يثير اللقاح المرتقب ضد مرض إنفلونزا الخنازير H1N1 جدلاً على نطاق واسع في مختلف أرجاء المعمورة بشأن تأثيراته الجانبية المحتملة. فالسرعة التي انتشر بها الوباء واكبتها سرعة من جانب شركات الأدوية العالمية التي تعكف على تحضير لقاح ناجع لتلبية الطلب في الكثير من البلدان، غنيها وفقيرها. فالمرض طال آلاف الأشخاص في العالم. وفي دولة قطر من المقرر أن تصل الدفعة الأولى من اللقاح خلال النصف الثاني من شهر أكتوبر 2009. تساؤلات عديدة يجيب عنها الخبير الصحي السوداني بالقاهرة الدكتور حسن البشري المستشار الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية سعياً لإماطة اللثام عن لقاح ربما يكون مجهولاً للكثيرين في عالمنا العربي.
* ما هي المعايير التي تتبعونها في منظمة الصحة العالمية بشأن اللقاحات التي تنتجها مختلف شركات الأدوية في العالم؟
هناك ثلاث فئات من اللقاحات، أولاً: إن جميع التطعيمات أو اللقاحات الموجودة في العالم تنتجها شركات، وبالنسبة للقاحات لدى منظمة الصحة العالمية مواصفات معينة من حيث الجودة، وهذه المواصفات تقسم إلى ثلاثة أنواع فيما يتعلق بدرجة الجودة
الفئة الثانية: تجري على اللقاحات كافة الاختبارات الأساسية المهمة، والشركات التي تنتجها معروفة ولديها خبرة كبيرة جداً في هذا اللقاح، أي أنها أجرت كل الاختبارات الأساسية ولم تكمل الاختبارات الفرعية والمتابعة لمدة سنة وسنتين، لأنه نحن في حاجة ملحة للقاح بصورة أسرع من الفئة الأولى، وهذه الأشياء تنطبق على لقاح الإنفلونزا الموسمية، إذ أنه لقاح يخضع إلى تغيير في تركيبته كل سنة، حيث يعتمد على جمع الفيروسات وإعادة التركيبة سنوياً، ولذلك لا نستطيع الانتظار سنة كاملة أو سنتين كي نرى هل هو سليم 100 % أم لا، فمادامت الأمور الأساسية جيدة، وكل شيء ممتاز، والشركات التي تنتجه شركات معروفة، فنمنح في منظمة الصحة العالمية تلك الشركات ما يسمى بالجودة المؤكدة، وهي أقل درجة من الأولى، لكنها تحظى باعتراف المنظمة.
الفئة الثالثة: وهي التي لا تنطبق عليها معايير الفئتين السابقتين، حيث إن التطعيم المعين الذي أنتجته مثل تلك الشركات لم تطلع عليه منظمة الصحة العالمية، ولا تُعرف درجة جودته أو المضاعفات الناجمة عنه. إذن فهذا النوع الثالث لا تستطيع منظمة الصحة العالمية أن تقول عنه هذا لقاح جيد، كما في ذات الوقت لا تستطيع المنظمة الجزم بأنه غير فعال.
* إذن ما هو تقييمك للجدل الدائر حالياً حول اللقاح الجديد لإنفلونزا الخنازير
في العادة تنتج شركات الأدوية لقاح الإنفلونزا الموسمية بكميات محدودة جداً سنوياً، وهذه الشركات معروفة، وعدد الدول المستهلكة للقاح قليل جداً، حيث إنها تستخدمه لشرائح معينة من المجتمع، وهذا يتعلق بالمسنين الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة فما فوق، أو أولئك الذين يعانون من أمراض أو الأطباء.
وما حدث عند حصول وباء إنفلونزا الخنازير أنه كان يتعين على الشركات — بدلاً من أن تنتج كميات محدودة من اللقاح كمئات الملايين من الجرعات — أن تنتج 3 مليارات جرعة في فترة بسيطة جداً. ثانياً فإن الدول التي لم تكن تستخدم اللقاح، أصبحت الآن تريده، والشرائح التي لم تكن تستعمله كالشباب والأطفال أصبحوا الآن يحتاجون له. ولهذا فنحن نريد أن نوفر لقاحاً يكفي نصف البشرية في ذات الوقت، وهو ما يعني أن من المستحيل أن ننتظر لأنه يوجد هنالك عامل زمن، حيث لا يمكننا ان ننتظر سنتين أو ثلاث سنوات لكي نتأكد من جودته.
* عفواً يا دكتور.. ولكننا هنا نعود مجدداً إلى قضية المجموعات الثلاث للقاحات وشركات الأدوية التي تنتجها؟!
نعم، فما ذكرته لك سابقاً لاينطبق على لقاح إنفلونزا الخنازير أي Three Qualified Vaccine
كذلك الحال بالنسبة للنوع الذي نطلق عليه صفة "الجيد" فهو يمكن أيضاً أن يؤدي إلى مضاعفات، ولكن بمعدل يقدر بشخص واحد من المليون. بمعنى آخر — على سبيل المثال — إذا دولة طعمت 10 ملايين فإن 10 فقط من هؤلاء قد تحصل لديهم مضاعفات. والشركات لا تريد أن تدخل في قضايا فهي تحاول أن تساعد وتفيد البشرية بصورة عامة، لأن هناك بعض الدول التي ممكن أن تُرفع فيها قضايا تطالب الشركات بتعويضات بمبالغ طائلة. ونحن لا نريد أن ندخل في التزامات بأن ترفع علينا مثل هذه الدعاوى القضائية. فالشخص الذي يريد أن يأخذ التطعيم فليأخذه، أما الذي لا يريد فله الحرية في ذلك. أما فيما يتعلق بالشركات من النوع الثالث فمنظمة الصحة العالمية تقول للناس " إنني ليست لي أي علاقة بهذا الأمر، فأنتم والشركة تابعوا الترصد الوبائي فإذا وجدتم اللقاح جيداً فاستعملوه، وإذا لم تجدوه جيداً فلكم مطلق الحرية".
* إذن هل ترى أن مخاوف الناس مبالغ فيها؟
الناس لها الحق في أن تتخوف، ودعيني أعطيك مثالاً بسيطاً، إذ ذهب الإنسان إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية بسيطة فهناك سيتعرض إلى التخدير، وكما نعلم أن للتخدير مخاطر كثيرة، حيث إن هناك أشخاصاً يموتون بسبب التخدير، ولذلك فإن المريض قبل أن يدخل غرفة العمليات يوقع أولاً على الأشياء التي يمكن أن تحصل جراء ذلك، بمعنى أنه إذا حدث شيء فهو ليس بسبب الإهمال.
* ماذا عن الخطأ الذي حدث مع شركة "باكستر" الأميركية للأدوية الذي اكتشفه أحد المختبرات التشيكية عندما وجد أن الشركة خلطت فيروساً حياً من الفيروسات المسببة لإنفلونزا الطيور باللقاح الذي انتجته؟
مثل هذه الشركات ليست من المجموعة الأولى أو المجموعة الثانية، لكنها من المجموعة الثالثة، ولأن منظمة الصحة العالمية غير متابعة لكل تفاصيل إنتاج اللقاح فلا يمكن أن تتحمل أي شيء.
* بصفتك خبيراً في منظمة الصحة العالمية ما هي الآثار التي يمكن أن تحدث من لقاح إنفلونزا الخنازير؟
هناك آثار جانبية بسيطة جداً، لكننا لا نعتبرها خطيرة، ولابد أن نوضح للناس هذا الأمر. فمثلاً إذا أعطي أحد إبرة فمن الطبيعي أن يشعر بالألم في مكانها وأن يتعرض لحمى خفيفة، وهذه أشياء طبيعية تحدث في أقل من 24 ساعة وتختفي، لذلك فهي ليست بالشيء الأساسي.
* إذن ما هو رأيك فيما تناقلته وسائل الإعلام أخيراً بناء على دراسات أن هناك أعراضاً جانبية للقاح
الخلل الدماغي وما إلى هنالك من هذه الأشياء الكبيرة تحدث بنسبة واحد في المليون، فدولة قطر مثلاً يبلغ عدد سكانها نحو مليون ونصف المليون نسمة، فيمكن أن تحدث حالة واحدة. ولكن السؤال الأكثر أهمية هو كم عدد الذين يموتون جراء المرض؟!
وإذا تحدثت من موقع وزير صحة على سبيل المثال، وعندي مثلاً دولة فيها ثلاثة ملايين شخص، لذلك يجب أن أقدم التطعيم لكل الناس وأحمي حياة عدد مهول من البشر وتظهر لي 3 حالات من الخلل الدماغي الذي يمكن أن يحدث، فمثل هذه الموازنات نجد أن الدولة هي التي تحددها.
* اطلعت على موقع إلكتروني شهير في العالم العربي أجرى تصويتا على من سيأخذ لقاح
هذه الأصوات تؤخذ من أناس معينين هم من لديهم شبكة إنترنت، وهي شريحة لا تمثل الرأي العام، بمعنى كم عدد الأشخاص الذين شاركوا في كل قطر وكم دكتور وكم صحفي شارك. فمثل هذه الإستطلاعات لا يؤخذ بها كثيراً، ونحن وظيفتنا أن نوضح الصواب والخطأ ودوركم أنتم في الإعلام نقل هذا بوضوح للناس.
* فيما يتعلق بالفئة الأكثر عرضة للمرض، فهل إذا أخذوا لقاح
إن هناك ثلاثة أهداف من اللقاح تتمثل في:
أولاً: نريد أن نخفض عدد الحالات حتى تستمر الخدمات الصحية بمعنى إننا نريد أن نضمن استمرار عمل الأشخاص المسؤولين عن الخدمات الصحية والمرافق الحيوية.
أقصد الأطباء وليس جميعهم بل الذين يعملون في العناية المركزة ومع المرضى المصابين بالإنفلونزا، وأولئك الذين يعملون في مجال الأمن والقادة السياسيين والناس الذين يعملون على إطعام الآخرين كالخبازين بمعنى آخر، فكل الوظائف الحيوية التي يؤديها هؤلاء يجب أن تستمر، حيث ينبغي أن يتطعموا أولاً لضمان استمرار الحياة.
ثانياً: تخفيف الضغط على الخدمات الطبية، فعندما تكثر حالات الإصابة سوف تمتلئ المستشفيات والمراكز الصحية مما يؤدي إلى إنهيار الخدمات الصحية. ففي هذه الحالة نعطي الناس اللقاح لنتفادى تفشي المرض، ولذلك يجب أن يأخذ اللقاح التلاميذ والطلاب والتجمعات العسكرية الكبيرة المتحركة.
ثالثاً: تقليل عدد الوفيات، وفي هذه الحالة نعطي اللقاح للناس المعرضين للوفاة أكثر من غيرهم كأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن ومن لديهم مشاكل في الجهاز التنفسي والحوامل.
ومما سبق فإنه يتعين على الدولة أن تحدد هدفها لمن تعطي التطعيم أولاً. فقطر مثلاً لن تحصل على الكمية التي تريدها حتى ولو دفعت مبلغا مضاعفا. وهذه الكمية التي تحصل عليها لن تحصل عليها في يوم واحد بل في دفعات بمعنى الدفعة الأولى قد تصل إلى 100 ألف جرعة، ثم 200 ألف جرعة.. وهكذا.. فأي شخص حتى إذا كان لديه رأي سواء أكان سلبياً أو إيجابياً فسيحصل على التطعيم، ولكن وفقاً لأولوية الناس الذين ذكرتهم سابقاً. فالموضوع برمته هو وضع أولويات داخل الدولة.
*هناك ثمة من يثير تساؤلات إزاء السرعة التي تم بها تحضير لقاح H1N1؟
يجب على الناس أن يعلموا أن هذا التطعيم تم بسرعة وإنجاز كبيرين جداً لأن الدول استفادت من تجربة مرضى "سارس" و"إنفلونزا الطيور" والشركات تعمل منذ فترة لتجهيز نفسها. والأمر الجيد أن هذا التطعيم يختلف من لقاح الأنفلونزا الموسمية العادية لذلك قد انتج بسرعة لأنه سينتج بكميات كبيرة وخاصةً هذه المرة قد استعملنا فيه منشطا أكثر والتقنيات التي استخدمت فيه أكثر تطوراً بكثير من الماضي. وعلى أية حال فإن العالم بصورة عامة أفضل استعداداً من أي وقت مضى كما هو ذات الأمر حال الشركات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرق 1/10/2009م