الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حالتي غير مستقرة وأعاني من اكتئاب وانعزال!

السؤال

توقفت عن العمل منذ أكثر من ثلاث سنوات، وكنت في وظيفة ممتازة، بسبب إصابتي بضغوط نفسية أدت إلى الإصابة بمتلازمة القولون العصبي، وظللت في غرفتي في المنزل لأكثر من ثلاث سنوات، لا أفعل شيئًا، وزاد الأمر حتى أصبت باكتئاب حاد، تم تشخيصه بوسواس قهري rumination OCD وبدأت العلاج بجرعة ٤٠ مج بروزاك، ودوجماتيل ٥٠ مج، وتحسنت الحالة خلال أيام، وبدأت في الصلاة وممارسة الرياضة، ورغبة ملحة في التواصل مع الجميع.

بعد شهر قام الطبيب المعالج بتغيير -الدوجماتيل بابليفاي ٥ مج - لمساعدتي على الإعداد للالتحاق بعمل، فبدأت بعض الكورسات إلا أنني كنت أشعر بمعاناة شديدة في التركيز والتحصيل؛ مما شكل عبئًا نفسيًا عليّ، وإحساسًا بالخمول والميل للنوم، وحضرت مقابلتين شخصيتين للعمل، ولم أوفق لعدم شعوري بالثقة في النفس، وإحساسي بعدم الجاهزية لمثل هذه الضغوط.

بعد أربعة أشهر من العلاج بدأت أعراض الاكتئاب مرة أخرى بالميل للانعزال، وعدم الرغبة في عمل أي شيء، أو الاستمتاع بأي شيء، فقمت بإيقاف -ابليفاي- بناء على توجيه الفريق الطبي المعالج، إلا أنني ما زلت في نفس الحالة، ولا أرغب في عمل أي شيء، وقمت بتأجيل كل شيء حتى أتحسن، ولكني لا أدري ما سبب الانتكاس؟ وماذا أفعل للخروج من هذه الحالة الاكتئابية غير المستقرة؟

أرجو العون؛ حتى لا تسوء الحالة، وأعود مرة أخرى للأفكار السوداء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مهند حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في إسلام ويب، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أخي: وجود القولون العصبي -أو العُصابي- طبعًا يدلُّ على وجود بعض القلق النفسي، وأنت ذكرت أيضًا أنك أُصبت باكتئاب حاد، وتمّ تشخيصك أيضًا بالوسواس القهري، وأرجو ألَّا تنزعج لهذه المسميات، أنت لست لديك تشخيصات متعددة، هي بوتقة واحدة، غالبًا يكون لديك تبادل في الأعراض، هذا يحدث لبعض الناس، فقد يأتي القلق، ثم المخاوف، ثم الوسوسة، ثم الاكتئاب، وهكذا، ويختفي هذا ويأتي ذاك، وإن وجدت مع بعضها البعض تكون متفاوتة في الحِدّة والشِّدة، البعض يُسميها بالاضطرابات الوجدانية، وكثير من الناس ينزعج، ويعتقد أن لديه تشخيصات متعددة، هي ليست كذلك.

أخي الكريم: قطعًا وضعك الآن فيه مؤشرات على وجود مزاج اكتئابي، وأعتقد أنت محتاج أن تتخلص من الفكر السلبي، من الفكر السوداوي، وذلك من خلال النظرة الإيجابية نحو الحياة، والإنسان أصلاً من الناحية السلوكية هو عبارة عن مثلث (الضلع الأول هو ضلع الأفكار، والضلع الثاني ضلع المشاعر، والضلع الثالث ضلع الأفعال)، والحمد لله تعالى الله تعالى خلق الكون في ثنائية، كل شيءٍ يُقابله بشيء، يعني: إذا فكّرت مثلاً في الحزن والكرب، يوجد أيضًا الفرح وتوجد السعادة، إذا فكّر الإنسان في الشر فالخير موجود، وإذا فكّر في المرض فالصحة موجودة...وهكذا.

دائمًا بعض الناس يُصابون بالاكتئاب ليس لأن علّتهم الأساسية هي المزاج، لا، تكون العلّة الأساسية هي الأفكار، الأفكار السوداوية والأفكار السلبية، حين لا يتحكّمون فيها أو يزيلونها يُدخلهم هذا في مزاج اكتئابي، وطبعًا الاكتئاب حين يحدث يؤدي إلى المزيد من الفكر السلبي.

فيا أخي الكريم: أرجو أن تكتب كل الأفكار السلبية التي تعاني منها، وتكتب ما يُقابلها من أفكار إيجابية، وتقوم بشيء من التحليل الذاتي، وأن تقنع ذاتك بأن الجانب الإيجابي هو الذي يجب أن تتمسّك به، ونفس الشيء بالنسبة للمشاعر.

أمَّا بالنسبة للأفعال - وأقصد بذلك الأنشطة اليومية المطلوبة - طبعًا حين يكون الإنسان في مزاج سيئ وشعور سلبي وفكر سلبي تقلُّ فعالياته، لكن نحن نقول للناس: مهما كانت أفكاركم سلبية، ومهما كانت مشاعركم غير جيدة؛ يجب أن تحرصوا كثيرًا على أن تكونوا فعّالين وتفعلوا ما ينفع في دينٍ أو دنيا، لا تتركوا واجباتكم أبدًا.

الإنسان ينام ليلاً مبكّرًا، ويتجنب السهر، أي النوم الليلي المبكّر يكون مطلوبًا، يستيقظ صباحًا مبكّرًا، يؤدي صلاة الفجر حاضرًا، وبعدها يُجبر نفسه على بعض الواجبات، وهذا سوف يؤدي إلى تشجيع كبير جدًّا للإنسان، فيبدأ الإنسان يحس بالمردود الإيجابي؛ حيث إنه استيقظ مبكّرًا وأدى الصلاة، وبالنسبة للطالب مثلاً يمكن أن يُذاكر في ذاك الوقت، وبالنسبة للإنسان الذي يعمل يمكن أن يحضّر نفسه للعمل...وهكذا.

فإذًا: حُسن إدارة الوقت، والإصرار على الفعاليات، وهكذا في بقية اليوم -أخي الكريم- الإنسان يحرص على أن يكون مفيدًا في عمله وجيدًا وماهرًا في عمله، وأنت الآن ذكرت أنك لا تعمل، فأرجو -أخي الكريم- أن تبحث عن عمل، العمل جزء أساسي في تأهيل الإنسان، خاصة حين يكون الإنسان يعاني من الاكتئاب.

نعم أنا أعرف أن ظروف العمل قد لا تكون متيسرة في بعض الأحيان، لكن الإنسان يبحث ويبحث ويسعى إلى أن يجد العمل.

فإذًا: الإصرار على تفعيل ضلع الأفعال يُعتبر علاجًا رئيسيًا للاكتئاب، وطبعًا التواصل الاجتماعي، القيام بالواجبات الاجتماعية، مهما كان مزاجك سيئًا لا تتخلف أبدًا عن أي واجب اجتماعي، تُلبي دعوات الأفراح، تُقدّم واجبات العزاء، تصل أصدقاءك، تصل أرحامك، تزور المرضى، تخرج مع الأصحاب من أجل فترة للرفاهية الجميلة.. وهكذا.

فإذًا الإصرار على أن تكون فعّالًا، وتحرص على الرياضة؛ فهي مهمّة؛ لأنها تقوّي النفوس قبل أن تقوّي الأجسام.

أنا أعتقد أن هذا هو علاجك الرئيسي، والذي يجب أن تعتمد عليه تمامًا.

أمَّا بالنسبة للدواء فيمكن أن تجعل جرعة الـ (بروزاك) ستين مليجرامًا، أنا طبعًا فهمت أنك لا زلت على البروزاك - أي الفلوكستين - وهو دواء رائع جدًّا، اجعله ستين مليجرامًا، ويمكن أن تدعمه بـ (دوجماتيل) بجرعة خمسين مليجرامًا يوميًا، جرعة واحدة صغيرة لشهر إلى شهرين، بعد ذلك توقف عن الدوجماتيل، والدوجماتيل لديك تجربة إيجابية معه فيما سبق، وهو بالفعل دواء مفيد جدًّا لكثير من الناس، لكن الجرعة العلاجية الصحيحة في حالتك في هذه الفترة يجب أن تكون ستين مليجرامًا من البروزاك، علمًا بأن الجرعة الكلية هي ثمانون مليجرامًا - أي أربع كبسولات - لكنك لست في حاجة لهذه الجرعة.

ركز - أخي الكريم - على العلاجات غير الدوائية، طبعًا بجانب تناول الدواء، وإن شاء الله تعالى تحقق نتائج علاجية رائعة جدًّا.

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً