الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اغتصاب الخصوصيات

اغتصاب الخصوصيات

اغتصاب الخصوصيات

بينما كنت متجهاً إلى المحل الذي أقصده في أحد المجمعات برفقة بعض ضيوف الكويت وبعض الزملاء استوقفتني امرأة لتطرح عليّ سؤالاً ؟
ثم انتقلت من السؤال إلى طلب استشارة اجتماعية لمشكلة خاصة أرقتها.

ومع بداية سرد قصتها نصحتها أن تراجع المختصين، وأشرت عليها أن تستعين بمكتب الإنماء الاجتماعي وبعض الأسماء المختصة ممن يفيدونها في موضوع مشكلتها.

كانت السائلة تقترب مني كثيراً، مما يثير الحرج والانتباه، ولكنها أحست بي وأنا أدفع نفسي بعيداً عنها للحفاظ على مسافة مناسبة بيننا، وقالت: سامحني!!عندي ضعف شديد في السمع وأشارت إلى السماعة التي في أذنها.

أحد الزملاء المرافقين لي ـ وقد كان ينتظر مع الضيوف ريثما انتهي من حوار الأخت، وهو مدرس شاب في إحدى مدارس الخالدية قدم لي وللسيدة السائلة، التي كانت في كامل زينتها خدمة كبيرة، حيث كان أحد الشباب المتسوقين يصورني أثناء وقوفي مع المرأة دون علمي ويمر بالكاميرا يميناً وشمالاً ليستكمل نشوته أو صيده النادر!!

انطلق صديقي المدرس إلى الشاب وطلب منه مسح الصورة أو الفيديو وأعطاه درساً في الأخلاق والأدب.

والسؤال الملح والمستحق:
كيف نفهم ونقيم مثل هذا السلوك الذي صار أكثر من ظاهرة في حياتنا الاجتماعية؟

لماذا هذا التسابق في التقاط صور لخصوصيات الناس وعدم احترام القيم والأعراف الاجتماعية والدينية؟

لماذا أصبحت شرائح واسعة من المجتمع مهووسة بتصوير ما لا يصح تصويره عقلاً ولا ذوقاً ولا شرعاً، ثم نشره دون خجل ولا وجل؟!

هل نعاني من لوثة، هوس جماعي، فراغ وجداني، تحقيق الذات من خلال السبق أو التفرد بصورة هنا ولقطة هناك…؟!

وإذا كانت المسألة يصعب ضبطها قانونياً فكيف نعالجها اجتماعياً؟

هذه الإشكالية تحتاج منا الكثير لمعالجتها، وقد عانى الناس من مواقف سيئة في التقاط صور لأبرياء من الإناث والذكور سقطوا ضحايا جرائم.

لكن المعنى الذي أريد تثبيته وتعزيزه في المشهد الذي حصل معي هو موقف المدرس الذي بادر وأنكر على الذي صورني من دون إذن ولا حاجة، وجعله يمسح الصورة أو الفيديو.

هنا يبرز الشعور بالمسؤولية الاجتماعية لدى كل مواطن فـ «الدين النصيحة»، والقانون لا يمكنه أن يستوعب كل مناشط الحياة التفصيلية والمستجدة.

وهنا تحضرني قصة المستشرق الأميركي مايكل كوك، الذي درس الإسلام وألف كتاباً ضخماً بعنوان «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الإسلامي» الذي ترجمه الدكتور رضوان السيد.

وكان الباعث على تأليفه هذا الكتاب كما ذكر هو في مقدمة كتابه: أن صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت خبر اغتصاب امرأة في محطة فرعية في شيكاغو بحضور أشخاص عدة عشية الخميس 22 سبتمبر 1988، والذي أثار المؤلف الأميركي مايكل في حادثة الاغتصاب هذه، أن أحداً لم يتحرك لمساعدة المعتدى عليها أو يأبه بنداءاتها في ساعة تعتبر ذروة الزحام!!

المؤلف أبدى إعجابه بنظرية الواجب الأخلاقي التي تنص عليها أحكام شريعة الإسلام، فأظهر اهتماماً بضرورة تسليط الضوء على "واجب الفرد" أكثر من اهتمامه بدور الحكام في النهي عن المنكر وهو ما يعرف بـ "المحتسب والحسبة".

وفي ظل تمدد ثقافة الجرأة السلبية والتعدي على خصوصيات الناس كان لابد من تجديد وإحياء هذه القيمة الاجتماعية وتشجيعها وتوجيهها؛ كي لا نتكيف مع الافتئات على حق الإنسان، ونستسلم للاعتداء على خصوصيته، ونسكت عما نقدر على منعه أو تحجيمه في رقعة الحياة الواسعة، حتى نحظى جميعاً بالأمن النفسي والاجتماعي. فإن السلبية عن إنقاذ مغتصبة ما هي إلا نتيجة لمتتالية ازدياد معدلات التنازلات واللامبالاة لمجتمعات تبلدت أحاسيسها.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة