعتباره عنده ، فلو كان عشرة أوسق عنبا لا يجيء منه خمسة أوسق زبيبا لم يجب شيء ( والوسق ) بفتح الواو وكسرها ( ستون صاعا ) لقوله - عليه السلام - : " الوسق ستون صاعا " رواه الأثرم بإسناده من حديث سلمة بن صخر ، وعن أبي سعيد وجابر ، ونحوه رواه ابن ماجه ، وهذا أشهر في اللغة ، وتوارد عليه علماء الشريعة ، فيكون ثلاثمائة صاع ، ( والصاع خمسة أرطال بالعراقي ) وهو رطل وسبع دمشقي فرد على الثلاثمائة سبعها ، تكن ثلاثمائة واثنين وأربعين رطلا ، وستة أسباع رطل بالدمشقي على ما حكاه في " المغني الجديد " أن الرطل العراقي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، وبالقدسي وما وافقه : مائتان وسبعة وخمسون رطلا وسبع رطل ، وبالحلبي وما وافقه : مائتان وخمسة وثمانون رطلا وخمسة أسباع رطل ، وبالمصري وما وافقه : ألف وأربعمائة وثمانية وعشرون رطلا وأربعة أسباع رطل ( فيكون ذلك ) أي : بالعراقي ( ألفا وستمائة رطل ) وعلى ما ذكره أبو عبيد أنه بلا كسر : ثلاثمائة رطل وأحد وأربعون رطلا وثلث رطل ، والوسق والصاع كيلان لا صنجان ، وإنما نقل إلى الوزن ليحفظ وينقل ؛ إذ المكيل يختلف في الوزن ، فمنه ثقيل كالأرز والتمر ، ومتوسط كالحنطة [ ص: 343 ] والعدس ، وخفيف كالشعير والذرة ، والاعتبار في ذلك بالمتوسط ، نص عليه ، فيجب في الخفيف إذا قارب هذا الوزن ، وإن لم ييلغه ؛ لأنه في الكيل كالرزين ، قال : في " الفروع " : وأكثر الثمر أخف من الحنطة على الوجه الذي يكال شرعا ؛ لأن ذلك على هيئة غير مكبوس ، وعنه : أن الصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي بالحنطة أي : بالرزين ؛ لأنه الذي يساوي العدس في وزنه ، وحكى القاضي عن ابن حامد أنه يعتبر أبعد الأمرين الكيل أو الوزن .

تنبيه : نصاب الزرع والثمرة تحديد في الأشهر ، لتحديد الشارع بالأوسق ، وعنه : تقريب ، فيؤثر نحو رطلين ومدين على الأول لا الثاني ، وجعله في " الرعاية " فائدة الخلاف ، وقدم الثانية ، ولا اعتبار بنقص ذلك في الأصح ، جزم به الأئمة ، وقال صاحب " التلخيص " : إذا نقص ما لو وزع على الخمسة أوسق ظهر فيها ، فلا زكاة ، وإلا وجبت .

فرع : إذا شك في بلوغ قدر النصاب احتاط ، وأخرج ولم تجب ؛ لأنه الأصل ، قاله في " المغني " و " الشرح " و " منتهى الغاية " ، ومن اتخذ وعاء يسع خمسة أرطال وثلثا من البر الرزين ، ثم كال به ما شاء ، عرف أبلغ حد الوجوب من غيره ، نص عليه ( إلا الأرز والعلس نوع من الحنطة ) وهو منقول عن أئمة اللغة والفقه ( يدخر في قشره ) عادة لحفظه ( فإن نصاب كل واحد منهما مع قشره ) ؛ لأن أهله زعموا أنه يخرج على النصف ، وأنه إذا خرج من قشره لا يبقى كغيره ، فيجب العشر إذا بلغا ذلك ؛ لأن فيه خمسة أوسق حبا ، وإن صفيا فخمسة أوسق ، ويختلف ذلك بثقل وخفة ، فيرجع إلى أهل الخبرة ، [ ص: 344 ] ويؤخذ بقدره ( وعنه : أنه يعتبر نصاب ثمرة النخل والكرم رطبا ، ثم يؤخذ عشره يابسا ) لما روى أبو داود والترمذي بإسنادهما عن عتاب بن أسيد : " أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخرص العنب كما يخرص النخل ، فيؤخذ زكاته زبيبا كما يؤخذ صدقة النخل تمرا " ، وما وجب خرصه اعتبر بحال رطوبته ، كما لو كانت الثمرة لا ، وعنه : يعتبر نصابهما رطبا وعنبا ، اختاره الخلال وصاحبه ، والقاضي وأصحابه ، ويؤخذ عشر ما يجيء منه ، وحملها في " المغني " على أنه أراد أن يؤخذ عشر ما يجيء منه من التمر إذا بلغ رطبها خمسة أوسق ؛ لأن إيجاب قدر عشر الرطب من التمر إيجاب لأكثر من العشر ، وذلك مخالف للنص والإجماع ، ورده الزركشي بأن أحمد قال في رواية الأثرم : قال الشافعي : يخرص ما يئول إليه ، وإنما هو على ظاهر الحديث ، قيل له : فإن خرص عليه مائة وسق رطبا يعطي عشرة أوسق تمرا ؛ قال : نعم ، هو على ظاهر الحديث ، فهذا نص صريح في مخالفة التأويل ( وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب ) لعموم الخبر ، وكما لو بدا صلاح إحداهما قبل الأخرى ؛ وهو محمول على اختلاف الأنواع كالبرني والمعقل ، وسواء اتفق وقت إطلاعها وإدراكها أو اختلف ، أو تعدد البلد أو لا ، نص عليه ، فيأخذ عامل البلد حصته من الواجب في محل ولاية ، وعنه : لا يجوز لنقص ما في ولايته عن نصاب ، فيخرج المالك فيما بينه وبين الله ، وليس المراد بالعام هنا اثني عشر شهرا ، بل وقت استغلال المغل من العام عرفا ، وأكثره عادة ستة أشهر بقدر فصلين ، وعلم منه أنه لا يضم ثمرة عام ، أو زرعه إلى آخر ( فإن كان له نخل يحمل في السنة حملين ، ضم أحدهما إلى الآخر ) لزرع العام الواحد ، وكالذرة التي تنبت مرتين ( وقال القاضي : لا يضم ) لقدرته مع بيان أصله ، فهو لثمرة عام آخر ، بخلاف [ ص: 345 ] الزرع فعليه لو كان له نخل يحمل بعضه في السنة حملا ، وبعضه حملين ، ضم ما يحمل حملا إلى أيهما بلغ معه ، وإن كان بينهما ، قال : أقربهما إليه ( ولا يضم جنس إلى آخر في تكميل النصاب ) اختاره المؤلف وغيره ، وصححه في " الشرح " كأجناس الثمار والماشية ( وعنه : أن الحبوب يضم بعضها إلى بعض ) نقلها جماعة ، وصححها القاضي وغيره ، وقدمها في " المحرر " واختارها أبو بكر لاتفاقهما في قدر النصاب والمخرج كضم أنواع الجنس ( وعنه : يضم الحنطة إلى الشعير ، والقطنيات بعضها إلى بعض ) اختاره الخرقي ، وأبو بكر ، وجماعة ، وجزم به في " الوجيز " لأن ذلك يتقارب منفعة ، أشبه نوعي الجنس ، وعليها تضم الأبازير بعضها إلى بعض ، وكذا حب البقول لتقارب المقصود ، والذرة إلى الدخن ، وكل ما يقارب من الحبوب ضم ، ومع المسك لا ضم ؛ لأن الأصل عدم الوجوب ( الثاني : أن يكون النصاب مملوكا له وقت وجوب الزكاة ) وهو بدو الصلاح ( ولا يجب فيما يكتسبه اللقاط ) من السنبل ( أو يأخذه ) أجرة ( بحصاده ) ، وكذا ما ملكه بعد بدو الصلاح بشراء أو إرث أو غيره ، بخلاف العسل للأثر ( ولا فيما يجتنيه من المباح كالبطم ، والزعبل ) بوزن جعفر ؛ وهو شعير الجبل ( وبزر قطونا ونحوه ) كحب النمام ، وبزر البقلة ، وهذا هو المشهور ؛ لأن وقت الوجوب لم يملكه ، فلم تجب ، كما لو اتهبه ( وقال القاضي : ) وأبو الخطاب ( فيه الزكاة ) لكونه مكيلا مدخرا ( إذا ثبت في أرضه ) وهو مبني على أن المباح إذا ثبت في أرضه هل يملك الأرض أو يأخذه ، والأصح أنه لا يملكه بملكها ، بل يأخذه ، فإن ثبت بنفسه ما يزرعه الآدمي كمن سقط له حب [ ص: 346 ] حنطة في أرضه أو أرض مباحة ففيه الزكاة ؛ لأنه ملكه وقت الوجوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية