الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشاهد من غزوة حمراء الأسد

مشاهد من غزوة حمراء الأسد

مشاهد من غزوة حمراء الأسد

من الصعب أن نعتبر غزوة حمراء الأسد حدثاً مستقلاً عن غزوة أحد ، ولكنّها امتدادٌ طبيعيٌّ وصفحةٌ أخيرةٌ للمواجهة التي تمّت بين قريشٍ وحلفائها من جهة ، وبين المسلمين من جهة أخرى ، والتي انتهت بتسليم المسلمين رايةَ النصر لخصومهم ، ثمناً لمخالفتهم أوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم – .

وسبب هذه الغزوة هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم – أحسّ بما يقاسيه أصحابه من مرارة الهزيمة ، وما يشعرون به من إحباط ، فأراد أن يواسيهم في مُصيبتهم ، ويمحو اليأس من قلوبهم، ويعيد إليهم روح التفاؤل والثّقة.

ولم يكن ذلك هو السبب الوحيد ، فإن خروج النبي - صلى الله عليه وسلم – بجيشٍ مُثقل بالجراح هو خير رسالة للأعداء بأن المسلمين لا زالوا أعزّة قادرين على المواجهة ، وأن جراحهم وآلامهم لا يمكن أن تعوقهم عن مواصلة الجهاد والقتال ، وأنّ فرح المشركين بالنصر الذي أحرزوه لن يدوم طويلاً .

لذا ، استقرّ رأي النبي - صلى الله عليه وسلم – على حتمية المواجهة مرّة أخرى ، فأصدر أوامره في اليوم التالي لمعركة أحدٍ بالاستعداد لملاقاة العدوّ ، وأمر بلالاً أن ينادي في الناس بضرورة التعجيل ، ولم يكن الأمر عامّاً لجميع المؤمنين ، بل كان مقصوراً على أولئك الذين شهدوا معركة أحد ، تأكيداً لصلابتهم وقدرتهم على مواصلة القتال .

وكان جابر بن عبدالله رضي الله عنه قد تخلّف عن غزوة أحد بسبب أمر والده برعاية أخواته ، وشقّ عليه أن تفوته الفرصة مرّة أخرى ، فانطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يستأذنه في الخروج معهم ، فأذن له .

واستجاب المؤمنون لدعوة الجهاد ، وانطلقوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم – متحمّلين في ذلك جراحاتهم وآلامهم ، حتى إنّ بعضهم كان يحمل أخاه على ظهره إذا عجز عن السير ، وسجّل القرآن لهم ذلك فقال سبحانه : { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم } ( آل عمران : 72 ) .

وفي الطريق أقبل معبد بن أبي معبد الخزاعي فعزّى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيمن أصيب من أصحابه ، وأعلن دخوله في الإسلام ، ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم – في إسلام الرجل فرصةً ذهبية ، يمكن استغلالها في إرهاب قريشٍ وتخذيلها عن القتال ، خصوصاً وأنها تجهل إسلامه ، فطلب منه أن يكون عوناً لهم على تنفيذ هذه الخطّة .

وفي ذلك الوقت ، كان أبو سفيان وقومه يتلاومون فيما بينهم ، كيف يعودون إلى مكة دون أن يقضوا على المسلمين ؟ ، وبينما هم في حديثهم إذ أقبل عليهم ذلك الخزاعي، فسألوه عن حال المسلمين ، فذكر أنهم قد خرجوا بجيشٍ عظيم ، ونفوسٍ غاضبة ، يريدون الانتقام لقتلاهم ، ونصحهم بأن يرجعوا إلى مكّة ، وحينها انهارت عزائم المشركين ، وأصابتهم الذلة والمهانة ، فقرّروا العودة .

وحاول أبو سفيان أن يغطّي انسحابه ، فانتهز فرصة مرور قافلة متوجّهة إلى المدينة ، وطلب منهم أن ينقلوا رسالة إلى المسلمين بأنّهم قد جمعوا جنودهم وتهيّؤوا لقتالهم ، لكن هذا التهديد لم يزد المسلمين إلا إيماناً وثباتاً وتصميماً على مواصلة القتال ، فامتدحهم الله بقوله : {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} ( آل عمران : 173 ) .

ووصل المسلمون حمراء الأسد، وعسكروا بالقرب من جيش المشركين ، وأقاموا فيه ثلاثة أيام، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بإشعال نارٍ عظيمة من أجل إدخال الرعب في قلوب المشركين .

ولم يحدث بين الفريقين قتال ، لكن المسلمين استطاعوا أن يأسروا رجلا يُقال له أبو عزة الجمحي ، وكان شاعراً أسره المسلمون يوم بدر ، ثم أطلقه الرسول - صلّى الله عليه وسلم – بغير فداء رحمةً ببناته ، واشترط عليه ألا يقف ضد المسلمين ، فلم يحترم الرجل العهد ، وقاتل مع المشركين في أحد ، فلما وقف بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم – رجاه أن يُعفو عنه ، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم – أمر بقتله ، وقال كلمته التي صارت مثلاً : ( لا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ) رواه البخاري .

وهكذا انتهت أحداث هذه الغزوة ، وعاد النبي - صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة منتصراً ، واستطاع أن يحقّق أهدافه التي رسمها دون خسائر تُذكر ، وصدق الله القائل : { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم } ( آل عمران : 174).

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة