الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لست راضية عن شكلي منذ المراهقة، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم

أنا شابة في أواخر العشرينات، أعاني من كره شكلي منذ مرحلة المراهقة؛ بسبب تعليقات عائلتي وأصدقائي، حيث كانوا دائمًا يقولون لي إنني قبيحة، أو إنني بحاجة إلى إجراء عمليات تجميل لتحسين شكلي.

هذا الأمر أثّر عليّ كثيرًا، حتى أصبحت أكره النظر إلى المرآة، وأكره الذهاب إلى التجمعات العائلية أو لقاء صديقاتي؛ لأنني أعلم أنهم سيقولون لي كلامًا جارحًا؛ مما يجعلني أشعر بالنقص، كما أشعر بالابتعاد عن الله؛ لأنني أرى نفسي الوحيدة القبيحة في العائلة، ولا أعلم كيف أتصالح مع شكلي!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدى حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن من مظاهر عظمة الخالق الحكيم سبحانه وتعالى هذا الاختلاف والتباين الكبير الذي جعله بين مخلوقاته: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) [الروم: 22]، وهذا التفضيل الذي قدَّره بين عباده (وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ فِی ٱلرِّزۡقِ) [النحل: 71] (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ..) [الزخرف: 32]، والجمال نوع من أنواع الرزق والمعيشة.

ويترتب على إيماننا بهذا الأمر أن نلاحظ أوجه الإنعام والفضل الكثيرة علينا لنشكر الله عليها، وأن نتعرَّف على أوجه المنع ونتلمَّس ما فيها من حكمة، فإن لم نستطع إدراك الحكمة منها قابلنا ذلك بالصبر والرضا والتسليم، مع سؤال الله العِوَض الحسن عنها بنعم أخرى في الدنيا أو بالأجر العظيم في الآخرة أو بهما معا، وإن كانت هذه النعم مما يمكن أن نسعى إليه بالطرق الحلال سعينا إليها، وسألنا الله التوفيق والسداد.

وهذا الجزء من الإيمان وما يترتب عليه من الرضا لا يوفَّق له إلا المؤمنون، أما الكفار وضعاف الإيمان فإن الشيطان يستحوذ عليهم ويشغلهم بالتفكير في المفقود عن الشكر على الموجود، وينظرون إلى من أنعم الله عليه بهذه النعم نظرات حسد وكراهة لحكمة الله، فيعيشون في نكد وألم وتحسُّر، ويفقدون الطمأنينة وراحة البال التي لا تأتي إلا بالأخذ بالنصائح النبوية الذهبية من مثل قوله صلى الله عليه وسلم «انْظُرُوا إلى مَن أسْفَلَ مِنكُمْ، ولا تَنْظُرُوا إلى مَن هو فَوْقَكُمْ، فَهو أجْدَرُ أنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ» رواه مسلم.

ولعل ما أصابكِ مما أشرتِ إليه في سؤالكِ من ابتعاد عن الله تعالى بسبب القبح هو نزغ وتحزين من الشيطان، يستوجب منك تقوية الإيمان بهذا التفاوت، والنظر إلى نعم الله الكثيرة عليك من الصحة وسلامة العقل والوظيفة المرموقة -التي أشرت إليها في التعريف بك- فإن من حكمة الله أن لا تجتمع لإنسان واحد كل النعم، لكن العاقل يفرح ويتسلَّى بما عنده عما لم يتيسر له.

ومما فطر الله تعالى عليه الأنثى إعجابها بنفسها وبجوانب الجمال التي فيها، إذ لا تخلو أنثى من جانب من تلك الجوانب، ولكن الحضارة الغربية المادية اليوم أغرقت الناس فيما يسمى (عولمة الجمال)، حيث أصبح للجمال نموذج واحد في الطول، واللون، وشكل الوجه، يُساق الناس إليه سوقًا، فظهرت إشكالات وعاهات نفسية مثل (مرض باربي) الذي يجعل البنات من الصغر يرغبن في أن تكون أشكالهن مثل تلك الدمية الغربية المشهورة.

ونصيحتنا لكِ -أيتها الأخت الكريمة- أن تقوِّي من معرفتك بالله وبحكمته، بالتلاوة المتدبرة لكتابة، والصلاة الخاشعة، وسائر الطاعات، وأن تنظري إلى أنواع النعم التي أنعم بها عليكِ، وأهمها هذا الدين الذي هو سبب طمأنينة الدنيا وجنة الآخرة، فتشكري الله عليه، ولا تلتفتي إلى هذه المقارنات المهلكة نفسياً، وابتعدي عن متابعة القنوات والمشهورات ممن يزيد النظر إليهن ومتابعتهن جوانب المقارنة الجائرة، وترفَّعي بنفسك أن تجعليها عرضة لتعليقات المحطِّمين ممن حولكِ، واتخذي لكِ صديقات صالحات لا يذكُرن منكِ إلا الخير ولا يرشدنكِ إلا إلى جميل الخلال والأعمال، ومارسي حياتك وعلاقاتك بنفس طيبة رضيَّة، فإن هذا من جمال الروح التي هي أعظم في تقييم العقلاء من شكل جميل، وقلب وتعامل قبيح.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً