الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطبة عيد الفطر

خطبة عيد الفطر

خطبة عيد الفطر

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي سهل لنا الصيام والقيام ويسر، نحمده على نعمه التي لا تحصى ولا تحصر، ونشكره على فضله وإحسانه وحق له واحد أحد صمد أن يُشكر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه الذين سبقوا إلى الخيرات، وعلى التابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.

عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، واعرفوا نعمته عليكم بهذا العيد السعيد؛ فإنه اليوم الذي توج الله به شهر الصيام، وافتتح به أشهر الحج إلى بيته الحرام، وأجزل فيه للصائمين والقائمين جوائز البر والإكرام، عيد تمتلئ القلوب فيه فرحة وسروراً، وتزدان الأرض به بهجة وحبوراً، يومكم هذا يوم عظيم وعيد كريم، أحل الله لكم فطره، وحرم عليكم صيامه، يوم كله بر وإحسان، وفيه يحمد المسلمون ربهم على نعمة الإسلام، ويكبرونه جل وعلا على ما أولاهم من الفضل والإنعام، وهو يوم الجوائز، يوم يرجع فيه أقوام من المصلى بمغفرة ربهم ورحمته ورضوانه.

في الحديث: (إذا كان يوم الفطر هبطت الملائكة إلى الأرض في كل البلاد، فيقومون على أفواه السكك، ينادون بصوت يسمعه جميع خلق الله إلا الجن والإنس، يقولون: يا أمة محمد! اخرجوا إلى رب كريم، يعطي الجزيل، ويغفر الذنب العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله لملائكته: يا ملائكتي! ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ فيقولون: إلهنا أن توفيه أجره. فيقول: أشهدكم أني جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم، رضاي ومغفرتي، انصرفوا مغفوراً لكم) رواه البيهقي، فيا فوز العاملين! ويا خيبة المفرطين المحرومين!

عباد الله: عظوا بالنواجذ على شهادة التوحيد وكلمة الإخلاص، واعملوا بمقتضاها في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، فهو الذي خلق من العدم، وهو الذي ذرأ وبرأ، وهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وهو المتفرد في أسمائه وصفاته، فله سبحانه صفات الكمال والجلال كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى:11].

معاشر المسلمين: احذروا الشرك فإنه محبط للأعمال، والجنة حرام على المشركين: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} [المائدة:72].

معاشر المؤمنين: أوصيكم ونفسي بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم، التي قالها وهو يجود بنفسه يعالج سكرات الموت، يقول: (الصلاةَ الصلاةَ وما ملكت أيمانكم) رواه أبو داود؛ فالصلاة عمود الدين، وثاني أركانه، وآخر ما يبقى منه، وناهية عن الفحشاء والمنكر، ولا حظ في الإسلام لمن تركها، أقيموها مع الجماعة في بيوت الله في أوقاتها المكتوبة، حذار حذار من تركها والتهاون بها فهي الفيصل بين الرجل والكفر، {كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين} [المدثر:38-43].

عباد الله: أدُّوا زكاة أموالكم، ولا تبخلوا على أنفسكم بفضل الله الذي آتاكم: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} [آل عمران:180].

معاشر المسلمين: حجوا فرضكم الذي كتب الله عليكم، وإياكم والتهاون بأمره والتسويف فيه، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: " مَنْ أَطَاقَ الْحَجَّ فَلَمْ يَحُجَّ، فَسَوَاءٌ عَلَيْهِ يَهُودِيًّا مَاتَ أَوْ نَصْرَانِيًّا".

عباد الله: تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واجتهدوا في الأعمال الصالحة واحرصوا على المداومة عليها، وإياكم وعقوق الوالدين؛ فإنه من كبائر الذنوب، يقول صلى الله عليه وسلم: (أربعة نفر حق على الله ألا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن خمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم ظلماً، والعاقُّ لوالديه) رواه الحاكم .

عباد الله: قوموا بحق الجوار، وصلوا أرحامكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، واجتهدوا في تربية أولادكم على طاعة الله وما يرضيه، واستروا عوراتكم، واستروا بناتكم وزوجاتكم، حضوهن على الستر والحجاب، وبينوا لهن مغبة التبرج والسفور، وقوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة.

أفشوا السلام بينكم، تسامحوا، أزيلوا الضغائن عن قلوبكم، وكونوا عباد الله إخواناً، اجتهدوا في الأعمال الصالحة، وداوموا عليها، ولا تقطعوا ما عودتم أنفسكم عليه من الصيام والقيام، ولا تحرموا أنفسكم الأجر، أدوا الرواتب بعد المفروضات، ولا تنسوا حظكم ونصيبكم من قيام الليل، فإن لم يكن فلا يغلبنكم الشيطان على صلاة الوتر فاحفظوها وداوموا عليها.

الخطبة الثانية

الحمد لله معيد الجمع والأعياد، ومبيد الأمم والأجناد، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.

معاشر المؤمنين: تذكروا وأنتم في هذا العيد ما أنتم فيه من النعم والخيرات، وما تعيشه كثير من الأمم من المصائب والنقم، الناس جياع وأنتم تطعمون، خائفون وأنتم آمنون، غيركم مشردون وأنتم مطمئنون، أذلاء وأنتم أعزاء مكرمون، فاشكروا ما فضلكم به ربكم على كثيرٍ من الأمم، واحمدوه على نعمه الظاهرة والباطنة.

عباد الله: ألم يأن لنا أن نتوب إلى الله توبة نصوحاً، وأن نترك أعمالاً هي سبب وسبيل إلى العقوبة وزوال النعم؟

كيف يرجو الفلاح والسعادة والتوفيق من هجر الصلاة وفارق الجماعة وأكل الربا واجترأ على المحارم ؟ كيف ترجو الفلاح والسعادة امرأة عقت زوجها وهجرت فراشه وضيعت فريضة ربها؟.

يا شباب المسلمين! ارفعوا هممكم، وتسلحوا بما يحفظكم ويرفع قدركم بين الأمم، والحذر الحذر من العطالة والبطالة والفراغ، معاشر المسلمين كل منكم على ثغرة في عمله وميدانه، وفي دراسته وأسرته، أصلحوا شؤونكم داخل أسركم ومجتمعاتكم بالأمانة والقوة في تدبير مهماتكم ومسؤولياتكم، تناصحوا وتواصوا بالحق والصبر، وائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر فيما بينكم. وتذكروا أن هذه الدنيا ممر وليست مقرًّا، الزراعة فيها اليوم والحصاد غداً.

ويا نساء المسلمين! اتقين الله في أنفسكن، اتقين الله في طاعة أزواجكن، إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) رواه الترمذي وابن ماجه، فاتقي الله يا أَمَةَ الله! والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة

لا يوجد مواد ذات صلة