صفحة جزء
[ المسألة الثانية ] .

[ مدة الخيار ] .

وأما مدة الخيار عند الذين قالوا بجوازه : فرأى مالك أن ذلك ليس له قدر محدود في نفسه ، وأنه إنما يتقدر بتقدير الحاجة إلى اختلاف المبيعات ، وذلك يتفاوت بتفاوت المبيعات ، فقال : مثل اليوم واليومين في اختيار الثوب ، والجمعة ، والخمسة أيام في اختيار الجارية ، والشهر ونحوه في اختيار الدار . وبالجملة : فلا يجوز عنده الأجل الطويل الذي فيه فضل عن اختيار المبيع .

وقال الشافعي ، وأبو حنيفة : أجل الخيار ثلاثة أيام لا يجوز أكثر من ذلك .

وقال أحمد ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن : يجوز الخيار لأي مدة اشترطت ، وبه قال داود .

واختلفوا في الخيار المطلق دون المقيد بمدة معلومة : فقال الثوري ، والحسن بن جني ، وجماعة بجواز اشتراط الخيار مطلقا ، ويكون له الخيار أبدا ، وقال مالك : يجوز الخيار المطلق ، ولكن السلطان يضرب فيه أجل مثله . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا يجوز بحال الخيار المطلق ، ويفسد البيع .

واختلف أبو حنيفة ، والشافعي إن وقع الخيار في الثلاثة الأيام زمن الخيار المطلق : فقال أبو حنيفة : إن وقع في الثلاثة الأيام جاز ، وإن مضت الثلاثة فسد البيع . وقال الشافعي : بل هو فاسد على كل حال . فهذه هي أقاويل فقهاء الأمصار في مدة الخيار ، وهي : هل يجوز مطلقا أو مقيدا ؟ وإن جاز مقيدا فكم مقداره ؟ وإن لم يجز مطلقا فهل من شرط ذلك أن لا يقع الخيار في الثلاث أم لا يجوز بحال وإن وقع في الثلاث ؟

فأما أدلتهم : فإن عمدة من لم يجز الخيار هو ما قلناه .

وأما عمدة من لم يجز الخيار إلا ثلاثا : فهو أن الأصل هو أن لا يجوز الخيار فلا يجوز منه إلا ما ورد فيه النص في حديث منقذ بن حبان ، أو حبان بن منقذ ، وذلك كسائر الرخص المستثناة من الأصول ، مثل استثناء العرايا من المزابنة وغير ذلك . قالوا : وقد جاء تحديد الخيار بالثلاث في حديث المصراة وهو قوله : " من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام " . وأما حديث منقذ ، فأشبه طرقه المتصلة ما رواه محمد ابن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمنقذ ، وكان يخدع في البيع : " إذا بعت فقل لا خلابة ، وأنت بالخيار ثلاثا " .

وأما عمدة أصحاب مالك : فهو أن المفهوم من الخيار هو اختيار المبيع ، وإذا كان ذلك كذلك وجب أن يكون ذلك محدودا بزمان إمكان اختيار المبيع ، وذلك يختلف بحسب مبيع مبيع ، فكأن النص إنما ورد عندهم تنبيها على هذا المعنى ، وهو عندهم من باب الخاص أريد به العام ، وعند الطائفة الأولى من باب الخاص أريد به الخاص .

[ ص: 567 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية