الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنواع الحديث باعتبار القبول والرد 4-4

أنواع الحديث باعتبار القبول والرد 4-4

أنواع الحديث باعتبار القبول والرد 4-4

بعد أن بينا القسم الأول من ألقاب الحديث الضعيف، وهو ما يرجع سبب الضعف فيه إلى عدم الاتصال، نأتي إلى بيان القسم الثاني وهو ما يرجع سبب الضعف فيه إلى الجرح القادح في الراوي، ويندرج تحته عشرة ألقاب.

ألقاب الحديث الضعيف الذي يرجع سببه إلى الجرح القادح في الراوي

أولا: حديث المجهول

هو الحديث الذي يُروى بإسناد فيه راوٍ مجهول، ويقع في كلام أئمة الحديث قولهم: "إسناده مجهول" ويريدون هذا المعنى، والجهالة وإن لم تكن جرحاً حقيقيا للراوي، غير أنها اعتبرت سبباً لرد حديث الموصوف بها؛ إذ كون قبول الرواية يقتضي عدالة الرواة، وهي لم تثبت للمجهول، فكان القدح فيها من أجله، فصح أن تكون بمنزلة الجرح.

قال الإمام الشافعي: "لا يقبل إلا حديث ثابت، كما لا يقبل من الشهود إلا من عرفنا عدله، فإذا كان الحديث مجهولاً أو مرغوباً عمن حمله كان كما لم يأت؛ لأنه ليس بثابت"، وقال الإمام ابن عدي: "إذا لم يُعرف الرجل وكان مجهولاً، كان حديثه مثله".

ثانيا: الحديث الليّن

هو الحديث الذي يُروى بإسنادٍ فيه راو ليِّن الحفظ، كالموصوف بسوء الحفظ وكثرة الأوهام والخطأ أو الغفلة مع صدقه في الجملة، ولم يبلغ به خطؤه درجة الفحش إلى حد الترك.

والواقع في كلام أهل الحديث وصفهم لهذا النوع من الأحاديث بقولهم: "حديث ضعيف"، فمع أن كل أنواع الحديث المردود موصوفة بالضعف إلا أنهم يستعملون وصف "الضعيف" لهذا النوع كالاسم العلم له، كما تجد قولهم: "إسناد لين" و"إسناد ليس بالقوي" وشبه ذلك.

وعلة إلحاق هذا النوع بالحديث الضعيف: رجحان جانب الخطأ من قبل الراوي الموصوف بسوء الحفظ، وإن لم نجزم بأنه وقع في الحديث الذي ضعفناه لأجله، فحيث علمنا ضعف حفظه، فمجرد نزول ضبطه عن درجة من غلب عليه الحفظ، جعل ذلك كافياً في رد حديثه.

ثالثا: الحديث المقلوب

هو الحديث الذي يحصل فيه إبدال لفظ بآخر في سنده أو في متنه بتقديم أو تأخير، أو: هو أن يبدل الراوي شيئاً بآخر في سند الحديث أو في متنه، وبذلك يكون له ثلاث صور هي:

الأولى: قلب في الإسناد، وهو أن يقلب الراوي اسم راو في الإسناد فيقول مثلاً: (معاذ بن سعد) بدل (سعد بن معاذ)، أو (مرة بن كعب) بدل (كعب بن مرة)، فإن كان الاسم لواحد لم يؤثر ويكون خطأ ممن قلبه، أما إن كان صيره بالقلب رجلاً آخر، فلا يشكل على صحة الرواية إذا كانا ثقتين أو ضعفها إذا كانا ضعيفين، إنما يقدح فيها لو كان أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً، ويعل بذلك الإسناد، فيكون الوصف بالقلب بسبب خطأ الراوي حكماً على الحديث بالضعف.

الثانية: قلب في المتن، كالذي وقع في صحيح مسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. وفيه: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)، فعكَسَ الراوي لفظ الحديث، والرواية المحفوظة: (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، كما هي عند البخاري وغيره، فإذا قام عليه دليل بأنه مقلوب، كما هو الشأن في هذا المثال، فالمقلوب خطأ، وهو لاحق بقسم المردود، ولا يعتبر به ولا يُتكلف له التأويل.

الثالثة: التحول من حديث إلى حديث، ويفسر هذه الصورة قول الإمام ابن عدي في ثابت بن حماد أبي زيد البصري: "له أحاديث يخالف فيها وفي أسانيدها الثقات، وأحاديثه مناكير ومقلوبات"، فلما جئنا لتبين معنى القلب فيها وجدنا مثاله ما أخرجه ابن عدي من طريقه قال: عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في الصف المقدم، لكانت قرعة)، قال ابن عدي: "وهذا الحديث وَهَم فيه ثابت بن حماد، وإنما يرويه قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة"، يعني ابن عدي أنه قلبه، فركّب إسناداً على غير متنه.

رابعا: الحديث المصحّف

هو الحديث يقع فيه تغيير في نقط الكلمة في إسناد أو متن، مع بقاء صورة الخط، مثل تصحيف: (جمرة) إلى (حمزة) في الأسماء، و(الحر) إلى (الخز) في المتون، ويعدون تغيير (عبيد الله) إلى (عبد الله) تصحيفاً لقرب الرسم، فإن وقع التغيير في حروف الكلمة مما تختلف به صور الخط، سمي "المحرف"، مثل تحريف: (وكيع بن حدس) وهو الصواب، إلى: (وكيع بن عباس)، وعند كثير من العلماء جواز إطلاق أحد اللفظين على الآخر، ومن اعتنى بهذا الباب سماه جميعاً (التصحيف).

ويعرف التصحيف أو التحريف بمراجعة كتب التراجم إن كان في أسماء الرواة، وإن كان في المتون فبتتبع لفظ الحديث في كتب الرواية واللغة وغريب الحديث.

والقدر المتميز تحريفه أو تصحيفه من الحديث ضعيف، وهو خطأ لا يعتبر به، وسببه: وهم الراوي وخطؤه، فهو نتيجة لعدم إتقانه لما أخطأ فيه من ذلك.

خامسا: الحديث المُدْرج

هو ما زاده بعض الرواة في المتن أو الإسناد بغير قصد، وأما إن كان بقصد فإنه يكون حديثا موضوعا، وقد سبق بيانه، والمدرج قسمان: إدراج في الإسناد، وإدراج في المتن.

والإدراج في الإسناد هو أن يَحدث التغيير في سياق السند، كأن يتكلم الراوي عن سند معين ثم يعرض له عارض، فيتذكر مسألة فيتكلم فيها بصوت عال، أو ينظر إلى شيء فينتبه له فيتكلم عنه، فيظن الذي يجلس معه ويسمع الإسناد والحديث بأن هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو يحسب أن هذا من الحديث أو أنه متصل بالإسناد.

وأما الإدراج في المتن فإنه زيادة في سياق الحديث من غير النبي صلى الله عليه وسلم، فتكون من التابعي أو من تابع التابعي.

ولا يصح ادعاء الإدراج في إسناد أو متن إلا إذا قام برهان بيّنٌ على وجوده، وإذا ثبت فإن كان من مدرج المتن حكم لذلك القدر المدرج بكونه ليس من الخبر، ولا يقدح هذا في سائر الخبر، ويكون ذلك القدر من جملة الحديث الضعيف رفْعُهُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان من مدرج الإسناد فإنه قد يستدل به على لين الرواي أو ضعفه، وإن كان من الثقات المتقنين فبيان إدراجه فيها مزيل لأثر محذورها، ولا يقدح صنيع ذلك فيه، إنما يقدح فيما نتج عن إدراجه من أثر، وحديثه دون الإدراج صحيح.

سادسا: الحديث الشاذ

هو الحديث الذي يرويه الثقة مخالفا فيه الرواة الثقات، والشذوذ مخالفة الثقة في روايته لمن هو أقوى منه، سواء وقعت المخالفة في المتن أو السند.

والأقوى منه قد يكون ثقة آخر، وقد يكون عدداً حاصلاً بمجموعهم رجحان إتقانهم على إتقانه، كما أنه إذا وقع فقد يكون في سندٍ أو بعض سندٍ، ومتنٍ أو بعض متنٍ.

زيادة الثقة: وأما الزيادة سواء كانت في الإسناد أو المتن فلا تخلو من أن تكون مخالفة لرواية من لم يأت بها أو غير مخالفة، فإن كانت مخالفة لرواية الأقوى ضبطاً حكمنا بكونها (شاذة).

وإن كانت غير مخالفة نظرنا اعتبار أمرين لقبولها: أن تكون من ثقة متقن، وأن لا يقوم دليل على خطئه فيها، فإن كانت بهذه المثابة حكمنا بكونها (محفوظة)، وإن لم يكن من أتى بها في إتقانه في المنزلة التي ترجح معها زيادته للين في حفظه، حكمنا بكونها (شاذة)، وما حكمنا بشذوذه فهو ضعيف.

سابعا: الحديث المعلل

هو الحديث الذي يُطّلع فيه على سبب خفي قادح في صحته، مع أن ظاهره السلامة منها، ويتطرق ذلك إلى الإسناد الجامع شروط الصحة في الظاهر، ويندرج فيه مما تقدم: صور من المعلل بالقلب والتصحيف والإدراج، كما يندرج تحته الشذوذ، والاضطراب، فهذه وإن كانت لها ألقابها في الضعف، لكن يصلح تسميتها عند اكتشاف الضعف بسببها: (المعلل).

ويدخل في المعلل ما هو أوسع من ذلك، إذ تارة تكون العلة من جهة تفرد الراوي، وتارة من جهة المخالفة، وتارة من جهة الاختلاف، كما يجب ملاحظة أن من الصور ما يدرج تحت العلة، لكنه لا يقدح في ثبوت الحديث، كشك الراوي وتردده بين ثقتين، يقول: (حدثني فلان أو فلان)، فهذا وشبهه لا يقدح؛ لأن الحديث كيفما كان فهو عن ثقة.

والأصل أن طريق معرفة علة الحديث جمع طرقه، ثم النظر في اختلاف رواته، ومراعاة مكانهم في الحفظ والضبط.

ثامنا: الحديث المضطرب

هو الحديث الذي جاء من وجوه مختلفة متساوية مع تعذر الجمع، وينقسم الاضطراب إلى قسمين: اضطراب في السند، واضطراب في المتن، ويمكن حصره في الصورتين التاليتين:

الصورة الأولى: أن يُروَى الحديث على أوجه مختلفة متساوية في القوة، بحيث يتعذر الترجيح، فهذا وإن لم نجزم بخطأ أحد من رواته، لكن الخطأ موجود من راو أو أكثر من غير تعيين، وتصح دعوى الاضطراب حين يتعذر الجمع بين الوجوه المختلفة، فإذا أمكن الجمع فلا اضطراب.

الصورة الثانية: التردد في الإسناد أو المتن من الراوي المعين، فيقال: "كان فلان يضطرب فيه فتارة يقول كذا، وتارة يقول كذا".

تاسعا: الحديث المنكر

هو الحديث الذي يتفرد به الراوي الضعيف ولا يوجد له أصل من غير طريقه، أو: هو الحديث الفرد المخالف الذي يرويه المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو المضعف في بعض شيوخه دون بعض أو بعض حديثه دون بعض.

والنكارة تقع في الإسناد وتقع في المتن؛ إذ التفرد أو المخالفة واردة فيهما.

عاشرا: الحديث الموضوع

هو الحديث المختلق المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، رُكّب له إسناد أو جاء بغير إسناد، وهذا النوع يدرج في ألقاب الحديث الناتجة عن جرح الراوي، ويذكر في أنواع الحديث الضعيف، وإن كان الضعف فيه ليس حقيقيا؛ فإن الضعف لا يمنع الاحتمال المرجوح، بخلاف الموضوع فإنه المقطوع بكذبه، وقد سبق بيانه والتفصيل فيه في موضوع مستقل؛ فليُراجع.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة