الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفض الأهل الزواج إلا من القبيلة

السؤال

أنا فتاة أبلغ من العمر (29) عاماً، لدي مشكلة في رجلي سببت لي عرجا؛ سببها خطأ طبي، منذ الصغر أجريت (4) عمليات تحسنت فيها، ولكن لا زلت أعرج.. موظفة في القطاع الخاص جميلة جداً ورشيقة وذكية، فأنا من القائمات على إعداد المناهج، وصبورة جداً ولله الحمد، مشكلتي أنني أشعر بخوف شديد وعدم الرغبة في عمل أي شيء، بدأ ذلك منذ أربع سنوات تقريباً، وزاد عندما تزوجت أختي الصغرى منذ عامين، شعرت بالنقص وعدم تقبل الواقع؛ إذ أن زوجها أرمل وكبير، ولكن رفضني لأني عرجاء.

تقدم لي عدة أشخاص كل منهم أفضل من الآخر، لكن كان يتم الرفض من قبل الأهل إذ الشرط الرئيسي أن يكون ( قبيلي ) وكلهم خلاف ذلك .. طبعاً لم يتقدم لي من الأقارب أحد .. وتأزمت حالتي منذ أكثر ثمانية أشهر تقريباً،ً إذ تقدم لي شخص ملتزم قبيلي معدد، يريد أن أكون الزوجة الثالثة له، وفي أثناء ذلك تقدم لي شخص في مثل عمري ضعيف السمع وخجول كما عبر والداه والجيران عندما سألنا عنه طبعاً، ألح والدي علي بالارتباط بالآخر، ورفض المعدد خوفاً علي من الضرة، وكنت أرى ذلك إذ أننا متوافقان تقريباً.

المفاجأة كانت أيام الملكة إذ كان يأتي لزيارتنا فأشعر بأنه متذبذب الأفكار، وكنت أعلل ذلك بسبب الخجل إلى أن تم الزواج، وكانت الصدمة إذ كان يقوم بحركات غريبة يدور ويتحدث إلى نفسه، ولم يلمسني أو يتحدث إليّ، سافرنا اليوم التالي وطوال سفرنا وهو يتحدث إلى نفسه، ولا يتكلم معي، لا يدبر الأمور، ولا يهتم بنظافته، ولا يحاول لمسي، تحملت ذلك إلى أن عدنا فأخبرتني والدته أن لديه موعداً مع طبيب نفسي، وعندما ذهبت إليه أخبرني بأنه مصاب بفصام مزمن منذ المراهقة يجعله كالطفل،ولكن تحسنه ضعيف جداً كما أن الأمور الجنسية والإنجاب يمكن أن يتحسن بالأدوية فسألته هل أستمر؟ فقال: على راحتك فالقرار بيدك، قرأت كثيراً عن الفصام ووجدت أن من المستحيل استمرار العيش معه، فطلبت الطلاق وتم.
أنا الآن مشتتة التفكير، وفي كثير من الأحيان أبكي وأشعر بالندم لأني لم أقبل بالمعدد .. وفي أحيان أخرى أندم على الزواج من الآخر .. وأحياناً أندم لأني تخليت عنه.

كما أني بعد انتهاء العدة أشعر بضيقة شديدة لا أتمكن من خلالها من النوم أو الأكل، ففقدت كثيراً من وزني، وليس لدي رغبة في العمل، أتألم لأني أضفت إلى العرج الذي في رجلي صفة سيئة أخرى وهو كوني مطلقة.. صحيح أني مطلقة وأنا بكر لكن هذا اللقب يضايقني وأتألم عند كتابته أو التلفظ به .. أشعر بألم شديد عندما أرى زميلاتي في العمل فلقد تزوجنا معاً (11) معلمة وأنا فقط من حدث لها الطلاق .. أشعر بحرقة وهم يتحدثون عن غزل أزواجهن بهن وأمورهن الخاصة، وأتألم أكثر عندما أراهن يمررن بمراحل الحمل وأقول لو لم أتطلق لكنت مثلهن ..لماذا أنا فقط؟!! أشعر بحزن شديد إذ أتمنى أن يكون لي زوج وأطفال وأسرة سعيدة، ولكن الآن فقط فقدت الأمل، فلقد قاربت الثلاثين وعرجاء ومطلقة، وشرط أهلي العسير ( قبيلي )، فلا أستطيع النوم أو الأكل أو العمل، وأشعر بخوف شديد من المستقبل، وفكرة الزواج تسيطر عليّ، ولكن لا أمل رغم أني ملتزمة ومحافظة على الدعاء.. وجهوني جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تطوير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله العظيم أن يجعلكِ ممن إذا أعطي شكر، وإذا مُنع صبر، وإذا أذنب استغفر، وأن يلهمك السداد، وأن ينفع بك بلاده والعباد.
إن الله سبحانه إذا حرم الإنسان من نعمة عوضه بنعم عظيمة، ونعم الله مقسمة، وهو سبحانه القائل: ((وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ))[النحل:71] وهو القائل: ((يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ))[الشورى:49]، وقد منح سبحانه بعض الناس الجمال والذكاء والوظيفة وحرمهم العافية، ومتع بعض الناس بالعافية والمال وحرمهم من الولد، فسبحان من ((لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ))[الأنبياء:23].

والسعيد هو الذي يرضى بقسمة الله، ويقبل على طاعة الله ويرسم طريقة وفق منهج الله، و(إذا أصبح الإنسان آمناً في سربه، معافاً في بدنه عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).

ولا داعي للانزعاج، (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن).

واعلمي أن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وأن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، فمن رضي فله الرضا -وأمر الله نافذ- ومن سخط فعليه السخط والخسارة - وأمر الله نافذ.

وأرجو أن تنظري للحياة بأمل جديد وبروح جديدة، ولا تقولي لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن رددي في يقين "قدر الله وما شاء فعل"، فإن لو تفتح عمل الشيطان، وهمّ الشيطان أن يحزن أهل الإيمان: ((وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ))[المجادلة:10].

وليس من مصلحتك كثرة التفكير وإعطاء الأمور أكثر مما تستحق، فإن الإنسان في هذه الحياة خلق لغاية عظيمة، وهي عبادة الله، وتكفل رب العز بالأرزاق والآجال، فأشغلي نفسك بما خلقك الله له، واعلمي أنه (لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها)، فاتقي الله واحرصي على ما ينفع، ولا تنظري إلى من هم أعلى، ولكن انظري إلى من هم أقل في العافية والمال والولد، حتى تتمكني من شكر الله، وهذا هو توجيه رسول الله الذي كان يتكلم بوحي الله.

وما من إنسان في هذه الدنيا إلا وهو يشعر أنه في نعيم ناقص وعرض زائل، ولو كانت الدنيا كلها لشخص واحد لما كان بها غنياً، كما قالت المرأة الصالحة فقيل لها: ولم؟ فقالت: (لأنها تفنى ولأنها لا تكفيه) .

واحرصي على شكر نعم الله عليك لتنالي المزيد، وتحفظي ما عندك من النعم، وعليك بكثرة الاستغفار، والصلاة على النبي المختار، فإن ذلك يدفع الهموم، ويجلب الأموال والأولاد والأمطار.

ونوصيك وأنفسنا بوصية الله للأولين والآخرين قال تعالى: ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ))[النساء:131]، وأبشري فإنه (( مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ))[الطلاق:2-3]، (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ))[الطلاق:4].

والله ولي التوفيق والسداد!

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً