الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبذل جهدي لإرضاء زوجي ويؤلمني بنظراته للنساء

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا سيدة متزوجة منذ 21 عامًا، أحب زوجي كثيرًا، وأبذل كل جهدي لإرضائه، لدينا ثلاثة أبناء، أكبرهم في الصف الأول الثانوي، وذلك لأننا تأخرنا في الإنجاب خمس سنوات، زوجي رجل طيب في مجمله، لكنه عصبي في بعض الأحيان، لا أنكر أنه يلبي طلباتي، وإن كان في بعض الأوقات ينفذها بعد غضب وعصبية، لكني أعلم في قرارة نفسي أنه يُقدّرني.

إلَّا أن هناك أمورًا تضايقني وتُحزنني، فعندما أذهب معه إلى أي مكان، ألاحظ عليه أنه يطيل النظر إلى النساء، ليست نظرات عابرة، بل يطيل التحديق مرة بعد مرة؛ مما يزعجني كثيرًا ويُحرجني، ويجعلني أشعر أني قليلة في نظر نفسي، وأحيانًا تكون نظراته هذه تجاه نساء يعرفنني -من جيران أو معارف- ممَّا يضعني في موقف سيئ.

كما أنه يشاهد الأفلام الإباحية، وقد تحدثت معه كثيرًا في هذا الأمر، ولكن دون جدوى، لا يستجيب.

زوجي يبلغ من العمر 55 سنة، وأنا أبلغ من العمر 41 سنة، عندما تقدم لخطبتي، كان والدي رافضًا لهذا الزواج بسبب فارق السن، وكان يرى أني أجمل منه، خاصة أنه ليس وسيمًا وبشرته سمراء، لكنني أصررتُ على الزواج منه، ووقفتُ بجانبه كثيرًا.

في بداية زواجنا، لم نكن نملك شيئًا، حتى إنني تزوجت بأشياء مستعملة، وبدأنا معًا في بناء حياتنا من الصفر، وكنت دائمًا أسعى لتأمين مستقبلنا، وكل فكرة كنت أعرضها عليه لتنفيذها في حياتنا كان يرفضها، خوفًا من ألَّا نستطيع الاستمرار، كنت أضغط على نفسي وحياتي، لكي أحقق هذه الأمور، وأقول له دائمًا: "لا تحمل همًّا، أعرف كيف أُدبّر الأمور" كنت أضع كل راتبي في البيت، وزوجي كذلك، لكنه يحتفظ بجزء من مرتبه لتلبية طلباته الخاصة؛ لأنه مدخن، وعندما تحدث أي مشكلة بيننا، يقول لي دائمًا: إنه هو من يتحمّل كل الأعباء من مرتبه، رغم أني لا أحتفظ بشيء من راتبي.

يقول لي: "طالما أنكِ تخرجين للعمل، وتأخذين من وقت البيت، فيجب أن تُساهمي فيه" وفي النهاية يتهمني بأني أحاول أن أُبعد أولادنا عنه بسبب مواقف بسيطة، مثل أنني أُخرجهم للتنزه، عندما يكون هو غير قادر على ذلك، الله يعلم أنني أتحدث عن والدهم أمامهم بكل خير، ولا أشوّه صورته في أعينهم، لكنه يراني دائمًا غير جيدة، ويتهمني بأنني لا أُرضيه.

سؤالي: ماذا أفعل لكي أرضيه؟ هل هو لا يحبني؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نشوى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحباً بكِ أختنا الكريمة، ورداً على استشارتكِ أقول مستعيناً بالله تعالى:

• الحرص والتعاون بين الزوجين على أداء الطاعات والقربات التي تؤدي إلى تقوية الإيمان بالله، وتورث تقواه من أنفع الأمور على استقرار الحياة، فأداء الصلاة ينهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45] والصيام يعين على التقوى، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] وتلاوة القرآن تلين القلوب، كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 83].

• استغلي جانب الصفاء عنده، حين ترين أن عنده استعداداً لتقبل الحوار والنصح، وصارحيه بهدوء وبحسن كلام وعبارة، وترفقي به، ففي الحديث: «ما كانَ الرِّفقُ في شيءٍ إلَّا زانَهُ، وما نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَهُ» [صحيح مسلم] فإن رأيته غضب فأوقفي الحوار لوقت آخر.

• ذكّريه بالله تعالى، وأنه سبحانه يراه ويراقبه، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأن الإنسان محاسب على نظراته، وقد أمر الله تعالى بغض البصر فقال: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30]، والنبي ﷺ يقول: «يا عليُّ، لا تُتبعِ النَّظرةَ النَّظرةَ، فإنَّما لك الأولى، وليست لك الآخرةُ» [صحيح أبي داود] يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، ومن أطلق لحظاته دامت حسراته".

• سليه وانظري جوابه: ماذا لو رأيتني أنظر في الرجال وأتتبعهم بنظراتي؟ فكيف سيكون موقفك؟ لا شك أنه سيقول: إنه سينزعج غيرةً عليك، فقولي له: أنا هكذا، بل إن الغيرة عند المرأة أشد من غيرة الرجل.

• اذكري له أن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، وأن لغض البصر فوائد كثيرة منها:
- أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم، الذي لعل فيه هلاك القلب.
- أنه يورث القلب أنساً بالله، وإطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده عن الله.
- أنه يسد على الشيطان مدخله إلى القلب، فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب، أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي.
- أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها.
- أن بين العين والقلب منفذاً وطريقاً، يوجب انفصال أحدهما عن الآخر، وأن كلاً منهما يصلح بصلاح الآخر، ويفسد بفساده، فإذا فسد القلب فسد النظر، وإذا فسد النظر فسد القلب.
- يُبقي المودة بين الزوجين، وبه تكتمل صورة العفاف بينهما، وتستقيم العشرة.

- يعوض الله عز وجل من غض بصره لله، من جنس فعله بما هو خير، فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه، ففي الحديث: «إنَّكَ لَنْ تَدَعَ شيئًا اللَّهِ عزَّ وجلَّ، إلَّا أبدَلَكَ اللَّهُ بهِ ما هوَ خيرٌ لَكَ منهُ» [صحيح أحمد] قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، فغضُّ بصره عما حُرِّم يعوِّضه اللهُ عليه من جنسه بما هو خير منه، فيطلق نور بصيرته، ويفتح عليه باب العمل والمعرفة والكشوف، ونحو ذلك مما يُنال ببصيرة القلب".

- ليجعل ابتعاده عن هذا الذنب تعبداً لله، يبتغي منه الأجر، ويخاف العقاب، تماماً كما نفعل في تركنا لأي ذنب آخر، كالخمر، والربا، والزنا، وغير ذلك.

- أثبتت بعض الدراسات الاجتماعية في بلاد الغرب أن عدم غض البصر يورث الاكتئاب والأمراض النفسية، كما أنه يفضي إلى مشاكل صحية عديدة، منها إصابة جهازه التناسلي بأمراض وخيمة، مثل: احتقان البروستاتا، أو الضعف الجنسي، والسبب في ذلك انعدام القيم التي تنظم عمل حاسة البصر، ولذلك أمرنا الله تعالى في كتابه الكريم، ورسوله ﷺ في سنته، بغض أبصارنا تجنباً لهذه العواقب الوخيمة.

• من الأمور الطيبة: تعاون وتشارك الزوج والزوجة في تدبير أمور البيت، خاصة إذا كانت المرأة لها وظيفة، ثم إن اشتراك المرأة في تدبير أمور البيت والأولاد يورث لها الحب والمكانة في قلب زوجها، وعلى كل من الزوجين ألا يمنّ على الآخر، وإن منّ طرف وجب على الطرف الآخر أن يعلم أن هذا الكلام صدر حال غضب، وليس من القلب.

• زوجك، ولله الحمد، عنده صفات حسنة كما ذكرت، وإذا قارنتِ بين صفاته الحسنة وتلك الصفات التي تزعجك، لوجدتِ نسبتها قليلة جداً؛ لذلك لا بد أن تتحمليه وتحاولي إصلاحه بهدوء ورفق ولين، وستصلين إلى مبتغاك بإذن الله.

• كون زوجك يلبي طلباتك من صفاته الحسنة، وعدم تلبيته لبعضها إلا بعد غضب وعصبية، هذه طبيعة الرجال حين يرون خروج المصاريف الكثيرة مع محدودية الدخل، وهذا أمر طبيعي، والذي أنصحك به: إن رفض أن تسكتي، ولعله بعد وقت يأتي بطلبك بنفسه، أو أنك تعاودين الطلب بأسلوب أحسن، كأن تدعي له بالصحة والسلامة وسعة الرزق، وتقولين له: لو أمكن وسمح ظرفك أن تشتري لنا كذا، فجزاك الله خيراً، ولعلك تجدين منه الجواب الذي يسر قلبك، فالأسلوب الحسن يسحر القلب ويلينه.

• لا تهملي نفسك بحجة انشغالك بالوظيفة والأولاد، بل كوني دائماً بأبهى حُلّة، وأحسني من استقباله وتوديعه، ورتبي بيته أحسن ترتيب، وهيئي له أجواء الراحة إن عاد من العمل، ولا تجعليه ينتقدك بأي شيء، وستجدين أثر ذلك على زوجك بإذن الله، ولا تنسي الكلمات الرومانسية، فإنها تشبع جانباً مهماً من حياة الزوج، فإن افتقدها بالحلال ذهب يتسولها بالحرام، وهكذا، إن وجدك أهملتِ التجمل له، ذهب يتلمس النظر في وجوه النساء، فاحذري من التقصير.

• أحسني وتفنني في إعداد طعامه وشرابه، فإن بعض الرجال تأسرهم نساؤهم من خلال إعداد الطعام والشراب، ويحمدون نساءهم ويمدحونهن أشد المدح، لذلك.

• لا تكثري عليه من النقد، فإن ذلك سيزعجه جداً، وقد يصل لمرحلة لا يؤثر فيه الوعظ والنصح، ولكن بين الحين والآخر، ونوّعي أساليبك.

• تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وسليه من خيري الدنيا والآخرة، ومنها أن يصلح لك زوجك، وأن يرزقك الحياة السعيدة الطيبة، وتحيني أوقات الإجابة:
- ما بين الأذان والإقامة، للحديث: «الدُّعاءُ بينَ الأذانِ والإقامةِ لا يُرَدُّ» [صحيح الترمذي].

- وأثناء السجود، للحديث: «أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه وهو ساجدٌ، فأكثروا الدُّعاءَ، فإنَّه قَمِنٌ أن يُستجابَ لكُم» [صحيح مسلم]، ومعنى قمن: أي حري أن يستجاب لكم.

- وفي الثلث الأخير من الليل، لحديث: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَن يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لهُ» [صحيح البخاري].

- وحين تصحين وأنت على فراش نومك، للحديث: «مَن تَعارَّ مِنَ اللَّيلِ، فقالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وحْدَهُ لا شَريكَ لهُ، لهُ المُلكُ، ولَهُ الحَمدُ، وهُوَ علَى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ، الحَمدُ للَّهِ، وسُبْحانَ اللَّهِ، ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي، أوْ دَعا، اسْتُجيبَ لهُ، فإنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى قُبِلَتْ صَلاتُهُ» [صحيح البخاري].

- وما بين العصر والمغرب من يوم الجمعة، ففي الحديث: «إنَّ في الجُمُعةِ لَساعَةً لا يُوافِقُها عَبدٌ مُسلِمٌ قَائمٌ يُصلِّي يَسألُ اللهَ تعالى شيئًا إلَّا أعطاهُ إيَّاهُ» [صحيح البخاري]، ومعنى "يصلي": أي يدعو ربه.

نسأل الله تعالى أن يصلح لكِ زوجك، وأن يبصره بعيوبه، ويرزقه الاستقامة، ويجعل حياتكما هادئة وسعيدة ومطمئنة، إنه جواد كريم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً