الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماضي خطيبي يؤرقني رغم أنه قد تاب والتزم قدر استطاعته!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا مكتوب كِتابي على شخص، وأرغب في استشارتكم: هل أكمِل معه أم لا؟

1- هو شخص كريم وخلوق، وأهله محترمون، ووضعه المادي متوسط.

2- تقدم لي الكثير من الخُطّاب من قبل، وكنت أرفض وأنتظر شخصًا على قدر من الدين والخلق، وعندما قابلته، شعرتُ أن فيه تدينًا جذبني إليه، وقد أخبرني بأنه يحرص على صلاة الفجر في المسجد، وأنه يجتهد قدر استطاعته في الالتزام بدينه.

3- عندما تعرّفتُ عليه أكثر، أخبرني كيف كان في شبابه طائشًا، لا يُصلّي، ويدخّن، ثم تاب عن ذلك، وترك التدخين؛ لأنه يراه حرامًا، وبدأ يلتزم بالصلاة، ويحاول قدر المستطاع أن يؤدي الصلوات في المسجد جميعًا.

4- يُحبّني كثيرًا، ويعبّر عن مشاعره بصدق.

5- دائمًا يطلب مني أن أُوقظه لصلاة الفجر؛ لأن نومه ثقيل جدًّا، خاصةً أنّه يعمل 16 ساعة يوميًّا، فيكون مرهقًا جدًّا عند النوم.

6- ولهذا أصبح من النادر أن يُصلي الفجر في المسجد، وكثيرًا ما لا يسمع رنّة الهاتف من شدّة التعب، وأخبرني كيف كان مُهملًا في دراسته في السابق، وكان يغشّ ويُضيّع وقته، وهو الآن نادم على ذلك، ويحاول أن يُعوض ما فاته، ويعمل على تطوير نفسه.

6- منذ فترة رأيتُ شقيقه، وهو شخص وسيم، ملتزم جدًّا، ومتفوق في دراسته وعمله، كما أنه لطيف في أسلوبه، ولا يملك ماضيًا سيئًا، وهو الشخص الذي يوقظ خطيبي باستمرار لصلاة الفجر، وخطيبي كثيرًا ما يقول لي: إنه يقتدي به، ويحاول أن يلتزم مثله، وعندما نخرج في جلسة عائلية، يلفتني إلى أنه يترنّم بتلاوة القرآن، ويُكثر من ذِكر الله.

الاستشارة هي: أن الزواج يجب أن يختار الإنسان فيه الشخص الذي يُملأ عينه، ويرى فيه المواصفات التي كان يبحث عنها.

أنا بعد معاشرتي له فترة، اكتشفتُ أن هناك الكثير من الأمور التي لم أكن أريد أن أقبل بها في شريك حياتي، وهذه الصفات لا تناسبني على الإطلاق، مثل ماضيه، كونه لم يكن ملتزمًا، وعدم حفظه للقرآن مثل أخيه.

كنت أتمنى أن أجد شخصًا يُوقظني لصلاة الفجر، وليس أن يكون على هذه الدرجة من الوسامة، أو الوضع المادي، وأحيانًا يقول لي: لا تختاري شخصًا لا يملأ عينك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سما حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لكِ الاهتمام، وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يقدّر لكِ الخير، وأن يصلح الأحوال.

وشكرًا لك على الثناء الجميل على هذا الذي تقدم لخطبتك، ونعتقد أن الشروط الأساسية الجميلة متوفرة فيه: الدين، والأخلاق، والحرص، وأيضًا ينبغي أن تتذكري أنك لن تقابلي رجلًا بلا عيوب، كما أنك لستِ خالية من النقائص، فنحن بشر رجالًا ونساءً النقص يطارنا.

كذلك لا بد أن تعلمي أنه لا عيب في من كان له ماضٍ ثم تاب، في الحديث:"التوبة تَجُبُّ ما قبلها"، و"التائب من الذنب كمن لا ذنب له".

والتزام الرجل بالصلاة في المسجد بما فيها صلاة الفجر، من الأمور المهمة، وكونه يطلب منك أن تعينيه، ويطلب ممن حوله ومن شقيقه أن يوقظه وأن يشجعه؛ فهذا دليل خير، وليس دليل نقص، والنساء شقائق الرجال، والمرأة تكمل زوجها، "وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً ‌قَامَتْ ‌مِنَ ‌اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى، فَإِنْ أَبَى نضحت فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ"، هكذا في توجيهات النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: "إِذَا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ مِنَ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ كُتِبَا ‌مِنَ ‌الذَّاكِرِينَ ‌اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ" [رواه ابن ماجه].

فالإنسان عندما يتزوج يريد أن يُعين ويُعان، وكل إنسان ينبغي أن يكمل نقص الآخر، هكذا تكون الحياة الزوجية السعيدة.

ونودّ أيضًا أن ننبّه إلى أهمية ترك المقارنة، وغضّ الطرف عمّا سوى الزوج نفسه؛ فالله تعالى قد قسم النعم، فقد يكون الإنسان وسيمًا لكنه بخيل، وقد يكون وسيمًا لكنه يحمل عيوبًا أخرى، وقد يكون أقل وسامة لكنه كريم وله إيجابيات ومواقف تستحق التقدير؛ لذا ينبغي للإنسان أن ينظر إلى الصورة الشاملة، ولا يركز على صفة واحدة فقط.

وليس المهم في الرجل أن يكون فائق الجمال، ولكن المهم أن يكون كامل الرجولة، وأن يكون صاحب مواقف، أن تكون عنده مروءة، وله وجاهة في المجتمع، وأن يكون عنده غيرة على أهله، فهذه هي الصفات التي ينبغي أن تبحث عنها كل فتاة مسلمة.

والزواج من تقدير الله -تبارك وتعالى-، ولذلك نحن لا نؤيد التردد في القبول بالخاطب المذكور، خاصةً وأنتِ رددتِ الكثير من الخُطَّاب، حتى أتى من أُعجبتِ به، ثم لما رأيتِ الآخر قارنتِ، وهذه المقارنة تترك آثارًا سلبية، والمقارنة ظالمة في كل الأحوال، لأننا نقارن من نعرفه بمن لا نعرف عنه إلَّا ما ظهر من حاله.

أيضًا لا بدّ أن ندرك أن الله ميّز كل إنسان بميزات لا توجد عند غيره، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}، فكل إنسان له جوانب فُضّل فيها على غيره.

وأيضًا بالنسبة للوضع المادي ومسألة الالتزام: فكل هذه الأمور تُيَسَّر بإذن الله وتأتي، فالالتزام هو من توفيق الله، ويأتي بالتعاون على البرّ والتقوى، أما الأمر المادي: فكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافٍ الثَّلَاثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافٍ الْأَرْبَعَةِ".

فتعوذي بالله من الشيطان الذي يريد أن يشوش عليك، لأن الشيطان دائمًا يزيّن لنا الحرام، ويبغض إلينا ما أحل الله لنا، كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إن البغضاء من الشيطان، يريد أن يبغّض إليكم ما أحل الله لكم".

وعليه فنحن نشجعك على إتمام الأمر مع هذا الخاطب الذي طرق بابك، والذي جذب انتباهك، وكان الانطباع الأول عنه جميلًا، وهذا مما يُبنى عليه، فإن القبول والارتياح والانشراح الذي يقع في اللحظة الأولى في النفس، هو الذي نبني عليه.

ونسأل الله أن يجمع بينكما في خير، وعلى خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً