صفحة جزء
[ ص: 222 ] الفصل الخامس

في نصاب الحبوب والثمار والقدر الواجب في ذلك

وأجمعوا على أن الواجب في الحبوب : أما ما سقي بالسماء فالعشر ، وأما ما سقي بالنضح فنصف العشر لثبوت ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - .

وأما النصاب : فإنهم اختلفوا في وجوبه في هذا الجنس من مال الزكاة ، فصار الجمهور إلى إيجاب النصاب فيه وهو خمسة أوسق ، والوسق : ستون صاعا بإجماع ، والصاع أربعة أمداد بمد النبي - عليه الصلاة والسلام - ، والجمهور على أن مده رطل وثلث وزيادة يسيرة بالبغدادي ، وإليه رجع أبو يوسف حين ناظره مالك على مذهب أهل العراق لشهادة أهل المدينة بذلك ، وكان أبو حنيفة يقول في المد إنه رطلان ، وفي الصاع إنه ثمانية أرطال . وقال أبو حنيفة : ليس في الحبوب والثمار نصاب .

وسبب اختلافهم : معارضة العموم للخصوص .

أما العموم : فقوله - عليه الصلاة والسلام - : " فيما سقت السماء العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر " . وأما الخصوص : فقوله - عليه الصلاة والسلام - : " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " والحديثان ثابتان .

فمن رأى الخصوص يبني على العموم قال : لا بد من النصاب وهو المشهور .

ومن رأى أن العموم والخصوص متعارضان إذا جهل المتقدم فيهما والمتأخر إذ كان قد ينسخ الخصوص بالعموم عنده ، وينسخ العموم بالخصوص ، إذ كل ما وجب العمل به جاز نسخه ، والنسخ قد يكون للبعض وقد يكون للكل ، ومن رجح العموم قال : لا نصاب .

ولكن حمل الجمهور عندي الخصوص على العموم هو من باب ترجيح الخصوص على العموم في الجزء الذي تعارضا فيه، فإن العموم فيه ظاهر والخصوص فيه نص ، فتأمل هذا فإنه السبب الذي صير الجمهور إلى أن يقولوا : بنى العام على الخاص وعلى الحقيقة ليس بنيانا ، فإن التعارض بينهما موجود إلا أن يكون الخصوص متصلا بالعموم فيكون استثناء ، واحتجاج أبي حنيفة في النصاب بهذا العموم فيه ضعف ، فإن الحديث إنما خرج مخرج تبيين القدر الواجب منه .

واختلفوا من هذا الباب في النصاب في ثلاث مسائل :

المسألة الأولى : في ضم الحبوب بعضها إلى بعض في النصاب .

الثانية : في جواز تقدير النصاب في العنب والتمر بالخرص .

الثالثة : هل يحسب على الرجل ما يأكله من ثمره وزرعه قبل الحصاد والجذاذ في النصاب أم لا ؟ .

[ المسألة الأولى ]

[ ضم الحبوب بعضها إلى بعض ]

أما المسألة الأولى : فإنهم أجمعوا على أن الصنف الواحد من الحبوب والثمر يجمع جيده إلى رديئه ، وتؤخذ الزكاة عن جميعه بحسب قدر كل واحد منهما - أعني : من الجيد والردئ - ، فإن كان الثمر أصنافا أخذ من وسطه .

[ ص: 223 ] واختلفوا في ضم القطاني بعضها إلى بعض ، وفي ضم الحنطة والشعير والسلت فقال مالك : القطنية كلها صنف واحد ، الحنطة والشعير والسلت أيضا . وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وجماعة : القطاني كلها أصناف كثيرة بحسب أسمائها ، ولا يضم منها شيء إلى غيره في حساب النصاب ، وكذلك الشعير والسلت والحنطة عندهم أصناف ثلاثة لا يضم واحد منها إلى الآخر لتكميل النصاب .

وسبب الخلاف : هل المراعاة في الصنف الواحد هو اتفاق المنافع أو اتفاق الأسماء ؟ فمن قال : اتفاق الأسماء ، قال : كلما اختلفت أسماؤها فهي أصناف كثيرة ، ومن قال : اتفاق المنافع ، قال : كلما اتفقت منافعها فهي صنف واحد وإن اختلفت أسماؤها . فكل واحد منهما يروم أن يقرر قاعدته باستقراء الشرع - أعني : أن أحدهما يحتج لمذهبه بالأشياء التي اعتبر فيها الشرع الأسماء ، والآخر بالأشياء التي اعتبر الشرع فيها المنافع - ، ويشبه أن يكون شهادة الشرع للأسماء في الزكاة أكثر من شهادته للمنافع ، وإن كان كلا الاعتبارين موجودا في الشرع - والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية