الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من صور العدل النبوي

من صور العدل النبوي

من صور العدل النبوي

حرص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على تعليم أصحابه قيمة العدل مبيِّنًا لهم عظيم أجره يوم القيامة، فعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن المقسطينَ في الدنيا على منابر من لؤلؤٍ يومَ القيامة بين يدي الرحمن بما أقسطوا في الدنيا ) رواه أحمد .

والعدل من الأخلاق النبويّة والشمائل المحمديّة التي اتّصف بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، عدلٌ وسِعَ القريب والبعيد، والصديق والعدو، والمؤمن والكافر، عدلٌ يزن بالحقّ ويقيم القسط ، عدل وصل إلى درجة أن يطلب من الآخرين أن يقتصّوا منه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ خشية أن يكون قد لحقهم حيفٌ أو أذى منه، وهو أبلغ ما يكون من صور العدل .

ومن المواقف النبوية التي تبين مدى حرصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على العدل، موقفه ـ مع الصحابي سواد بن غزية ـ رضي الله عنه ـ في غزوة بدر .
قال ابن إسحاق: حدثني حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه: ( أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح (سهم) يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية، حليف بني عدي بن النجار وهو مستنتل (متقدم) من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: استوِ يا سواد ، فقال: يا رسول الله، أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل، قال: فأقدني ( اقتص لي من نفسك )، فكشف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن بطنه، وقال: استقِد، قال: فاعتنقه فقبل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد؟!، قال: يا رسول الله، حضر ما ترى، فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخير ) .

من المعلوم أن التربية بالقدوة من أهم وأمثل الطرق في ترسيخ المبادئ والقيم، وهي طريقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فالقيم والأخلاق والقواعد التربويةَ في حاجةٍ دائمة إلى من يُطَبِّقهَا ويعمل بها، ولذا كان المنهجُ النبوي في إصلاحِ البشريَّةِ وهدايتها يعتمد على وجودِ القدوة التي تحوِّل تعاليم ومبادئ الإسلام إلى سلوكٍ عمليّ، وحقيقة واقعة أمام الناس جميعاً، ولذا كان ـ صلى الله عليه و سلم ـ إذا أمر بشيء عمل به أولا، وإذا نهى عن شيء كان أول المنتهين عنه .
قال ابن حجر في كتابه ( الإصابة ) حين عرف بالصحابي الجلندى ملك عمان: " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث إليه عمرو بن العاص يدعوه إلى الإسلام، قال الجلندى: لقد دَلَّنِي على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يهجر ( لا يتلفظ بقبيح )، وأنه يفي بالعهد وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي " .

لقد التزم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالعدل منهجا له طيلة حياته، وامتلأت كتب السيرة بمواقف نبويَّة تربوية تبين شدة تمسكه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالعدل والقضاء الحقِّ ولو على نفسه وأهله .. ومع ظهور العدل النبوي في موقفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع سواد ـ رضي الله عنه ـ، فقد ظهر كذلك مدى وعِظم محبة الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم .

حب الصحابة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

إننا لا نلمح اسم سواد ـ رضي الله عنه ـ في كتب السيرة كثيرا، إذ ليس هو من كبار الصحابة، غير أن موقفه ـ رضي الله عنه ـ يبين مدى علاقة الحب الذي جمع بين القائد والجندي، ذلكم الحب الذي جعل الجندي في ساعات الحرج والشدة للاستعداد للقتال، يعبر فيها عن حبه وعاطفته تجاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيضمه إليه ويقبله، إنها علاقة ولاشك قائمة على الحب الشديد، والإيمان القوي من الأتباع، والعدل المطلق والتواضع الجَم من المتبوع ـ صلى الله عليه وسلم ..
فقد حبا الله تبارك وتعالى نبينا محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الخصائص والصفات والأخلاق العلية ما كان داعيا لكل مسلم أن يحبه ويُجلَّه، ويعظمه بقلبه ولسانه وجوارحه، فمن نظر في سيرته وحياته، علم أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفضل البشر، وأعظمهم خُلقا، وأصدقهم حديثا، وأعظمهم أمانة، وأجودهم عطاء، وأشدهم صبرا واحتمالا، وأكثرهم عفوا ومغفرة، وأرحم الخلق بهم، وأحرصهم على العدل، وأوفاهم بالعهد، وأشدهم تواضعا، وكان لا يزيده جهل الجاهل عليه إلا حلما ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..

وقد نال الصـحابة ـ رضوان الله عليهم ـ شرف لقاء وصحبة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فكان لهم النصيب الأوفى من محبته وتعظيمه، وقد سُئِلَ عليّ ـ رضي الله عنه ـ كيف كان حبكم لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟، قال: " كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ " .
وعن عروة بن مسعود الثقفي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لقريش بعد أن رجع من مفاوضة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صلح الحديبية: ( والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إنْ رأيت ملكا قَطْ يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له ) رواه البخاري .
ولذلك كان أبو سفيان ـ رضي الله عنه ـ قبل إسلامه يقول: " ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا " .

إن حياة وسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مدرسة نبوية متكاملة، لما تحمله بين ثناياها من المواقف التربوية العظيمة والفوائد الجليلة .. ولا شك أن من أعظم مقاصد دراسة السيرة النبوية هو استخراج الدروس والعبر من أحداثها ومواقفها, لنستفيد منها في واقع حياتنا, ونستظل بظلالها الوارفة, وننعم بآدابها وأحكامها, فيستقيم سلوكنا, وتعلو همتنا, ويحصل لنا التأسي والاقتداء بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة الكرام ـ رضوان الله عليهم ..

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة