الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي يعاملني بقسوة ويوبخني كثيرًا، فهل أطلب الطلاق؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا متزوجة منذ سنتين، وزوجي يعاملني بقسوة، وينتقد أي شيء أفعله، مهما كان بسيطًا، وإن أخطأت، لا يبيّن لي خطئي بهدوء، بل يوبخني بعنف، وقد يطردني من الغرفة، أو يضربني على وجهي بيده، وينتقدني كثيرًا، ولا يعجبه أي شيء أفعله، وإن مزحت معه، أو أخطأت، يبدأ في السباب، بكلمات مثل: حمارة، غبية، كلبة، ويقلل من شأني، ويقول أحيانًا كلامًا فاحشًا لا يسعني ذكره.

يسخر مني لأنني أحب دروس العلم ومتابعة المشايخ، وهو ملتزم بالصلاة فقط، لكنه لا يقرأ القرآن، ولا يصلي الجمعة، ويتحجج بانشغاله في العمل، ويجبرني كذلك على الاختلاط بأولاد عمومته.

يعاملني باحتقار، فلا سند لي هنا، إضافة إلى أنني يتيمة، ويبدو عليّ الضعف، ويُعيّرني بأنه قبل بي لأنه يشفق عليّ؛ لكوني يتيمة، ولهذا -كما يقول-: يبقيني عنده.

رغم أنني أفعل كل ما يطلبه، وأخطائي بسيطة جدًّا، إلا إنه مقتنع بأنني مقصّرة، وأنه يعمل ويتعب أكثر مني.

وعدني قبل عقد الزواج أنه لا يدخن ولن يدخن، لكن تبيّن لي العكس، أتحمّل ضربه وإهاناته، رغم أنني لا أستحق ذلك، وإن حاولت الدفاع عن نفسي بالكلام فقط، وإن بكيت، لا يكفّ عن توبيخي وإهانتي بالكلام، ولا يشفق عليّ مهما بكيت، حتى لو تفحّم وجهي وانتفخت عيناي!

أنجبتُ منه طفلًا واحدًا، وأنا أحبه كثيرًا، وأخشى عليه من كل شيء، وأفكر أحيانًا بطلب الطلاق، لكنني أخاف أن يعيش طفلي حياة الأسرة المفككة، خاصة أننا في الغربة.

أخاف إن طلقني أن يُبقي الطفل عنده ويُجبرني على البقاء هنا لتربيته، لأنني أرغب بشدة في العودة إلى بلدي، وهو لن يسمح لي بذلك، بل قالها صراحة: إنه سيطلقني ويرسلني إلى بلدي ويُبقي الطفل عنده، وهذا يرعبني، فأنا لا أطيق البعد عن طفلي ولو للحظة.

وأعيش هكذا بين نارين، فلا أعرف كيف أداوي قلبي، فإن كان لديكم أي رأي فأشيروا علي -يرحمكم الله-.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لجين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الفاضلة- في إسلام ويب، ونشكر لكِ الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يهدي زوجكِ لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو، ونسأله أن يعينه على الصلاة والصلاح والمراقبة لله تبارك وتعالى، ونسأل الله لكِ الثبات.

نحن لا نؤيد الاستعجال بفكرة الطلاق، وكنا بحاجة إلى عرض الصورة كاملة، إذا كان لهذا الرجل إيجابيات، ولو كانت قليلة، فإن الناس دائمًا لهم سلبيات، وفيهم إيجابيات، ومن المداخل المهمة إلى قلوبهم وإصلاحهم أن يعترف الإنسان بما عندهم من الإيجابيات، وبما عندهم من الحسنات.

وهنيئًا لكِ على صبركِ وطاعتكِ لله، فاستمري أولًا في الطاعات، وتوجهي إلى رب الأرض والسماوات، وحاولي تفادي ما يجلب لكِ المشاكل، وما يجلب لكِ الأزمات، وأطيعيه ما دام يأمر بطاعة الله، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة، مع بقاء الأدب والاحترام.

افعلي ما يرضي الله تبارك وتعالى، وحاولي أن تعامليه بما أنتِ عليه من الدين والأخلاق، ولا تهتمي بسبابِه أو كلامه، فإنه حسنات تأتي إليكِ.

نحن نُقدّر صعوبة الموقف، ولكن المتنبئ يقول: وَإِذَا أَتَتْكَ مَذَمَّتِي مِنْ نَاقِصٍ ... فَهِيَ الشَّهَادَةُ لِي بِأَنِّي كَامِلُ، فاستمري على ما أنتِ عليه من الخير، واهتمي بطفلكِ، وحاولي أيضًا أن تجعليه يقوم بواجباته الأخرى، من الإنفاق، والرعاية لهذا الطفل والاهتمام به.

ولا تُكثري من الحديث عن الطلاق، بل حاولي أن تُغيّري أسلوب تعاملكِ معه، واطلبي منه –بكل هدوء– أن يتقي الله فيكِ، وأن يعاملكِ بما يرضي الله، ولا تُظهري له ما تشعرين به من ضعف، أو خوف زائد على هذا الطفل، حتى لا يكون ذلك سببًا في مزيد من الضغط والمعاناة بالنسبة لكِ.

فالطفل هو ابنكِ، وهو أيضًا ابنه، نسأل الله أن يحفظه، ويعينكِ على تربيته تربية صالحة، قائمة على الدين والخير والطاعة لله تبارك وتعالى.

واعلمي أن ما يصدر عنه من سخرية أو إساءة، يجب أن توازنيه بميزانه الصحيح؛ فأنتِ زوجة له، والرجل إذا سخر من زوجته أو انتقصها، فكأنما ينتقص نفسه، وأنتِ أدرى بنفسك، وصاحبة نفسٍ عزيزة، واليُتم لن يكون ضعفًا، وما دمتِ مطيعة لله تبارك وتعالى، فالله معكِ.

ولكن نحن ندعوكِ إلى مزيد من التسلُّح بالصبر، وحاولي تغيير طريقة التعامل، وشجّعيه ليكتب إلينا إذا كان عنده ما يكتبه حتى نستمع إليه، وحاولي دائمًا عندما تكتبي مثل هذه الاستشارات أن تذكري الجوانب الإيجابية ولو كانت قليلة، حتى نستطيع أن نوازن، وحتى نضع معكِ خطة دعوية للإصلاح.

عمومًا نحن لا نؤيد فكرة الاستعجال بطلب الطلاق، وخاصةً والطفل الصغير يحتاج إلى بيئة مستقرة، وحاولي أن تفرحي بما عنده من الإيجابيات، وأشكري له ما يقوم به من المعروف والحسنات، واستمرّي في طاعتكِ لرب الأرض والسماوات، ثم تواصلي مع موقعكِ حتى نتعاون في وضع خطط دعوية أولًا.

واستبشري بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لَكِ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ"، فكيف إذا كان هذا الرجل هو والد هذا الطفل، وزوجك الذي اختارك، ونسأل الله أن يعينكِ على الصبر على هذه الصعوبات، وأن يلهمكِ السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادر عليه.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً