الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي يضايقني ويتهمني بتهم أنا بريئة منها، فهل أنفصل عنه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا أعيش مع زوجي وأبنائي الثلاثة في بلد أوروبي، وليس لدي من أستشيره. زوجي برغم محاسنه وحبه لي، إلا أنّ هذا الحب فيه جانب كبير من الوسواس وسوء الظن. كنت أصبر على ذلك كثيرًا، إلى أن بدأ منذ سفري بالطعن في أخلاقي وتربيتي، مع أنّني ملتزمة بحجابي وبأخلاقي في هذا البلد كما كنت في بلدي، بل أكثر حرصًا.

أصبح يضايقني كلما أُتيحت له الفرصة، ويسبني على مسامع أهلي وأولادي، ويتهمني بأنّي أحادث شبابًا وأنّي فاسقة، مع العلم أنّ ليس لي أصدقاء إلَّا صديقة واحدة، وابن عم أمي وعائلته، وأراهم كل عدة شهور، وليس هناك ما يدعو للشك.

يضايقني في كل حديث أمام الناس، ويتباهى أنّه يريد الزواج علي، ويقول كلامًا قاسيًا مثل أنّني لست امرأة بل رجل، ويُشعرني أنّي من النساء الملعونات، لمجرّد أنّني لا أقدم نفسي له كما يريد.

فعلى سبيل المثال، إذا جاء وجلس بجانبي على السرير ولم أبدأ بتقديم نفسي، وظللت جالسة، أو نمت وأنا جالسة، يقول إنّي رفضته، مع أنّه لم يقترب مني بأي تصرّف أو حركة تستلزم مني الرفض، بل يبقى جالسًا ينتظر أن أتقدّم أنا إليه، وأنا –والله أعلم– أجاهد نفسي كي أتقبله إذا هو اقترب بالفعل، ولا أرفضه، لكن نفسي لا تطيق المبادرة بالتقرب إليه بمفردي، وذلك لكثرة جراح قلبي التي لا أستطيع نسيانها، خصوصًا وأنه يكرر أنّني لست امرأة حسب قوله.

أزيدكم علمًا أنّ زوجي مدمن على حبوب اللاريكا والترامادول منذ سنوات، ولا يستطيع العيش بدونها، وقبل أيام استيقظت لصلاة الفجر ووجدته نائمًا بغرفة أخرى وبيده زجاجة بيرة، وما رأيته كان ثقيلًا جدًّا علي نفسي، وعندما واجهته أنكَر وقال لي: إنّه لم يُذنب، وأنّي أريد أن أمسك عليه أي خطأ، وإنه لم يشرب.

لقد أثّر هذا الكلام عليّ وشككت في نفسي، لكنني كنت قد صورته فراجعت للتأكد، فتبين أنّ ما رأيته صحيحًا.

أنا أشعر أنّي تدمرت نفسيًا وعاطفيًا، وبدأت أفكر بأمور غريبة، وأشعر بضيق دائم في قلبي، والآن أفكر في الطلاق لأنّي لم أعد أحتمل هذا الوضع.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Rahma حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتَنا وأختَنا- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحُسن العرض للسؤال، ونُقدِّر ما يحصل معكِ ولكِ من الصعاب، ولكن نتمنى ألّا تستعجلي في طلب الطلاق، ونسأل الله أن يُصلح هذا الزوج، وأن يهديه لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنّه لا يهدي لأحسنها إلّا هو.

أشرتِ في البداية إلى إنّه صاحب وسواس وسوء ظنٍّ، وبعد ذلك كلّ ما ترتّب على هذا المرض الخطير من آثار واتّهام ينبغي أن يُوضَع في إطاره، وإذا كنتِ - ولله الحمد - كما أشرتِ: شريفة، محافظة على أخلاقك، محافظة على ثيابك وحجابك الشرعي، فلا يضرّك كلام هذا الرجل ولا كلام غيره، وليس معنى هذا أنّ الأمر ليس صعبًا، ولكن ينبغي أن تتّقي الله وتصبري وتجتهدي في إصلاحه.

ودائمًا إذا كانت الزوجة عندها زوجٌ يعاني من وسواس أو سوء ظنٍّ، ينبغي أن تكون معه على تمام الوضوح.

ما أشار إليه من أنّك لا تقتربين منه، أرجو أن تتجاوزي هذه الآثار السلبية في نفسك، وتقومي بما عليك، لأنّ هذا أيضًا يرسّخ الوساوس؛ لأن رفضك له وبُعدكِ عنه يجعله يُصدِّقُ أنّ هناك مَن يملأ هذا الفراغ، وبالتالي لا بدّ أن تُثبتي له اهتمامك، ولو على سبيل التمثيل في البداية.

وحاولي دائمًا أن تُكرهي نفسك على هذه الأمور قهرًا للشيطان، وقهرًا لهذه الوساوس التي يمتلئ بها عقله وتمتلئ بها نفس هذا الزوج، واعلمي أنّه ليس من العيب أن تتقرّب المرأة لزوجها وتتزيّن له وتتعرض له، بل هي تُؤجر على ذلك، وهذه من الأمور التي ينبغي أن تنتبهي لها، لأنّ هذا له علاقة بعلاج هذه الوساوس.

فنتمنى أن تُجرّبي هذه الوصفة: أن تتهيّئي له، تُقدّريه، وتقتربي منه، وتأخذي حقّك الشرعي، وتبادري، وكلُّ ذلك، نحن ندرك أنّه قد يكون صعبًا عليك، لكن لا بدّ أن نُدرك أنّ طريق الإصلاح، وأنّ العلاج قد يكون مُرًّا، لكن لا بدّ للإنسان أن يستخدمه، ولا بد أن يصبر، وبعض الرجال يُفضّل هذه الطريقة، أن تكون الزوجة هي المبادِرة، فكوني أنتِ هذه الزوجة التي تقوم بما عليها.

واعلمي أنّ العلاقة الزوجية عبادة لربّ البريّة، عندما يُقصِّر هو يحاسبه الله، وإذا قصّرتِ أنتِ يُحاسبك الله، فاعملي على الأمر الذي يُنجيك بين يدي الله تبارك وتعالى.

واجتهدي دائمًا في إبعاده عن الإدمان، وحاولي أن تذهبي معه إلى طبيب يسترشد بتوجيهاته، ولا تقفي طويلًا أمام الشيء الذي رأيتِه، لأنّه أنكره، وهذا لا يعني أنّه لم يفعل، لكن مجرّد الإنكار يعني أنّه يشعر أنّ هذا خطأ، وأن هذه كبيرة، وأنّ هذا مرفوض، واستمري في تذكيره بالله - تبارك وتعالى - ولا تقفي عند الموقف المحدّد، لأنّ وقوفك أمامه هكذا، وإعلامه أنّك قد صوّرتِه وأنك متأكّدة، وأنك كذا، هذا سيجعله يبحث عن اتّهامات ولو كنتِ بريئة ويرميك بها، ليردّ على هذا الذي حصل منكِ، فلا تكوني مثله، ولا تُجاريه.

ونحن نوقن أنّ الذي حصل منه حرام، ولا يمكن أن يُقبَل، لكن الطبيب إذا عرف المرض يسعى للعلاج، ونحن نشير بهذه الإشارات، ونعطيكِ ربما هذه التوجيهات التي فيها صعوبة؛ لأنّنا نتذكّر أنّه مريض، وأنّ عنده وسواسًا، وأنّه يبحث عن أسباب، فاقطعي على الشيطان هذه السُّبل والطرائق، ونسأل الله أن يعينك على الخير.

ونتمنى أن تُشجّعي تواصله مع الموقع حتى نسمع وجهة نظره، وبعد ذلك يأخذ التوجيهات المناسبة له، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً