الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كلمات في فقه الأسباب والإمكانات

كلمات في فقه الأسباب والإمكانات

كلمات في فقه الأسباب والإمكانات

المواقف الكثيرة المثبتة في القرآن الكريم عن قوم موسى عليه السلام وما قابلوه به من العصيان، تخيل إليك في بعض الأحيان أن لا خير في القوم أبداً، والحق أن الخير فيهم كان موجوداً لكنه قليل بالنسبة للأغلبية، بل كان في قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون، كما قال الله تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} والظاهر أن هؤلاء كانوا قلة في زمن موسى وكانوا مستضعفين بين جمهور القوم، ولهذا لم تكن كلمتهم تسمع في الأحداث، كما لم تسمع كلمة هارون في العجل، ومن هذه الأمة الرجلين المذكورين فهم من قوم موسى على الصحيح من أقوال المفسرين، وقد قاما واعظين مع موسى مذكرين بني إسرائيل بما أخبر الله: {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ومن المؤمنين كذلك في قوم موسى فتاه وهو يوشع بن نون على قول جمهور المفسرين، ومع وجود مثل هذه الطائفة المباركة، كان عناد جمهور القوم ومعارضتهم رسل الله وأمره عظيماً، حتى قارف القوم ما قارفوا وأنبياء الله بين أظهرهم يحاولون ثنيهم، يعظون ويذكرون وينذرون ولكن لا حياة لمن تنادي! وفي هذا دروس منها:

- على العصابة المؤمنة وإن كانت قلة أن تجتهد طاقتها في إصلاح الجمهور، والأخذ على أيديهم وقيادهم نحو ما يرضي ربهم، وهذا دأب أنبياء الله ورسله، عليهم السلام، وتلك هي سنتهم.

- إذا فعل المؤمنون ما في وسعهم وبذلوا طاقتهم ولم يُستجب لهم فعليهم ألا ييأسوا ولا يحزنوا، وما فاتهم من الأجر والمغنم المتمثل في هداية الناس مدخر لهم عند ربهم إن صحت النيات، وانظر كيف عقب الله على خبر قوم موسى لمّا امتنعوا من دخول القرية وجابهوه بتلك المقالات القبيحة، قال سبحانه وتعالى: { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.

- من الدروس المهمة الحساسة التي لابد من التعرض لها هنا ضرورة التفريق بين موسى وهارون والرجلين ومن معهما من المؤمنين، وبين بقية قوم موسى المرجفين الممتنعين عن الأمر الرافضين لدخول القرية.. مع أنه من المعلوم أن القرية لم يدخلها أحدٌ، لا موسى ومن معه من المؤمنين الصادقين، ولا القوم الفاسقون الممتنعون، فعندما أحجم هؤلاء وقالوا لموسى: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)، لم يذهب موسى ومن معه من الصادقين مقاتلين فاتحين للقرية، مع أن موسى قال لقومه: (ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم)، فبين أن الله كتب الأرض لهم، وأقر قول الرجلين: (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون)، وذلك أن الجبارين فيما ذكر المفسرون قد ألقى الله الرعب في قلوبهم من قوم موسى، وهذا يدلك على أن الأخذ بالأسباب لابد منه، ولهذا لم يكتب الله الأرض المقدسة لهم بغير دخولهم على الجبارين، ومن جملة ما يدلك على وجوب الأخذ بالأسباب الممكنة، لهذا لم يذهب موسى عليه السلام مقاتلاً وحده.

وهذا يبين لنا أن من يقحمون العصابة المؤمنة القليلة في مواجهات لم يكتمل لهم الأخذ بأسبابها الممكنة ما أصابوا، كما أنه يدلك على أن الأمة التي تترك واجباتها وتنبذ أمر الله لها، ليست جديرة بالنصر والتمكين، وحري بها أن تتيه وأن تضل، وأن النصر إنما يأتي بعد أن تتأهل الأمة له، فتكون جديرة به.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة