الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما العلاج لرهاب الساحة والأماكن المغلقة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

دكتور محمد أشكركم على سعة بالكم، وطريقة سردك للأجوبة التي تثلج الصدر.

أنا متزوجة منذ 8 سنين وعندي طفلان، مشكلتي بدأت منذ 7 سنين، أي بعد سنة من الزواج وإنجاب أول طفل، وتغيير الدولة التي كنت أعيش فيها إلى الدولة التي زوجي ساكن فيها، ومفارقة الأهل، هذه الأشياء كلها والتغيرات أثرت في نفسيتي وأتعبتني.

راجعت طبيباً نفسياً وشخص حالتي باكتئاب ونوبات هلع، وتشخيصه صحيح، وصف لي سيروكسات وبوسبار وريمورون، أخذتهم لشهر تقريباً، ما عدا السيروكسات أخذته 6 سنين، حاولت خلالها أن أتوقف عن العلاج لأني تحسنت، لكن كل محاولاتي كانت فاشلة، وكانت حالتي تنتكس وأرجع أبدأ من جديد، قبل سنة قررت الحمل وغير لي الدكتور العلاج للسبراليكس، -والحمد لله- قدرت أن أغيره وحملت، وأنجبت طفلاً سليماً –والحمد لله- قبل 3 شهور.

الآن لي شهران خففت جرعة السبراليكس لنصف حبة يوماً بعد يوم، بعدما كنت آخذ حبة يومياً، فكرت بالبدء بالخطوة الثانية للتخفيف، أي لا آخذ العلاج ليومين وآخذه في الثالث، لكن تعبت ورجعت آخذ نصف حبة يومياً، أثناء تخفيفي للجرعة كتب لي الدكتور زانكس عند اللزوم، صرت آخذ نصف حبة بشكل يومي ومرات حبة كاملة، هل هذه انتكاسه أم أعراض الانسحاب للعلاج؟ لأني مازلت أعاني، ونفسيتي ومزاجي غير مستقر، لما قررت تخفيف العلاج كنت أحس بالشفاء بنسبة 60٪ ، لكني تعبت من كوني أتعاطى علاجاً نفسياً، وأحس أن هذا هو ما يزيد مرضي، مع العلم أني أشتكي من عدة أعراض تتفاوت حدتها، وهي معي منذ تعبت نفسيتي إلى هذا اليوم، وهي:

- أخاف من الوحدة، ولا أحب أن أكون وحيدة حتى لو ببيتي، ويجب أن يكون معي مرافق، حالي كالأطفال.

- أخاف من الخروج من المنزل، والمجمعات والأماكن المزدحمة، أحس بالاختناق وتأتيني شبه نوبة الهلع، ولا أطمئن إلا بالخروج من هذا المكان.
- عصبيه، ومتقلبة المزاج.
- بلادة وكسل وإهمال.
- التركيز الضعيف والمتعب.
- ووزني وصل 80 كلغ بعدما كان 50 قبل بالعلاج.

هذه الأعراض كلها زادت بعدما خففت الجرعة في هذه الفترة، بالإضافة للصداع والدوخة.

قرأت كثيراً في العلاج السلوكي والاسترخاء، ولم أحس بنتيجة ملموسة من ممارستهما، أنا منهارة ومتحطمة وبائسة، فاتتني الكثير من مباهج الحياة والاستمتاع، وأنا حبيسة نفسيتي المريضة، ما تشخيصكم لحالتي؟ وطريقة علاجي؟

آسفة على الإطالة، لكن أحببت شرح الحالة بالتفصيل لتكون واضحة عندكم.

جزاكم الله كل خير، وجعله بميزان حسناتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أحمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

أشكرك لك -أيتها الفاضلة الكريمة– على كلماتك الطيبة والجميلة، وأشكرك بالطبع على ثقتك في العاملين بإسلام ويب، وأقول لك: مبروك المولود، وأسأل الله تعالى أن يجعل ذريتك قرة عين لكما، وأن يجعلهم من الصالحين.

تشخيص حالتك واضح جدًّا، أنت ذكرت كلام طيب ودقيق ومفصل، وهو أنك تخافين الخروج من المنزل، وتخافين من المجمّعات والأماكن المزدحمة، وتحسين كأنك تختنقين، ويأتيك شبه نوبة الهلع تهدأ إلا بالخروج من المكان، هذا -أيتها الفاضلة الكريمة– تشخيص أكيد على أنك تعانين مما يسمى برهاب الساحة، وصفته كما كُتب في الكتب، ورهاب الساحة هذا في 60%من الناس يكون مصحوبًا باكتئاب نفسي، هذا الاكتئاب غالبًا يكون اكتئابًا بسيطًا إلى متوسط.

إذن تشخيص حالتك هي قلق رهاب الساحة، يضاف إليه وجود اكتئاب نفسي من الدرجة البسيطة، والعلة واحدة، لا تتخوفي من هذه الجزئيات وهذه المسميات، أنا أريدك -أيتها الفاضلة الكريمة- ألا تنسي أنك سيدة فعّالة، هذا مهم جدًّا، بمعنى أنه لديك زوج وبيت وذرية ومسؤوليات، ولابد أن تسعي ويكون لك اليقين القاطع بأن تُديري حياتك بصورة إيجابية، لا تدعي مجالاً للتشاؤم ليسيطر عليك.

مشكلتنا أن الفكر السلبي هو الذي يُدخلنا في المزاج الاكتئابي، وليس الاكتئاب هو الذي يجرنا نحو السلبيات كما يعتقد الكثير من الناس، فاجعلي منظومتك الفكرية والمعرفية والعقلية تقوم على مبدأ الإيجابيات والتفكير فيها وتطويرها، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تُقلص من الشعور بالكدر.

بالنسبة لرهاب الساحة: لابد أيضًا أن يعالج من خلال التحقير، ويجب ألا تتجنبي، لا تكافئي الرهاب بأن تنفذي ما يطلبه منك، لا، اخرجي من المنزل، زوري أرحامك، اذهبي مع زوجك، اذهبي إلى المجمعات التجارية، وإن كنتِ في بلدٍ متيسر فيه الأنشطة الثقافية الاجتماعية النسوية –أو هناك مراكز لتحفيظ القرآن– يجب أن تسيري أيضًا في هذا الطريق، لا تقيّدي نفسك، ولا تكوني أسيرة للرهاب هذا أنصحك به، وهو ضروري جدًّا، وهذا أولاً.

ثانيًا: تنظيم الوقت بصورة إيجابية وصحيحة من أفضل أنواع العلاج النفسي السلوكي، الإنسان حين ينجز وحين يرتب نفسه بصورة صحيحة –وأقصد بذلك أن يستفيد من الوقت بصورة علمية ومنضبطة–، والاستفادة من الوقت تعني كل شيء، تعني القيام بالواجبات المنزلية والراحة والاسترخاء، والقيام بالعبادات، والاطلاع، ليست كلها عمل ومشقة، إنما هي إنجازات طيبة وجميلة وفاعلة، فيا -أيتُها الفاضلة الكريمة- حين يُنجز الإنسان، ويأتي في نهاية الأمر ويجرد نفسه وحياته، يجد أنه يحس بالرضا تمامًا، هذه أشياء بسيطة لكنها مهمة تمامًا.

ممارسة الرياضة، أي رياضة تناسب الفتاة المسلمة أعتقد أنها فيها خيراً كثيراً لك، وإجراء الفحوصات الطبية والروتينية أنصحك به، خاصة أن وجود التكاسل، وضعف التركيز كثيرًا ما يكونان مرتبطًين بضعف الدم أو ضعف إفراز الغدة الدرقية، لا أعتقد أنك تعانين من هذه الأشياء، لكن الضوابط العلمية الرصينة تحتم دائمًا أن تكون هنالك فحوصات دورية.

بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا لا أريدك أن تتخذي موقفًا مضادًا ضد الأدوية، ولا أريدك أيضًا أن تعتبري نفسك أنك أسيرة لها، لا، الأدوية مهمة، لأنها تقضي على الجانب البيولوجي في المرض، والإنسان يمكن أن يتخلص منها من خلال تطوير آلياته السلوكية، وذلك استنادًا على تغيير نمط حياته وجعلها مفعمة بالإيجابيات والأنشطة كما ذكرنا.

أعتقد أن عقار مثل (بروزاك) الذي يعرف علميًا باسم (فلوكستين)، سيكون جيدًا جدًّا معك، لأن الفلوكستين له ميزة جميلة، وهي أنه يحتوي على إفرازات ثانوية، تجعل الإنسان لا يحس أبدًا بآثار انسحابية حين يتوقف عنه، فهو فعاليته طويلة وبعيدة المدى، فإن شئت –أختِي الكريمة – يمكن أن تجربيه بجرعة كبسولة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعليها كبسولة يومًا بعد يوم –مثلاً- لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم توقفي عن تناول الدواء.

نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، ونشكرك على ثقتك في موقعك هذا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً