الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجتي صارحتني بأنها تنفر مني لشكلي فنفرت منها، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا متزوج منذ سبع سنوات، ورُزقنا خلالها بطفلين، ولكن منذ بداية الزواج أشعر أن زوجتي لا تحبني، وأنها غير سعيدة معي، وقد صارحتني في وقت سابق بأن أهلها أجبروها على الزواج بي.

حاولت التعامل معها بلين ورحمة، وقلت في نفسي قول الله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم}، لكن لم أجد أي نتيجة تُذكر.

عرضت عليها الطلاق بالمعروف، وقلت لها إنني لا أريد أن أكون سببًا في تعاستها، لكنها رفضت الطلاق، وقالت إنها لا ترى فيه حلاً، واستمر الحال كما هو.

رزقنا الله بمولودة وظننتُ أن مشاعرها قد تتحسن، لكن حالتها النفسية ازدادت سوءًا، ثم جاء المولود الثاني، فظننت أن سعادتها ستزداد، لكن للأسف الأمر ازداد سوءًا وتعقيدًا.

عندما تحدثت معها مجددًا، قالت لي إنها لا ترى مشكلة حقيقية، وإنني -في نظرها- مصدر أمان ورعاية، وأقوم بكل واجباتي الزوجية، من حيث تربية الأبناء، وبر الوالدين، ومساعدة أهلها أيضًا.

لكن المشكلة التي اعترفت بها هي أنها لا تنجذب إليّ شكليًا، وقالت إن شكلي وملامحي ليست جذابة بالنسبة لها، وهذا ما سبب لها نفورًا داخليًا.

عرضت عليها الفراق مجددًا حفاظًا على كرامتي، لكنّها لا ترى في ذلك الحل المناسب، وترى أن أهلها هم السبب، وأنهم ظلموها بإجبارها على هذا الزواج، وبالتالي ظُلمت أنا أيضًا.

هي تقول إنها تتمنى أن تكون زوجة صالحة، ولكنها لا تستطيع، ودخلت فعليًا في حالة اكتئاب واضحة، وأصبحت تقرأ كثيرًا وتشاهد مقاطع عن الاكتئاب والوسواس القهري، ومع الوقت تتدهور حالتها النفسية أكثر فأكثر.

عرضتُ عليها الذهاب إلى طبيبة نفسية، لكنها رفضت بسبب التكلفة المادية، ولعدم ثقتها بالأطباء النفسيين.

أما أنا، فقد بدأتُ أيضًا أشعر بالنفور منها، وأصبحت العلاقة الزوجية شبه منعدمة، وبدأت أفكر جديًا في الطلاق، لكن يؤرقني أمر الأطفال، ولا أعلم كيف سيتأثرون بذلك، وسؤالي:

- ما الحل؟ هل أستمر في زواج يفتقر إلى المشاعر والأمان النفسي؟
- أم أتخذ قرار الطلاق رغم وجود الأطفال؟
- أم أصبر؟ وكيف أصبر إن كانت العلاقة الحميمية والعاطفية شبه معدومة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك، وأسأل الله أن يفرّج كربك، ويشرح صدرك، ويكتب لك الخير حيث كان.

لقد قرأنا رسالتك بكل تقدير، وظهر لنا أنك رجل عاقل، متزن، مراعٍ لحقّ الله وحقّ الناس، وأنك لم تكن سببًا في معاناة زوجتك، بل كنت تسعى في البرّ بها، وصون العشرة معها، رغم مشاعر الجفاف التي عانيت منها، ونسأل الله أن يكتب لك الأجر.

واسمح لنا أن نضع لك عدة وقفات دقيقة:
أولًا: افهم طبيعة المأزق النفسي الذي تمر به زوجتك:

زوجتك -بحسب ما وصفت- لا ترفضك كشخص، بل تعيش صراعًا داخليًا بين ما تشعر أنه ظلم من أهلها فُرض عليها، وبين نفس لم تتكيّف تمامًا بعد، فصار عقلها يقول نعم، وقلبها لا يشعر بشيء.

وهذا النوع من الاضطراب العاطفي هو ما يسمّيه بعض المعالجين النفسيين بـ "الإغلاق العاطفي" فهي لا تبغضك، ولكنها تشعر أنها بلا شعور، وهذا مربك جدًا لها، ويشعرها أنها "آثمة" رغم أنك لم تظلمها.

ثانيًا: مشكلتكما مركّبة من ثلاث طبقات:
- جفاف عاطفي مزمن: أساسه فعل أهلها .
- حالة اكتئاب متطورة: بدأت بصمت، وتراكمت مع الإنجاب والضغوط.
- اضطراب العلاقة الزوجية المتبادل: حيث بدأت أنت أيضا تنفر، وتستشعر عدم الأريحية.

ولذلك، لا تحاول أن تجد حلًا سحريًا في جلسة حوار أو مصارحة واحدة؛ لأن العلاج سيكون متدرجًا وطويلاً.

ثالثًا: قبل قرار الطلاق، جرب هذه الخطوات العملية:

1. جلسة صريحة لكنها رحيمة: اختر وقتًا هادئًا، وقل لها بهدوء: "أنا أعلم أنك متعبة، وأشعر أنك لست مرتاحة، وربما لم تكوني سعيدة معي منذ أول يوم، أنا لا أريد أن أكون عِبئًا عليك، ولا أن أعيش معك وأنتِ حزينة، لكن لدينا الآن والدان، فلو كان في قلبك أي رغبة في أن نحاول معًا -ولو من جديد- فأنا مستعد، بشرط أن تشاركيني في خطة للعلاج النفسي والعاطفي، وإن لم يكن في قلبك استعداد، فدعينا نفترق باحترام، بلا جرح ولا ندم، حفاظًا على كرامتنا وراحة أولادنا".

هذه الجملة قد تكون كاشفة، وقد تفتح قلبها للخضوع للخطة العلاجية.

2. العلاج النفسي ضرورة لا ترف: جرّب أن تعرض عليها طبيبة من بيئة دينية أو موثوقة.

3. حافظ على أبنائك: مهما بلغ الأمر، لا تفكر في الطلاق قبل ضمان استقرار الأولاد نفسيًّا، وإن انفصلتما- لا قدر الله- فاجعل الأمر بهدوء وتفاهم على الأبناء، لا نزعًا ولا خصامًا.

رابعًا: حافظ على الرقية الشرعية لك ولها، وقراءة سورة البقرة في البيت كل ليلة، والمداومة على الأذكار صباحًا ومساءً.

خامسًا: إن مضيت في الطلاق، فليكن بطريق سويّ:
- لا تطلقها كردة فعل عاطفية مؤقتة.
- لا تطلقها قبل تحديد مصير الأطفال والنفقة والحضانة.
- استخر الله، واستشر من حولك من أهل الدين والعقل.

خامسًا: لا تظلم: فإن الله أمر بالرحمة، وأنت قد صبرت على ما مضى، واستنفدت وسائل العلاج، فإن حدث الفراق فقد يكون هو الخير لكما، وقد قال الله: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ [النساء: 130]، وأنت كما قال الله تعالى: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق: 1].

نسأل الله الكريم أن يقضي لك ولها الخير، وأن يرزقكما الصلاح في الحال والمآل والله الموفق، آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً