الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ظن الشخص بأن الجميع يحسده.

السؤال

السلام عليكم.

زوجتي تظن أن الجميع يحسدها حتى أمها، أريد أن أساعدها هلا أرشدتموني وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الابن الفاضل/ عبد اللطيف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله العظيم أن يصلح لنا ولكم الذرية، وأن يعيننا جميعاً على ذكره وشكره وحسن عبادته.
الحسد مرضٌ خطير وداء وبيل لا يوجد له علاج إلا في رحاب هذه الشريعة المباركة، التي أنزلها من خلق النفوس فسواها وألهمها مع الفجور تقواها، والحاسد عنصر شر في المجتمعات، لذلك أمرنا ربنا أن نتعوذ من شره فقال تعالى: ((وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ))[الفلق:5]، والحسد صفة اليهود، وهو سبب مانع من الهداية ويحرم صاحبه من الخير، والحاسد مسيءٌ للأدب مع الله؛ لأنه لا يرضى بقسمة الله بين عباده.

والحسد هو تمني زوال النعمة عن عباد الله حتى ولو لم تصير إلى المحسود، وإذا أعجب الحاسد بشيء فيمكن أن يقع الضرر بإذن الله، وقد يضر الحاسد نفسه أيضاً وماله وولده كذلك، ولذلك يعلمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم إذا رأينا ما يعجبنا أن نقول ما شاء الله تبارك الله، أو نذكر الله بأنواع الذكر المشروعة، وهذا مانع من ضرر الحسد بإذن الله.

ولكن ليس من الصواب أن نتهم الناس بالحسد ونسيء الظن بمن حولنا، والمؤمن يعلم أن الأمة لو اجتمعت لينفعوه بشيءٍ لم ينفعوه إلا بشيءٍ قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا ليضروه بشيء لم يضروه إلا بشيءِ قد كتبه الله عليه رفعت الأقلام وجفت الصحف.
فعلى هذه الأخت أن تتقي الله ولا تسيء الظن بالمسلمين والمسلمات، وعليها أن تعلم أن حسد الحاسد إنما يضر نفسه، وقد قال معاوية رضي الله عنه: ليس من خصال الشر أعدل من الحسد؛ لأنه يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود، وقد أحسن من قال:

اصبر على مضض الحسود فــإن صـــــبرك قاتلــه
كالنــــــــــــار تأكـــل بعضـــــهــــا إن لم تجد ما تأكله
والحاسد يحتاج إلى من يشفق عليه؛ لأنه محروم من الخير، وهو مسيءٌ للأدب مع الله يعيش في هم وغم؛ لأن نعم الله تنزل على عباده .

وأرجو أن تشغل هذه الأخت نفسها بطاعة الله وبرعاية أولادها وأسرتها، وأن تجتهد في المحافظة على ذكر الله فهو حصن منيع من شرور الحاسدين والشياطين، وخاصةً أذكار الصباح والمساء، ولتعلم أن نعم الله مقسمة، والسعيد هو الذي يعرف نعمة عليه ليؤدي شكرها، ولا تترك الفرصة للشيطان، ولتشغل لسانها بذكر الله الرحمن، ولتتذكر أن هذا العدو همه أن يحزن الذين آمنوا وليس يضارهم شيئاً إلا بإذن الله .

ومما يخفف حسد الحاسدين الإحسان إليهم، فإن أعجبهم طعام أعطيناهم منه، والهدية تسل سخائم الصدور، وإذا علم الإنسان أنه يستفيد من الخير الذي عند إخوانه فرح بذلك وسلم صدره من الغل والحقد والحسد.

وهذا رجلٌ قال لشريح القاضي: إني لأحسدك على قدرتك على الحكم بين الخصوم، فقال شريح: ما نفعك الله بذلك ولا ضرني.

وعلينا أن نذكر أنفسنا وإخواننا بحقارة هذه الدنيا، وأنها لا تستحق أن نتنافس ونتحاسد فيها، ولو كانت كلها لرجل واحد لما كان بها غنياً لأنها تفنى ولأنها لا تكفيه، وقد قال بعض السلف: (ما كنت لأحسد رجل على شيء من الدنيا؛ لأنه إن كان يصير إلى الجنة فكيف أحسده على الدنيا وهو من أهل الجنة، وإن كان يصير إلى النار فكيف أحسده وهو يصير إلى النار) فما أعقل هؤلاء السلف؟ وكم هو عظيم الإيمان الذي عمروا به قلوبهم؟ والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً