صفحة جزء
القسم الثاني .

القول في أحكام الشفعة .

وهذه الأحكام كثيرة ، ولكن نذكر منها ما اشتهر فيه الخلاف بين فقهاء الأمصار :

فمن ذلك اختلافهم في ميراث حق الشفعة : فذهب الكوفيون إلى أنه لا يورث كما أنه لا يباع . وذهب مالك ، والشافعي ، وأهل الحجاز إلى أنها موروثة قياسا على الأموال ، وقد تقدم سبب الخلاف في هذه المسائل في مسألة الرد بالعيب .

ومنها : اختلافهم في عهدة الشفيع; هل هي على المشتري ، أو على البائع ؟ فقال مالك ، والشافعي : هي على المشتري . وقال ابن أبي ليلى : هي على البائع .

وعمدة مالك : أن الشفعة إنما وجبت للشريك بعد حصول ملك المشتري وصحته ، فوجب أن تكون عليه العهدة .

وعمدة الفريق الآخر : أن الشفعة إنما وجبت للشريك بنفس البيع ، فطروها على البيع فسخ له وعقد لها .

وأجمعوا على أن الإقالة لا تبطل الشفعة من رأى أنها بيع ، ومن رأى أنها فسخ ( أعني : الإقالة ) .

واختلف أصحاب مالك على من عهدة الشفيع في الإقالة ؟ فقال ابن القاسم : على المشتري . وقال أشهب : هو مخير .

ومنها : اختلافهم إذا أحدث المشتري بناء ، أو غرسا ، أو ما يشبه في الشقص قبل قيام الشفيع ، ثم قام الشفيع يطلب شفعته : فقال مالك : لا شفعة إلا أن يعطي المشتري قيمة ما بنى وما غرس . وقال الشافعي ، وأبو حنيفة : هو متعد ، وللشفيع أن يعطيه قيمة بنائه مقلوعا ، أو يأخذه بنقضه .

والسبب في اختلافهم : تردد تصرف المشفوع عليه - العالم بوجوب الشفعة عليه - بين شبهة تصرف الغاصب وتصرف المشتري الذي يطرأ عليه الاستحقاق ، وقد بنى في الأرض وغرس ، وذلك أنه وسط بينهما .

فمن غلب عليه شبه الاستحقاق لم يكن له أن يأخذ القيمة . ومن غلب عليه شبه التعدي قال : له أن يأخذه بنقضه ، أو يعطيه قيمته منقوضا .

ومنها : اختلافهم إذا اختلف المشتري والشفيع في مبلغ الثمن : فقال المشتري : اشتريت الشقص بكذا ، وقال الشفيع : بل اشتريته بأقل ، ولم يكن لواحد منهما بينة : فقال جمهور الفقهاء : القول قول المشتري; لأن الشفيع مدع ، والمشفوع عليه مدعى عليه .

وخالف في ذلك بعض التابعين فقالوا : القول قول الشفيع; لأن المشتري قد أقر له بوجوب الشفعة ، وادعى عليه مقدارا من الثمن لم يعترف له به .

وأما أصحاب مالك فاختلفوا في هذه المسألة : فقال ابن القاسم : القول قول المشتري إذا أتى بما يشبه [ ص: 611 ] باليمين ، فإن أتى بما لا يشبه فالقول قول الشفيع . وقال أشهب : إذا أتى بما يشبه فالقول قول المشتري بلا يمين ، وفيما لا يشبه باليمين . وحكي عن مالك أنه قال : إذا كان المشتري ذا سلطان يعلم بالعادة أنه يزيد في الثمن قبل قول المشتري بغير يمين ، وقيل إذا أتى المشتري بما لا يشبه رد الشفيع إلى القيمة ، وكذلك فيما أحسب إذا أتى كل واحد منهما بما لا يشبه .

واختلفوا إذا أتى كل واحد منهما ببينة ، وتساوت العدالة : فقال ابن القاسم : يسقطان معا ، ويرجع إلى الأصل من أن القول قول المشتري مع يمينه . وقال أشهب : البينة بينة المشتري; لأنها زادت علما .

التالي السابق


الخدمات العلمية