الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أحب إجابة من يسأل عن خصوصياتي، فما توجيهكم؟

السؤال

هل يجوز الكذب في المشاعر، أو في الحياة الشخصية حين يسأل شخص عنهما؟ عندما يراني شخص حزينة ويسألني إن كنت كذلك، فإني أقول: لا، وأقول: إنني متعبة فقط؛ لأنني لا أحب أن أقول أي شيء عني إلا لله، وعندما يسألني شخص عن حياتي الشخصية، فإني لا أحب أن أقول أي شيء في ذلك، ولكنني لا أريد إحراج السائل فأكذب، ولكن لا أقصد أي سوء أبداً، فما حكم ذلك؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك - بنتنا الفاضلة - في الموقع، ونشكر لك هذا السؤال الرائع، ونسأل الله أن يهدينا جميعًا لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو، وأن يصرف عنَّا سيء الأخلاق والأعمال؛ لا يصرف عنَّا سيئها إلَّا هو.

نحن بلا شك بحاجة إلى أن نُربّي أنفسنا والآخرين على قول رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (مِنْ ‌حُسْنِ ‌إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ) إنَّ هذا الفضول الزائد من الناس والتدخُّل في خصوصيات الآخرين ممَّا يُزعج، ونحن بحاجة إلى تربية رائعةً في هذا الجانب، حتى يحرص المؤمن على ألَّا يسأل فيما لا يعنيه، على ألَّا يُدخل الناس في الحرج بأسئلته الخاصَّة جدًّا وتدخُّلاته في شؤونهم.

الإنسان ليس مطالبًا بأن يعترف للناس بأحزانه وأفراحه وكل ما عنده، وأسعدنا أنك تقولين: لا أريد أن أبوح بذلك إلَّا لله وحده، الذي يعلم السر، الذي ننتظر منه الفرج، الذي ننتظر منه التوفيق والمعنويات المرتفعة، ونسأل الله أن يفقهنا في الدّين، وأن يُلهمنا رُشدنا، وأن يُعيذنا من شرور أنفسنا.

لا مانع للإنسان من أن يستخدم المعاريض، ففيها مندوحة عن الكذب، ولا مانع من أن يُداري الإنسان في مثل هذه الأشياء، فليس مطالبًا بأن يتشكَّى للناس، يُظهر لهم ما عنده من آلام وأحزان؛ لأنك لا تجد في الناس غالبًا إلَّا شامتًا، أو إلَّا ناقلًا لخصوصيات الإنسان للآخرين، ونسأل الله أن يُعيننا على تجاوز هذه الصعاب التي نواجهها؛ لأن وجود الإنسان بين الناس له ثمن وله ضريبة، ومع ذلك فالمؤمنة التي تُخالط وتصبر خيرٌ من التي لا تخالط ولا تصبر.

إذا دارى الإنسان لآلامه بأن قال: (أنا متعب، وعندي ظرف، أو هذه الدنيا نسأل الله أن يُخرجنا منها سالمين، وهموم الدنيا كثيرة، ليس في الدنيا ما يُفرح) هذا كلُّه من الكلام الذي يمكن أن يُورّي به الإنسان، حتى لا يُظهر ما عنده من مشاعر؛ لأن السؤال عن الحياة الشخصية أصلًا هو ليس سؤالاً صحيحًا، ولسنا ملزمين بأن نُجيب عنه الإجابة الصحيحة الدقيقة، لكن نستخدم التورية، نستخدم المعاريض، وسعدنا أنك لا تريدين أن تُحرجي السائل، ولكن ينبغي للإنسان أن يختار الألفاظ الدبلوماسية التي تعطي دلالات مختلفة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على تجاوز هذه الصعاب، وأن يُعيننا على تربية أنفسنا، فـ «مِنْ ‌حُسْنِ ‌إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ».

الذي يشغل نفسه بما لا يعنيه يُضيّع المهمّة التي خُلق لأجلها، ألَا وهي: {وما خلقتُ الجنَّ والإنس إلَّا ليعبدونِ}، ويُقصّر فيما يعنيه وفيما يُسأل عنه بين يدي الله تبارك وتعالى، فإن كلٌ مِنَّا رَاعٍ ‌وَمَسْؤُولٌ ‌عَنْ ‌رَعِيَّتِهِ، و«كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

اللهم أشغلنا بطاعتك، واشغلنا بعيوبنا عن عيوب غيرنا، وألهمنا جميعًا السداد والرشاد، إنك على كل شيءٍ قدير، وشكر الله لك هذا السؤال.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً