صفحة جزء
فصل

وفي الركاز الخمس ، أي نوع كان من المال ، قل أو كثر لأهل الفيء . وعنه : أنه زكاة ، وباقيه لواجده إن وجده في موات أو أرض لا يعلم مالكها ، وإن علم مالكها أو كانت منتقلة إليه ، فهو له أيضا ، وعنه أنه لمالكها ، أو لمن انتقلت عنه إن اعترف به ، وإلا فهو لأول مالك ، وإن وجده في أرض حربي ملكه إلا أن لا يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين ، فيكون غنيمة ، والركاز : ما وجد من دفن الجاهلية عليه علامتهم ، وإن كانت عليه علامة المسلمين أو لم تكن عليه علامة ، فهو لقطة .


فصل

( وفي الركاز الخمس ) لحديث أبي هريرة مرفوعا : " وفي الركاز الخمس " متفق عليه . قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا خالف هذا الحديث إلا الحسن فإنه قال : في أرض الحرب الخمس ، وفي أرض العرب الزكاة ( أي نوع كان من المال ) كالنقدين ، والحديد ، والرصاص ، ونحوها ؛ لأنه مال مظهور عليه من مال الكفار ، فوجب فيه الخمس والغنيمة ( قل ) ذلك الموجود ( أو كثر ) بخلاف المعدن والزرع ؛ لكونهما يحتاجان إلى كلفة ، واعتبر لهما النصاب تحقيقا ، واختلفت الرواية في مصرفه ، فروى عنه محمد بن عبد الحكم أنه ( لأهل الفيء ) اختارها ابن أبي موسى ، والقاضي في " تعليقه " وابن عقيل ، وصححها في " المغني " لفعل عمر . رواه سعيد عن هشيم عن مجاهد عن الشعبي ، ولأنه مال مخموس لخمس الغنيمة ، ولا يختص [ ص: 361 ] بمصرف الغنيمة ، بل الفيء المطلق للمصالح كلها ( وعنه : أنه زكاة ) نقلها حنبل ، واختارها الخرقي ، وقدمها في " المحرر " ؛ لأن عليا أمر صاحب الكنز أن يتصدق بالخمس على المساكين ؛ ولأنه حق يجب في الخارج من الأرض كالمعدن ، فيصرف مصرف الزكاة ، ويجب على كل واحد إذا قلنا بأنه فيء ، إلا إذا كان عبدا فيكون لسيده ؛ لأنه ماله كالاحتشاش ، وإذا قلنا بأنه زكاة لم يجب على من ليس من أهلها ، ويملكه صبي ومجنون ، ويخرجه عنهما وليهما ، وصحح بعضهم وجوبه على كل واحد مطلقا ، ويجوز لواجده تعرفته بنفسه ، كما لو قلنا إنه زكاة ، نص عليه ، واحتج بقول علي ، وجزم به في " الكافي " لأنه أدى الحق إلى مستحقه ، وعنه : لا يجوز ، قدمه في " منتهى الغاية " كخمس الغنيمة والفيء ، فعلى هذا هل يضمن ؛ ولا يجوز لواجد المعدن إمساك الحق لنفسه لحاجة ( وباقيه لواجده ) لفعل عمر وعلي أنهما دفعا باقي الركاز لواجده ؛ ولأنه مال كافر مظهور عليه ، فكان لواجده بعد الخمس كالغنيمة ، وظاهره أنه له ، ولو كان مستأمنا بدارنا ، ومحله ما لم يكن أجيرا لطلبه ، فإنه لا شيء له سوى الأجرة ( إن وجده في موات ) ؛ لأنه مباح لا حق لأحد فيه كالصيد منها ( أو أرض لا يعلم مالكها ) كالأرض التي يوجد فيها آثار الملك من الأبنية القديمة ، وجدران الجاهلية وقبورهم ، ولو كان على وجهها ، قاله في " الشرح " أو قرية خراب أو طريق غير مسلوك ، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال : " وما لم يكن في طريق مأتي ، ولا في قرية عامرة ، ففيه وفي الركاز الخمس " رواه النسائي ، وفي لفظ : " وإن وجده في خربة جاهلية أو في قرية غير مسكونة ، ففيه وفي الركاز الخمس " ( وإن علم مالكها ) كمن دخل دار غيره ، أو [ ص: 362 ] استأجرها أو استعادها ( أو كانت منتقلة إليه ) ببيع أو هبة ( فهو له أيضا ) في الأشهر ؛ لأنه ليس من أجزاء الأرض ، بل هو مودع فيها ، فهو كالصيد والكلأ ، يملكه من ظفر به كالمباحات كلها ، وعليها لا فرق بين أن يدعيه المالك أو لا ، ونقل محمد بن يحيى الكحال عن أحمد فيمن استأجر أجيرا ليحفر له في داره ، فأصاب كنزا ، فهو للأجير ، وصححه القاضي ( وعنه : أنه لمالكها ) قطع به في " الهداية " و " التلخيص " لأن يده عليها ، فكان ما فيها له كالقماش ( أو لمن انتقلت عنه ) ؛ لأن الظاهر أنه له ( إن اعترف به ) كل من المالك والمنتقل عنه ، فإن انتقلت إليه ميراثا حكم بأنه ميراث ، فإن أنكر الورثة أنه لمورثهم فلأول مالك ، وإن اختلفوا أعطي كل حكمه ( وإلا ) فإن لم يعترف به ، ولم يدعه ( فهو لأول مالك ) ؛ لأنه في ملكه ، فكان له كحيطانه ، وظاهره أنه له ، وإن لم يعترف به ، كما لو ادعاه بصفة ، وفي " المغني " و " الشرح " أنه يكون كالمال الضائع حيث لم يعترف به ، وإذا لم يعترف به فادعاه واجده فهو له ، جزم به بعضهم ، وظاهر كلام جماعة خلافه ، وعلى الأولى إن ادعاه المالك قبله بلا بينة ولا وصف ، فهو له مع يمينه ؛ لأنه ادعى ممكنا ، وكانت يده عليها ، فالظاهر صدقه ، وعنه : لا تقبل دعواه كسائر الدعاوى بلا بينة ، ولا ما يقوم مقامها ، فعليها يكون لواجده ، ومتى دفع إلى مدعيه بعد إخراج خمسه ، غرم واجده بدله إن كان أخرج باختياره ، وإن كان الإمام أخذه منه قهرا غرمه ، لكن هل هو من ماله أو من بيت المال ؛ فيه الخلاف ، وعنه : ماله يكون للمالك قبله إن اعترف به ، فإن لم يعترف به أو يعرفه الأول ، فلواجده ، وقيل : لبيت المال ( وإن وجده في أرض حربي ملكه ) نص عليه ، إذا قدر عليه بنفسه ؛ لأن المالك لا حرمة له [ ص: 363 ] كما لو وجده في موات ، وقيل : غنيمة ، خرجه في " منتهى الغاية " كما لو قدر عليه بمنعه ( إلا أن يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين فتكون غنيمة ) ؛ لأن قوتهم أوصلته إليه ، فكان غنيمة كالمأخوذ بالحرب ( والركاز ) اشتقاقه من ركز يركز كغرز يغرز : إذا خفي ؛ ومنه غرزت الرمح إذا أخفيت أسفله ، فهو في اللغة المال المدفون في الأرض ، وفي الاصطلاح ( ما وجد من دفن الجاهلية ) ؛ لأن دفنهم تقادم عهده وخفي مكانه ( عليه علامتهم ) كأسمائهم وأسماء ملوكهم ؛ وهو معنى كلامهم : هو المال الجاهلي المدفون ، وحكم من تقدم من الكفار في دار الإسلام كحكم الجاهلية ، فإن كان على بعضه علامتهم ، فذكر في " الشرح " ( أنه ينبغي أن يكون ركازا ، نص عليه ؛ وهو قول أكثر العلماء عملا بالظاهر ، فإن كانت عليه أو على بعضه ( علامة المسلمين ) كاسم النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أحد من خلفاء المسلمين ، أو أنه من القرآن العظيم ( أو لم تكن عليه علامة ) كالحلي والسبائك والآنية ( فهو لقطة ) أي : لا ملك إلا بعد التعريف ؛ لأنه مال مسلم لم يعلم زواله عنه ، وتغليبا لحكم دار الإسلام ، إلا أن يجده في ملك انتقل إليه ، فيدعيه المالك قبله بلا بينة ولا صفة ، فهل يدفع إليه ؛ على روايتين حكاهما في " المحرر " ونقله في " الشرح " عنه إحداهما : لا يدفع إليه كاللقطة ، والثانية : بلى ؛ لأنه تبع للملك .

التالي السابق


الخدمات العلمية