صفحة جزء
[ الموضع الثاني ] .

[ هل يحجب بعض الشركاء بعضا عن بعض ] .

وأما المسألة الثانية : فإن الفقهاء اختلفوا في دخول الأشراك الذين هم عصبة في الشفعة مع الأشراك [ ص: 608 ] الذين شركتهم من قبل السهم الواحد :

فقال مالك : أهل السهم الواحد أحق بالشفعة إذا باع أحدهم من الأشراك معهم في المال من قبل التعصيب ، وأنه لا يدخل ذو العصبة في الشفعة على أهل السهام المقدرة ، ويدخل ذوو السهام على ذوي التعصيب ، مثل أن يموت ميت فيترك عقارا ترثه عنه بنتان ، وابنا عم ، ثم تبيع البنت الواحدة حظها ، فإن البنت الثانية عند مالك هي التي تشفع في ذلك الحظ الذي باعته أختها فقط دون ابني العم ، وإن باع أحد ابني العم نصيبه يشفع فيه البنات وابن العم الثاني ، وبهذا القول قال ابن القاسم .

وقال أهل الكوفة : لا يدخل ذوو السهام على العصبات ، ولا العصبات على ذوي السهام ، ويتشافع أهل السهم الواحد فيما بينهم خاصة ، وبه قال أشهب .

وقال الشافعي في أحد قوليه : يدخل ذوو السهام على العصبات والعصبات على ذوي السهام ، وهو الذي اختاره المزني ، وبه قال المغيرة من أصحاب مالك .

وعمدة مذهب الشافعي : عموم قضائه صلى الله عليه وسلم بالشفعة بين الشركاء ، ولم يفصل ذوي سهم من عصبة . ومن خصص ذوي السهام من العصبات فلأنه رأى أن الشركة مختلفة الأسباب ( أعني : بين ذوي السهام وبين العصبات ) ، فشبه الشركات المختلفة الأسباب بالشركات المختلفة من قبل محالها الذي هو المال بالقسمة بالأموال . ومن أدخل ذوي السهام على العصبة ، ولم يدخل العصبة على ذوي السهام ، فهو استحسان على غير قياس ، ووجه الاستحسان أنه رأى أن ذوي السهام أقعد من العصبة .

وأما إذا كان المشفوع عليهما اثنين فأكثر فأراد الشفيع أن يشفع على أحدهما دون الثاني : فقال ابن القاسم : إما أن يأخذ الكل أو يدع . وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والشافعي : له أن يشفع على أيهما أحب ، وبه قال أشهب .

فأما إذا باع رجلان شقصا من رجل ، فأراد الشفيع أن يشفع على أحدهما دون الثاني : فإن أبا حنيفة منع ذلك ، وجوزه الشافعي .

وأما إذا كان الشافعون أكثر من واحد ( أعني : الأشراك ) ، فأراد بعضهم أن يشفع وسلم له الباقي في البيوع : فالجمهور على أن للمشتري أن يقول للشريك : إما أن تشفع في الجميع ، أو تترك ، وأنه ليس له أن يشفع بحسب حظه إلا أن يوافقه المشتري على ذلك ، وأنه ليس له أن يبعض الشفعة على المشتري إن لم يرض بتبعيضها . وقال أصبغ من أصحاب مالك : إن كان ترك بعضهم الأخذ بالشفعة رفقا بالمشتري لم يكن للشفيع إلا أن يأخذ حصته فقط .

ولا خلاف في مذهب مالك أنه إذا كان بعض الشفعاء غائبا وبعضهم حاضرا ، فأراد الحاضر أن يأخذ حصته فقط أنه ليس له ذلك ، إلا أن يأخذ الكل أو يدع ، فإذا قدم الغائب فإن شاء أخذ ، وإن شاء ترك .

واتفقوا على أن من شرط الأخذ بالشفعة أن تكون الشركة متقدمة على البيع . واختلفوا هل من شرطها أن تكون موجودة في حال البيع ، وأن تكون ثابتة قبل البيع ؟

فأما المسألة الأولى ( وهي إذا لم يكن شريكا في حال البيع ) ، وذلك يتصور بأن يكون يتراخى عن الأخذ بالشفعة بسبب من الأسباب التي لا يقطع له الأخذ بالشفعة حتى يبيع الحظ الذي كان به شريكا . فروى [ ص: 609 ] أشهب أن قول مالك اختلف في ذلك ، فمرة قال : له الأخذ بالشفعة ، ومرة قال : ليس له ذلك . واختار أشهب أنه لا شفعة له ، وهو قياس قول الشافعي ، والكوفيين; لأن المقصود بالشفعة إنما هو إزالة الضرر من جهة الشركة ، وهذا ليس بشريك . وقال ابن القاسم : له الشفعة إذا كان قيامه في أثره; لأنه يرى أن الحق الذي وجب له لم يرتفع ببيعه حظه .

التالي السابق


الخدمات العلمية