
عزة النفس من أبرز القيم التي تلازم الإنسان، كيف لا وقد بين القرآن أن الإنسان أوجده الله في الأرض معظما مكرماً، شامخ القامة سيداً في الدنيا، سخرت له البسيطة لإعمارها وفق منهج الاستخلاف المبين في الكتب المنزلة من لدن العزيز الخبير؟
لذلك وجب على الإنسان أن يعتز بوجوده ومكانته في هذا الكون، فيدأب في كسب المهارات، وتفجير القدرات والطاقات، متمسكاً بالمبادئ والأخلاق.. ومع وجود التحديات والضغوط، تبرز عزة النفس كحاجة ملحة لتحقيق التوازن النفسي والرؤية الواضحة للذات.
مفهوم عزة النفس
عزة النفس تعني احترام الذات، وعدم التنازل عن القيم والمبادئ، وذلك ما يسمى بقوة الروح والإرادة، إن الشخص الذي يتحلى بعزة النفس لا يقبل الإهانة، ولا يتسامح مع الظلم، بل يسعى لتحقيق العدالة والكرامة. يقول الشاعر:
يَقُولُونَ لِي فِيْكَ انْقِباضٌ وإنَّمَا | رَأَوْا رجُلاً عن مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجما | |
وما زِلْتُ مُنْحَازًا بِعِرْضِيَ جانِبًا | عَن الذَمِّ أعْتَدُّ الصِّيانَةَ مَغْنَمَا | |
أَرَى الناسَ مَنْ دَانَاهُمُ هَانَ عندَهُمْ | وَمَنْ أكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا | |
لقد حثنا الدين الحنيف على عزة النفس، كيف لا!! والمؤمنون هم الأعلون أبداً؛ لما يحملون من مبادئ وقيم لا توجد عند غيرهم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء:70].
تُظهر هذه الآية ونظيراتها أنَّ الله قد منح الإنسان كرامة وعلوًا، مما يستدعي منه المحافظة على هذه العزة. فإن عزة النفس مجد يصنعه الإنسان لنفسه. وما أصدق المتنبي حين قال:
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ | فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ | |
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ | كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ | |
سعيك للمجد ومعالي الأمور يتطلب التضحية، وعزة النفس تستحق كل الجهد.
يقول أحد الكتاب المعاصرين: "إن الكرامة هي الجوهرة التي لا تعوَّض، وهي السلاح الذي يدافع به الإنسان عن وجوده".
والمُشاهد أن الإنسان يحدد قيمته حيث وضع نفسه:
يا لائمي دعني أغالي بقيمتي | فقيمة كل امرئ ما يحسنه | |
وعليه فإن الإنسان يعلو بالإتقان وتجويد صنعته، ويتميز بترفعه عن الصغائر ومباينة الباطل والخنا. وقد ينحدر آخر لا يقيم وزناً لنفسه، وقد ارتضى الذل بدل العزة، وهذا قطعاً تحلى بصفة مقيتة ترفضها كل نفس كريمة، وتأباها الفطرة الإنسانية السليمة.
وهذا حال كثير من الناس ممن أصبح يتكسب الذل ويعيشه واقعاً مألوفا، لأن نفوسهم لم تترب على التحليق في معالي الأمور وتجنب الإسفاف، وبالتالي فنفورها من العزة وانجذابها للذل يصبح أمراً حتمياً:
من يهن يسهل الهوان عليه | مال جرح بميت إيلام | |
يقول الكاتب أمين أمكاح: "ورغم أن الإنسان ضعيفٌ أمام الشهوات والمغريات الدنيوية، إلا أنه لا مبرر أخلاقيا لإذلال نفسه بغية ذلك، فالذي يرضى بالعيش الذليل منحَطٌّ إنسانيا ومبدئيا، وبطبيعة الحال فالبشر ليسوا سواء، ولا يملكون جميعا القدرة على إدراك قيمة عزة النفس؛ لأنهم لم يألفوها ـ رغم أن لها مكانتها الفاضلة التي لا تعادلها كنوز الدنيا الفانيةـ وهي من الفضائل الرفيعة التي لا تكتسبها سوى النفوس الأبية العفيفة التي لا تتنازل قيد أنملة عن عزتها، وتذود عنها وتضحي بالغالي والنفيس من أجل الحفاظ عليها، والابتعاد عن كل ما يمكنه أن يقرب النفس إلى الفجور الأخلاقي الناجم عن إذلال المرء لذاته".
وختاماً.. عزة النفس ليست مجرد شعور داخلي، بل هي سلوكيات تُترجم إلى أفعال تصنع الفارق في حياة الأفراد والمجتمعات، من خلال تعزيز قيم الكرامة، والإرادة، واحترام الذات، يمكننا أن نحقق التوازن النفسي ونعيش حياة مليئة بالمعنى والاحترام، فلنجعل من عزة النفس شعارًا نرفعه في جميع مجالات حياتنا، ولنتذكر دائمًا أن الكرامة هي أساس النجاح والتميز.