الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معاني أذكار الصلاة (التكبير الاستفتاح الاستعاذة)

معاني أذكار الصلاة (التكبير الاستفتاح الاستعاذة)

 معاني أذكار الصلاة (التكبير الاستفتاح الاستعاذة)


لما كان مقصود الذكر تنبيه القلب من الغفلة، وهذا المقصود لا يتحقق للذاكر إلا بأمور من أهمها معرفة معاني الكلمات التي يتلفظ بها حال الذكر، فكان لا بد أن يتعلم المسلم قدرا من معانيها يتمكن به من فهمها وتحقيق مقصدها، ولا سيما الأذكار الواجبة، كأذكار الصلاة، وما يتأكد الإتيان به كالذكر عقب الصلوات، وأذكار اليوم والليلة، وغيرها.

وقد اهتم العلماء بذلك فشرحوا تلك الأذكار والأدعية المأثورة في كتب شروح السنة وغيرها، مبينين رواياتها التي تفسر بعضها بعضا، إضافة إلى شرح ألفاظها بمقتضى اللسان العربي، وتطرق بعضهم لبيان مناسبة تلك الأذكار للأحوال التي شرعت فيها، ومن أشهر من اهتم بذلك الإمام النووي رحمه الله في كتبه ولا سيما كتاب الأذكار، وابن القيم، وابن حجر وغيرهم.
ولنشرع في معاني أذكار الصلاة، ليكون في فهمها عونا للمسلم على إحضار قلبه عند التلفظ بها، وهذا من تكميل الصلاة وتكميلها.

التكبير:
التكبير عند ابتداء الصلاة هو بمثابة دخول لحرم الصلاة، فيحرم به ما كان مباحا قبل الصلاة، ولذلك ورد في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر»، وفي السنن الكبرى للبيهقي عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الوضوء مفتاح الصلاة، والتكبير تحريمها، والتسليم تحليلها».
ومعنى قول المصلي "الله أكبر": إقرار بأن الله أكبر من كل شيء، ولذلك ورد بصيغة "أفعل" وهو أسلوب تفضيل يقتضي كونه أكبر من كل شيء، فيشاهد بقلبه عظمته وكبرياءه، ويغيب عن قلبه كل ما سواه.
ولفظ التكبير متعين على المصلي في ابتداء الصلاة لا يغني عنه غيره، ولا تنعقد الصلاة بأي ذكر آخر.
قال ابن القيم في بدائع الفوائد: إذا استشعر بقلبه أن الله أكبر من كل ما يخطر بالبال استحيا منه أن يشغل قلبه في الصلاة بغيره فلا يكون موفيا لمعنى الله أكبر ولا مؤديا لحق هذا اللفظ.
ولذلك كان التكبير ذكرا متكررا في أعمال الصلاة، يردده المصلي في كل انتقال من ركن إلى ركن آخر، وكأنه حين قاله في تحرمه للصلاة التزم بأن تكون جميع أعمال الصلاة على سبيل التعظيم والإجلال لله تعالى، فكلما انتقل إلى ركن كرر التكبير مذكرا نفسه بما التزمه في بداية الصلاة.

دعاء الاستفتاح:
في صحيح مسلم عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا قام إلى الصلاة، قال: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك».
قال النووي في شرحه على مسلم: قوله "وجهت وجهي" أي: قصدت بعبادتي للذي فطر السماوات والأرض أي: ابتدأ خلقها، وقوله: "حنيفا" قال الأكثرون معناه: مائلا إلى الدين الحق وهو الإسلام، وقوله: "وما أنا من المشركين": بيان للحنيف وإيضاح لمعناه. انتهى.
وفي قوله: "ومحياي ومماتي لله رب العالمين" قولان:
أحدهما: أن المعنى: لا يملك حياتي ومماتي إلا الله عز وجل.
والثاني: حياتي لله في طاعته، ومماتي له في رجوعي إلى جزائه. ومقصود الكلام أن أحوالي لله عز وجل وحده لا كما تشركون أنتم. انتهى من كشف المشكل لابن الجوزي.

وتضمن الدعاء اعتراف العبد بأن الله هو الملك أي: القادر على كل شيء المالك الحقيقي لجميع المخلوقات، "وأنا عبدك" أي: معترف بأنك مالكي ومدبري، وحكمك نافذ فيَّ، " ظلمت نفسي" اعتراف بالتقصير، وهذا من تمام الأدب في الدعاء إذ فيه تقديم الثناء والاعتراف على سؤال المغفرة، "اهدني لأحسن الأخلاق" أي: أرشدني لصوابها ووفقني للتخلق به، "لبيك" أي: أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، "وسعديك" أي: مساعدة لأمرك بعد مساعدة، ومتابعة لدينك بعد متابعة، "والشر ليس إليك" أي: والشر ليس شرا بالنسبة إليك فإنك خلقته بحكمة بالغة، وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين، "أنا بك وإليك" أي: التجائي وانتمائي إليك وتوفيقي بك، "تباركت" أي: استحققت الثناء. انتهى ملخصا من شرح النووي على صحيح مسلم.

وورد أيضا من أدعية الاستفتاح كما في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر للصلاة سكت هنيهة، قبل أن يقرأ، فسألته، فقال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد».
المباعدة: المراد بها محو ما حصل منها، أو العصمة عما يأتي منها، فكما لا يجتمع المشرق والمغرب لا يجتمع هو وخطاياه، المقصود منها: ترك المؤاخذة أو العصمة. والدنس: أي: الدرن والوسخ، وقوله: "بالثلج والماء والبرد" قال ابن دقيق العيد: عبر بذلك عن غاية المحو، فإن الثوب الذي تكرر عليه ثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء.
والمقصود أنه دعاء بالنجاة عن الذنوب بالبعد عن مواقعتها، أو بالنجاة عن آثارها بمحوها بعد فعلها، وعدم المؤاخذة بها، وتطهير النفس وتنقيتها من أوساخها وقاذوراتها.
وأخرج مسلم في صحيحه أن عُمَر بْن الخَطَّاب كَانَ يجهر بهؤلاء الكلمات، يَقُول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك.
ورواه أبو داود والترمذي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة، قالت: «كان رسولُ الله- عليه السلام- إذا اسْتَفتحَ الصلاةَ، قال: سبحانكَ اللهم وبحمدِكَ، وتبارَكَ اسمُكَ، وتعالى جَدك، ولا إله غيرُك». ومعنى قوله: "وتبارك اسمك" أي: كثرت بركة اسمك"، "وتعالى جدك" تفاعل من العلو أي: علا جلالك وعظمتك، وقال ابن حجر في الفتح: أي تعالى غناؤك عن أن ينقصه إنفاق أو يحتاج إلى معين ونصير.
وقد وردت أدعية في الاستفتاح غير ما ذكر، وبأيها أخذ المصلي فقد حصل المقصود، كما قال الخطابي في معالم السنن: وهو من الاختلاف المباح فبأيها استفتح الصلاة كان جائزا.
الاستعاذة:
وموضعها بعد الاستفتاح وقبل القراءة، وهي سنة عند عامة العلماء، كما بوب ابن خزيمة في صحيحه "باب الاستعاذة في الصلاة قبل القراءة قال الله عز وجل: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}" [سورة: النحل، آية رقم: 98]، وورد ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أهل السنن.
والاستعاذة مناسبة لهذا المقام؛ فإن المصلي قائم بَيْن يدي الله، لمناجاته، فيحسن أن يستعيذ بِهِ من أن يعرض بوجهه عَنْهُ. كما قاله ابن رجب في فتح الباري.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة